08-نوفمبر-2022
برلمانيون جزائريون أمام مبنى المجلس الشعبي الوطني (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

برلمانيون جزائريون أمام مبنى المجلس الشعبي الوطني (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

لم يعد مقتصرًا دور النائب البرلماني في الدورة التشريعية الحالية على الحضور إلى مبنى زيغود يوسف وملء كرسي شاغر ورفع يده للتصويت بنعم أو لا، ثم قبض راتب بعشرات ملايين السنتيمات وامتيازات لا تنتهي؛ فالمعادلة اليوم تغيرت وأصبحت تفرض على ممثل الشعب أن يلعب جميع أوراقه لإنصاف من صوتوا له، وأن يتحوّل إلى سلطة اقتراح وتشريع وتحقيق وتفاوض وتفتيش، وأدوار أخرى، كانت إلى وقت قريب بعيدة عن مخيلة النائب ومغيبة عن دور البرلماني طيلة عقود من الزمن.

النائب البرلماني اليوم مطالب بالخروج من قبة زيغود يوسف والنزول إلى مناطق الظلّ، حيث يشتكي المواطن من الظلم والمحسوبية والتعسف

كان الإعلان عن عودة لجان التحقيق البرلمانية بعد 11 سنة من التجميد والغياب _ منذ سنة 2011 _ ، إيذانًا ببداية عهد جديد للعمل النيابي، يقوم على بذل الكثير من الجهد للمساهمة في تطبيق القرارات الحكومية ووضع حد للتجاوزات التي يرتكبها بعض أعضاء الجهاز التنفيذي سواءً المركزيين أو بالولايات.

فالبرلماني اليوم مطالب بالخروج من قبة زيغود يوسف والنزول إلى الولايات، ..هناك في الجزائر العميقة ومناطق الظلّ، حيث يشتكي المواطن من الظلم والمحسوبية والتعسف، وبعدها رفع تقارير إلى السلطات العليا، التي أكدت مرارًا وتكرارًا أنها لن تتسامح مع من يعبث بكرامة الجزائري.

فمهام النائب اليوم، وإضافة إلى التشريع واقتراح القوانين وتعديل تلك النسخ التي تأتي بها الحكومة، تتمثل في التحقيق في الندرة والمضاربة وتجاوزات قطاعات الصحة والبيئة والصناعة، وكل القضايا التي تصنع الرأي العام وتثير الجدل، وأيضًا لقاء الوزراء والمسؤولين باختلاف رتبهم ومهامهم، والتنقل إلى ولاة الجمهورية ورفع تقارير مدققة حول الأوضاع، والاستماع لانشغالات المواطنين والتقصي حول مشاكلهم، وتمثيلهم في الهيئات الدولية، فهؤلاء مطالبون اليوم فعلًا بأن يكونوا همزة وصل بين الحاكم والمحكوم.

أوجه الاختلاف

في السياق، يؤكد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني ابراهيم صعدلي في إفادة لـ"الترا جزائر"، وجود تغير كبير بين السنة الأولى والثانية من الممارسة التشريعية لنواب البرلمان، حيث يظهر ذلك بوضوح من خلال تكثيف الخرجات الاستعلاماتية لمعظم اللجان، إضافة الى تشكيل واقتراح خلايا تحقيق حول القضايا التي تحتاج إلى بحث وتحر.

كما أصبح البرلمان وفق المتحدث، يلعب دورًا حقيقيًا في الرقابة والتشريع على حد سواءً وهو ما تترجمه النشاطات الأخيرة لممثلي الشعب.
وللتدقيق أكثر، شهدت هذه الدورة منذ انطلاقها شهر سبتمبر / أيلول المنصرم نشاطًا غير مسبوق للنواب، خاصة بنزول قوانين ذات وزن كبير لمكتب المجلس، وأيضًا بعد الموافقة على لجان تحقيق، يضيف المتحدث.

وكان أبرز ما ميز مطلع الدورة، برمجة لقاءات رسمية مع وزراء وولاة الجمهورية وذلك بهدف توطيد العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وإزاحة كافة الحواجز التي تعيق حل المشاكل والتداخلات في الكثير من المرات.

وتأتي هذه التحركات بالموازة مع  المغازلات التي وجهها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للبرلمان وشرعيتة، وكذا توصيات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن للسادة الوزراء وولاة الجمهورية، لفتح باب الحوار  أمام النائب، والاستماع إلى انشغالاته.

وبذلك يجزم المتحدث بقوة وصلابة العلاقة التي تربط اليوم الهيئتين التنفيذية والتشريعة، والتي تصب في خدمة المواطن، من خلال مشاركة الجميع للمساهمة في التنمية والتكامل.

وأوضح صعدلي: "مثل هذه التحركات والصلاحيات الموسعة الممنوحة للبرلماني، فضلًا عن التسهيلات المقدمة من قبل السلطات، تجعل النائب يعمل في أريحية للقيام بواجبه على أحسن ما يرام".

 تفاصيل لجان التحقيق 

وكانت أهم لجان التحقيق التي حظيت بالموافقة على الدراسة لحد الساعة، وفقًا لما تسرب من مبنى زيغود يوسف، تلك المتعلقة بقطاع الصحة، وأيضًا لجنة تحقيق تخص قطاع النقل، لاسيما النقلين البحري والجوي، في حين تم رفض لجان تحقيق مرتبطة بالحرائق الاخيرة، بحكم أن الملف اليوم لا يزال موجودًا على طاولة القضاء الذي لم يفصل بعد فيه.

إلى هنا، تقول البرلمانية عن حركة مجتمع السلم زكية بوقطوشة، صاحبة مقترح لجنة تحقيق برلمانية تتعلق بأغذية مرضى"سياليك"، إنه خلال الدورة البرلمانية الثانية تقدمت بمقترح لإنشاء لجنة تحقيق في طبيعة أغذية مرضى سياليك الذين يعانون في صمت بسبب تحايل المصانع المنتجة في مكونات هذا الغذاء.

محدثة "الترا جزائر" تؤكد أنه بعد مناقشة الملف على مستوى مكتب المجلس الشعبي الوطني تم قبول إيفاد لجنة تحقيق، وهي الخطوة التي وصفتها بالإيجابية، مشددة على رغبة السلطات في منح البرلماني تسهيلات تساعده في عمله التشريعي.

وتضيف المتحدثة: "نحن ننتظر برمجة جلسة تصويت جماعية كي ننطلق في عملنا ونعد تقريرًا مفصلًا حول هذا الملف يرفع لإدارة المجلس والسلطات العليا في البلاد".

وحسب بوقطوشة فإن تحرك النواب لإنشاء لجنة يدخل ضمن عملهم النيابي، فمثل هذه المبادرات تعزز العمل التشريعي من جهة وتكشف حقائق تساعد السلطات على التحرك لوقف التجاوزات من جهة أخرى، وهو ما قالت إنه يندرج في خضم الدور الفعلي للنائب البرلماني.

هل يستعيد النائب مكانته؟

من جهته، يعتقد البرلماني عن حركة البناء الوطني كمال بن خلوف في تصريح إلى "الترا جزائر"، أنهم سجلوا خلال  السنة البرلمانية الحالية تغيرًا ملحوظًا في طبيعة ونوعية العمل التشريعي مقارنة بالسنة الأولى التي لم تعرف الكثير  من الاجتهادات، سواءً بالنسبة للمشاريع القانونية او المبادرات التشريعية.

ورغم أن هذه الدورة لاتزال في بدايتها ويصعب إصدار أحكام تقيمها، سواء بالنجاح أو الفشل، غير أن الشيء الملاحظ اليوم، هو تحسن مستوى العمل النيابي الذي يظهر جليًا من خلال عدة نقاط.

ويتعلق الأمر _ يضيف بن خلوف _ بتعهد الحكومة بتكثيف التعاون مع النواب، وتسهيل عملهم النيابي من خلال برمجة لقاءات مع ولاة الجمهورية، حيث سبق للنواب وأن انتقدوا سياسة الغلق التي يمارسها الولاة وكذا رؤساء الدوائر الذين يرفضون استقبال البرلماني والاستماع للمشاكل المحلية المعروفة.

ويبدو أن تعهدات الحكومة، على رأسها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، الذي قال في ختام مناقشة بيان السياسة العامة إن السلطة ستفتح أبوابها على مصراعيها للنواب، تسير نحو التجسيد من خلال الشروع في استقبال النواب والاستماع لهم من طرف الوزراء وولاة الجمهورية، إضافة الى نزول أعضاء الطاقم الحكومي لمبنى البرلمان وسط العاصمة، استجابة لطلبات النواب للرد على أسئلة وانشغالات تتعلق بقطاعتهم وتقديم تفسيرات لممثلي الشعب حول النقاط التي تحتاج إلى توضيح.

وما يبرز أن الدورة الحالية مخالفة عن سابقاتها، يشدد بن خلوف، قبول إدارة المجلس تشكيل لجان تحقيق برلمانية وإرسال بعثات استعلاماتية للتحري في الملفات المثيرة للجدل والريبة، فضلًا عن تنظيم لقاءات دورية مرة كل شهر بين رؤساء الكتل ووزير الداخلية.

النائب كمال بن خلوف: اليوم فقط يمكننا القول أن النائب استرجع مكانته التشريعية

وختم النائب حديثه قائلًا: "اليوم فقط يمكننا القول أن النائب استرجع مكانته التشريعية ودوره الذي كان يفترض أن يلعبه من قبل".
وفي الختام، يظل البرلمان بغرفته _ المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة _ النافذة الأولى لنقل صوت الشعب والمواطن البسيط حيثما وجد داخل وخارج الوطن، إلى قصر المرادية ومبنى الدكتور سعدان.