سياسة

البرلمان الجزائري يقترب من نهاية العُهدة.. صمت بلا مُبادرات تشريعية

10 يونيو 2025
نواب البرلمان خلال مناقشة مشروع قانون المالية 2025
نواب البرلمان خلال مناقشة مشروع قانون المالية 2025 ( صورة: أرشيف)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموشإعلامية وباحثة من الجزائر

مع اقتراب نهاية العُهدة الحالية للبرلمان (2021-2026)، وقبل نحو عام من الانتخابات التشريعية المقبلة، يطرح العديد من المراقبين أسئلة جدية حول حصيلة الأداء التشريعي للمؤسسة البرلمانية.

باستثناء القوانين التي جاءت بمبادرة من الحكومة، لم يقدم نواب المجلس الشعبي الوطني أي مشروع قانون مستقل منذ بداية العهدة

لم يُقدّم نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان) أي مشروع قانون مستقلّ مُنذ بداية العًهدة، وذلك باستثناء القوانين التي جاءت بمبادرة من الحكومة،ما يعكِس ضعفًا واضحًا في المبادرة التشريعية لدى الممثلين المنتخبين.

رغم تنصيب البرلمان عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة في 12 حزيران/ جوان 2021، وسط آمال ببعث ديناميكية سياسية جديدة بعد الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد في 22 شباط/ فبراير2019، إلاّ أنّ الواقع أظهر استمرار النمط التشريعي نفسه السائد مُنذ سنوات: حضور محدود لدور النواب كمُشرّعين، مقابل دور شبه حصري للحكومة في اقتراح القوانين.

أزمة تشريعية أم هيكلية؟

لم يعد غياب المبادرات النيابية يُقرأ كمجرّد تراجع في الأداء السياسي، بل يُطرح اليوم كمؤشّر على خلل أعمق في بنية البرلمان الجزائري ووظيفته. فالمشرّع، وإن كان يمتلك نظريًا حق تقديم مشاريع القوانين، إلا أن هذا الحق ظلّ حبيس النصوص ولم يتحوّل إلى ممارسة فعلية داخل المؤسسة التشريعية.

ويرى مراقبون أنّ البرلمان تحوّل في السنوات الأخيرة، إلى مجرّد "غُرفة تصويت"، لا إلى فضاء تشريعي فعّال. 

وفي قراءة للمشهد التشريعي البرلماني طيلة السنوات الأربع الأخيرة، يمكن تسجيل عدة ملاحظات أبرزها أنّ مشاريع القوانين تأتي غالبًا من الحكومة، وتُعرض للمصادقة في جلسات يُنظر إليها على أنّها شكلية، فيما يكتفي النواب بتقديم تحفظات جزئية أو تعديلات سطحية لا تمسّ جوهر النُّصوص.

تجريم الاستعمار.. مبادرة ومصير المجهول

في سجلّ البرلمان الحالي، لا تُسجَّل سوى مبادرة نيابية واحدة ذات طابع رمزي وسياسي، تتعلّق بمشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي

وبالرغم من الزخم الإعلامي الذي صاحب طرحها من قِبل بعض النواب، لا يزال المشروع عالقًا ولم يُدرج ضمن جدول أعمال المجلس للنقاش أو التصويت.

هذا الوضع يُثير تساؤلات حول جدية الطرح من جهة، وحجم الإرادة السياسية لتمرير هذا النوع من القوانين ودفعها نحو الإقرار من جهة أخرى.

في سجِلّ البرلمان الحالي، لا تُسجَّل سوى مبادرة نيابية واحدة ذات طابع رمزي وسياسي، تتعلّق بمشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي

ويُفسَّر هذا الجُمود حسب مختصين، بواقع سياسي ويعكس مناخًا سياسيًا لا يُشجِّع على التعدُّدية داخل المؤسسات، ويعكِس استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على العمل التشريعي. رغم ما ينصّ عليه الدستور من صلاحيات موسّعة للمشرّع النيابي.

 

 

لا يزال البرلمان يفتقر إلى الاستقلالية الكافية التي تمكّنه من ممارسة دوره الرقابي والتشريعي بفعالية، وهو ما تطرقت له كتلة حزب جبهة المستقبل قبل عام ونصف، خلال جلسة مناقشة مشروع القانون العضوي الذي يعدل ويتمم القانون العضوي رقم 16-12 الذي يحدّد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.

وفي هذا الصدد ذكر النائب سماعيلي سليمان خلال مداخلته بتاريخ 21 فبراير 2023 أنّه رغم النصوص الدستورية التي تمنح المجلس النيابي صلاحيات واسعة، إلا أنّ الممارسة الواقعية تكشف عكس ذلك. 

"تهميش" المعارضة في البرلمان 

احتجت كتلة حركة مجتمع السلم (حمس) بشدة على ما تصفه بـ"ـتعطيل ممنهج لمبادراتها وتعديلاتها النيابية على مشاريع القوانين الحكومية". 

وقد وجهت الكتلة مراسلات رسمية إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، للتعبير عن استيائها من "استهداف" هذه التعديلات و"إحباط" المبادرات النيابية.

وفي هذا الإطار؛ يُؤكد النائب عبد الوهاب يعقوبي لـ "الترا جزائر" أنّ "الممارسة الفعلية داخل المجلس الشعبي الوطني تُظهر خروجًا عن المبدأ الدستوري المتعلق بحرية المبادرة النيابية واحترام حق المعارضة في البرلمان".

 ويُشير يعقوبي إلى أنّ مكتب المجلس يرفض بشكل متكرر إحالة تعديلات نواب المعارضة على مشاريع القوانين إلى اللجان المختصة، حتى عندما تستوفي جميع الشروط الشكلية المطلوبة.

وجهت كتلة حركة مجتمع السلم مراسلات رسمية إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، للتعبير عن استيائها من "استهداف" التعديلات على المشاريع القانونية و"إحباط" المبادرات النيابية

ويُوضّح يعقوبي أنّ مكتب المجلس يُبرر تعطيل هذه المبادرات النيابية بـتصويت أعضائه بالأغلبية على مضمون التعديلات، وهو إجراء يُعدّ – حسبه- غير دستوري ومخالف للمادة 14 من النّظام الداخلي للمجلس. 

وأضاف أنّ هذه المادة تحصر صلاحيات المكتب في التحقق من استيفاء الشروط الشكلية فقط، دون التعرُّض لمحتوى المبادرة النيابية أو تقييمها.

ويُضيف يعقوبي أنّ "هذه الممارسة تتفاقم في ظل التمثيل الضعيف للمعارضة داخل مكتب المجلس، ما يؤدي عمليًا إلى تهميش دورها وتقويض المسار التشريعي". 

هذا الوضع يثير تساؤلات جدية حول مدى فعالية الدور التشريعي للمعارضة في البرلمان، ومدى حماية حقوقها الدستورية.

البرلمانات السابقة... تكرار للمشهد نفسه

المفارقة أنّ ما يعيشه البرلمان اليوم لا يُعد استثناءً، بل يُمثّل امتدادًا لنمط مزمن ساد جميع العُهدات التشريعية منذ الاستقلال. 

إذ لم تُسجَّل في تاريخ المؤسسة البرلمانية مبادرات نوعية مؤثرة جاءت من داخلها، بل ظلّ تقديم مشاريع القوانين حكرًا على السلطة التنفيذية.

حتى خلال فترات الانفتاح السياسي النسبي أو الأزمات الوطنية، لم يتمكن البرلمان من فرض نفسه كقوة اقتراح أو مساءلة حقيقية. 

الباحث في العلوم السياسية كريم عزوق لـ"الترا جزائر": البرلمان لا يمكن أن يؤدي دوره كمؤسسة تشريعية ومراقِبة، إلاّ إذا كان حرًا في قراراته، وكان النائب مسؤولًا أمام من انتخبه

ويرى مراقبون أنّ هذا الجمود مرتبط ببنية النظام السياسي نفسه، حيث تبقى السلطة التنفيذية مهيمنة على مراكز القرار، بينما يظلّ دور السلطة التشريعية محدودًا، رغم ما تمنحه لها النصوص الدستورية من صلاحيات.

رغم وجود تعددية حزبية داخل البرلمان، إلا أنّ التعددية الفعلية في اتخاذ القرار تظل محدودة، وفق الباحث في العلوم السياسية كريم عزوق من جامعة البليدة، إذ يُلاحظ أن الإرادة السياسية لتمرير مشاريع إصلاحية أو قوانين ذات طابع تغييري ما تزال ضئيلة. 

وأضاف عزوق في إفادته لـ" الترا جزائر" أنّ ذلك "ما يعكس حسابات سياسية ضيقة قد ترتبط بتوازنات القوى داخل البرلمان أو بمواقف القوى المؤثرة في القرار السياسي". 

وواصل أنّ "البرلمان لا يمكن أن يؤدي دوره كمؤسسة تشريعية ومراقِبة، إلاّ إذا كان حرًا في قراراته، وكان النائب مسؤولًا أمام من انتخبه".

في سياق متصل؛ تُظهر متابعة مجريات النقاشات تحت قبة البرلمان أنّ آليات الرقابة والمساءلة غالبًا ما تُمارَس بشكل شكلي، الأمر الذي يُفرغ العمل التشريعي من مضمونه، ويجعل البرلمان أقرب إلى مؤسسة للمصادقة على ما يُقرّ مسبقًا، بدلًا من أن يكون سلطة مستقلة ومؤثرة في صُنع السياسات.

ما دور البرلمان فعليًا؟ 

قبل أقل من سنة على موعد الانتخابات التشريعية القادمة؛ تبقى الأسئلة معلّقة: هل سيشهد البرلمان المقبل بروز كتل نيابية ذات فاعلية حقيقية؟ وهل سيتمكن النواب الجدد من كسر النمط التقليدي وطرح مشاريع تعكس فعليًا انشغالات المجتمع؟

يُلاحظ أن الإرادة السياسية لتمرير مشاريع إصلاحية أو قوانين ذات طابع تغييري ما تزال ضئيلة

ويرى العديد من المراقبين أنّ الإجابة تظلّ مشروطة بمدى التقدّم في مسار الإصلاحات السياسية، وفعالية النظام الانتخابي، إضافة إلى مستوى الوعي والمسؤولية لدى النخب التي ستنتجها العملية الديمقراطية

يُعيد هذا الواقع طرح سؤال جوهري طالما شغل المهتمين بالشأن السياسي في الجزائر: هل يمارس البرلمان فعليًا دوره كسلطة تشريعية مستقلة، أم أنه مجرد امتداد للسلطة التنفيذية؟ فغياب المبادرات النيابية، واعتماد المؤسسة التشريعية كليًا على الحكومة في اقتراح القوانين، يكشف الخلل في مبدأ الفصل بين السلطات كما ينص الدستور.

الكلمات المفتاحية

زكريا بلخير

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟

وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".


رحابي.jpg

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر

انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.


بينجامين ستورا

بينجامين ستورا: الذاكرة عالقة في منتصف الطريق وعلينا أن نمضي خطوة بخطوة

منذ سنوات، يمضي المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا عمره بين الوثائق، محاولاً أن يُزيل الغبار عن أكثر صفحات فرنسا تعقيدًا ووجعًا، تلك المرتبطة بماضيها الاستعماري في الجزائر.


الانتخابات الرئاسية 2024

النظام الانتخابي في الجزائر على مفترق الطرق.. مطالب الإصلاح لم تعد حكرًا على المُعارضة

يعرِف النّظام الانتخابي في الجزائر مرحلة تحوّل لافتة، حيث تجاوزت مطالب الإصلاح حدود المعارضة لتصبح قضية تُطالب بها أحزاب الموالاة الرئيسية أيضًا.

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

رحابي.jpg
سياسة

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر

انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.


شركة الخطوط الجوية الجزائرية
أخبار

نقابة تقنيي صيانة الطائرات تندد بتهميشها في اتفاقيات الخطوط الجوية الجزائرية

نددت النقابة الوطنية لتقنيي صيانة الطائرات (SNMTA) بما وصفته بـ"تجاوزات" إدارة شركة الخطوط الجوية الجزائرية، على خلفية توقيع الاتفاقية الجماعية دون إشراكها، رغم أن اتفاقًا كان مرتقبًا يخص ميكانيكيي ومهندسي الصيانة بالتوازي مع هذه الوثيقة.

يوسف أوشيش.jpg
أخبار

الأفافاس يدعو السلطة في ذكرى الاستقلال لتحمّل مسؤوليتها التاريخية.. ما هي مطالبه؟

دعا الأمين الوطني الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، السلطة الجزائرية إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخية كاملة، عبر تبنّي مقاربات سياسية جديدة، عقلانية وشجاعة، تُعيد بناء جسور الثقة مع المجتمع وتجدد العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن.

الأكثر قراءة

1
أخبار

مصدرون جزائريون تجاوزوا حاجز المليون دولار.. كم عددهم وفي أي مجال ينشطون؟


2
أخبار

في ظل التساؤلات حول الكوطة.. الرئيس تبون يؤكد أن استيراد وتصنيع السيارات من صلاحيات مجلس الوزراء


3
أخبار

مشروع بقيمة 1.35 مليار دولار.. إيني الإيطالية توسّع استثماراتها في الجزائر


4
أخبار

الجزائر ترد على مقررين أمميين بخصوص محاكمة خلية تبشيرية لـطائفة "شهود يهوه"


5
سياسة

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟