17-مارس-2021

الانتخابات البرلمانية تنظّم في جوان القادم (Getty)

يبدو أنّ الانتخابات التشريعية المقرّرة في الثاني عشر حزيران/جوان القادم، قد اتضحت معالمها الأساسية، من حيث التّشكيلة الإدارية المنتظرة للغرفة السفلى للبرلمان، والتي تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية الجزائرية وتكريس الشرعية على مؤسّسات الدولة بعد أن كانت فاقدة لشرعية الشعب ولشرعية الأرقام والمقاعد المحصّل عنها في آخر انتخابات برلمانية في 2017.

احتفظ القانون الجديد للجالية الجزائرية في الخارج بمقاعدها الثمانية

بعد إصدار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن قانون الدوائر الانتخابية الذي يتضمّن تقسيم عدد المقاعد على الولايات ومناطق الجالية المقيمة في الخارج، وتقليصها إلى 407 بعدما كانت 462 مقعد، طرحت عدة تساؤلات بخصوص التقليص أولًا، وتسيير الدوائر الإدارية بهذا العدد ثانيًا وهل ستكون على مقاس السلطة وليس التداول عليها؟ 

اقرأ/ي أيضًا: البرلمان يستأنف أشغاله لطرح الأسئلة الشفوية على الوزراء

إجرائيًا حمل قانون توزيع الدوائر الانتخابية في الجزائر تقليصًا لافتًا لعدد مقاعد البرلمان بــ 55 مقعدًا، بينما كانت القوى السياسية من أحزاب ومكوّنات المجتمع المدني كانت تنتظر أن ترتفع المقاعد بسبب الزيادة السكانية واستحداث عشر ولايات جديدة في الجنوب.

ويفسّر تقليص عدد مقاعد البرلمان، بقرار تعديل المُعامِل الانتخابي الى مقعد لكل 120 ألف نسمة، بدلًا من مقعد واحد لكل 80 ألف نسمة الذي كان يعتمد في التقسيم السابق.

ونتيجة لذلك، يعني أن ولاية بعدد سكان 400 ألف نسمة التي كانت تحوز على سبعة مقاعد، باتت وفقًا للقانون الجديد تحوز على أربعة مقاعد فحسب، وكانت العاصمة الجزائرية أكثر الولايات التي خسرت مقاعد وصلت إلى عشر ولايات حيث تدني عددها من 44 مقعدًا في برلمان سنة 2017 إلى 34 مقعدًا.

ويشير قانون الدوائر الانتخابية الجديد، إلى تقليص الحدّ الأدنى للمقاعد الممنوح للولايات من خمسة إلى ثلاث مقاعد، وتبعًا لذلك، خسرت عدّة ولايات عددًا من المقاعد، حيث بات عدد مقاعد الممثلة للعاصمة الجزائرية 34 مقعدًا، بدلا من 37 مقعدًا، وخسرت ولاية تيزي وزو أربعة مقاعد لتصبح 11 مقعدًا، من جهتها خسرت عاصمة الغرب الجزائري وهران مقعدًا واحدًا لتصبح 17مقعدًا، كما تنخفض عدد المقاعد في عاصمة الهضاب العليا إلى 15 مقعدًا بعدما كان 19 مقعد أي بخسارة أربعة مقاعد، وفقدت عاصمة الأوراس مقعدين ليصبح عدد المقاعد فيها 12 مقعدًا، وخسرت ولاية قسنطينة مقعدًا واحدًا لتصبح 11مقعدًا، بينما خسرت ولاية البليدة ثلاثة مقاعد، لتصبح 11 مقعدًا. 

كما يُبيّن التقسيم الذي تسلمت "الترا جزائر" نسخة منه، أن 19 ولاية تحوز على ثلاثة مقاعد فقط. بينما منح للولايات العشر الجديدة التي تم استحداثها في مناطق الجنوب الشهر الماضي (أصبح مجموع الولايات 58 ولاية)، لكلٍّ منها ثلاثة مقاعد.

واحتفظ القانون الجديد للجالية الجزائرية في الخارج بمقاعدها الثمانية، بمعدل مقعدين عن كل منطقة، تضم الاولى جنوب فرنسا وباقي أوروبا، ومقعدين لشمال فرنسا، ومقعدين للمنطقة الثالثة التي تضمّ العالم العربي وآسيا وأفريقيا، ومقعدين لأمريكا وباقي العالم. 

ولتوضيح أكثر، يعتبر السبب الثاني لتقلص مقاعد البرلمان هو أن 19 ولاية صغيرة من حيث الكثافة السكانية، بما فيها الجديدة التي كان القانون يمنحها حد أدنى من المقاعد بخمسة مقاعد، فقد تم خفض عدد مقاعدها إلى ثلاث فقط.

النّفقات أيضًا 

وفي غضون التفسيرات القانونية المنبثقة عن قانون الانتخابات الجديد، إلا أنّ تفسيرات سياسية أخرى ذهبت سابقًا إلى طرح إمكانية زيادة مقاعد البرلمان وفق الزيادة السكانية، ما يرتبط بتفسير آخر يتعلّق بتقليص النفقات سواءً في مسار العملية الانتخابية برمّتها وبخصوص الحملة الانتخابية المكلفة خصوصًا، ثم مصاريف النواب الفائزين بعهدة نيابية لمدّة خمس سنوات، وهذا التقليص دافعه الأساسي الأزمة المالية التي تخنق الاقتصاد الجزائري بتشابك الظروف الصحيّة والاجتماعية والإرث الثقيل للمنظومة السياسية التي حكمت البلاد خلال السنوات الماضية، وأعباءها على الخزينة العمومية. 

منافسة معقّدة

سياسيًا، هذا المخرج الجديد لعدد مقاعد البرلمان من شأنه أن يبعث على تعقيد المنافسة الانتخابية، برأي المتابعين للشأن السياسي العام في الجزائر، إذ تلوح في الأفق القريب منافسة شديدة بين القوائم على المقاعد بسبب العتبة المحددة بـ5 بالمائة، وهي عتبة لن تسمح للقوائم التي تحصل على ادنى من ذلك بالدخول في مرحلة تقسيم المقاعد المقلّصة سلفا، وبذلك ستبعد من مرحلة التقسيم وتوزيع المقاعد إن لم تصل إلى تلك النسبة.

كما تظهر أيضًا أنّ الانتخابات التشريعية برمتها ستكون فسيفساء سياسية بألوان مختلفة من الطيف الأيديولوجي والمناطقي أيضًا، على اعتبار أن قانون الانتخابات الجديد بدًا واضحًا في الوجوه التي ستدخل المجلس الشعبي الوطني بحسب الباحث في العلوم السياسية كريم بهلول، وهي برأيه، الوجوه التي لم تكن حاضرة في التشريعيات السابقة، كما أن القانون في المقابل سيسيل لعاب المترشحين من الشباب والجامعيين وغير المتحزّبين في طرق بوابة مبنى قبة البرلمان بشارع زيغود يوسف بالعاصمة الجزائرية، مستفيدة من الشروط الجديدة.

عمومًا يعتقد البعض أن القانون سيسمح بإعادة تشكيل نوعية الطبقة السياسية في المؤسّسة التشريعية وتجديدها أيضًا، كما قال الأستاذ بهلول لـ "الترا جزائر"، موضحًا أن البلاد ستعرف ملمَحًا سياسيًا داخل البرلمان مختلف عن السّابق، وتجديد التوليفة السياسية من خلال التشريعيات، معترفًا بأن الحراك الشعبي كان له دورٌ في زحزحة الكثير من الصور والحقائق حيال المنظومة الحزبية الجزائرية. 

وجوه جديدة

على النقيض مما سبق، يتوقّع البعض أن تكون للانتخابات التشريعية وسيلة لتعويم الساحة السياسية بمكونات سياسية جديدة وبوجوه جديدة، لا خلفية سياسية لها، ولا مشروع، إذ كما طرح الناشط السياسي المحامي علي لبتر سؤالًا لم تزل الإجابة عليه غير نهائية مفاده متى سيتمكن هؤلاء المرشّحون من تقديم برامجهم، ومدى إمكانية إقناع الناخبين بها؟ 

وواصل الناشط في تصريحه لـ "الترا جزائر" كيف السبيل إلى تأسيس برامج سياسية للمترشحين المحتملين للبرلمان في غضون أيّام، ونحن لا زلنا نعيش غليانًا شعبيًا في الشارع، في وقت تشهد الجزائر فوْرة مطلبية متّصلة أساسًا بالظروف الاجتماعية الاقتصادية للجزائريين، عقب سنتين من الاحتجاج الأسبوعي في الشارع بسبب منظومة سياسية فاسدة؟".

لا يمكن الجزم أن الانتخابات المقبلة ستكون مغايرة لسابقتها من حيث المضمون

بعيدًا عن الشكل الانتخابي تبعا لقانون الانتخابات الجديد وتقسيمات الدوائر الانتخابية، وبعيدًا عن التشكيلات السياسية للهيئة التشريعية، لا يمكن الجزم أن الانتخابات المقبلة، ستكون مغايرة لسابقتها من حيث المضمون، رغم أن كل القراءات تتجه نحو القول بأننا سنتلقى مفاجآت حول البرلمان، وستفرّغ الساحة من فعاليات سياسية لعبت دورًا كبيرًا في تسيير البلاد لسنوات طويلة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نوّاب البرلمان يصادقون على مشروع تعديل الدستور بالإجماع

البرلمان في زمن الكورونا.. غياب الغائب