28-ديسمبر-2019

عبد العزيز بوتفليقة, عبد المجيد تبون (تركيب/الترا جزائر)

قبل عشرين سنة، عاد وزير الخارجية الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة إلى بلده، في ثوب المرشّح للانتخابات الرئاسية بعد "رحلة تيه" دامت عشرين سنة. ورغم أنه كان أحد "المرشّحين" السبعة إلا أن الجميع كان يعلم بأنه الرئيس الذي سيحكم البلاد.

أكّد عبد المجيد تبون في أوّل خرجة له أن سعر البطاطا لا يمكن أن يتجاوز سقف الستين دينارًا

وفي لقاء تلفزيوني، في غمار الحملة الانتخابية، تقدّم الصحافي احميدة عياشي للمرشّح/الرئيس بسؤال بدا ساذجًا، لكنه كان قمّة في الإحراج: "هل تعرف ما هو سعر البطاطا (البطاطس) في سوق الخضر والفواكه؟".

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس عبد المجيد تبون يباشر تغييرات جديدة في طاقمه الرئاسي

تبسّم بوتفليقة بخبثٍ وأجاب قائلًا: "ثلاثون دينارًا"، قبل أن يستثمر اجتماعيًا وسياسيًا في ذلك الجواب "الموفق"، مؤكّدًا أنّه "مواطن جزائري" وعلى اطّلاع يوميٍّ بهموم واهتمامات شعبه.

بعد عشرين سنة من تلك الواقعة، وفي أوّل خرجات رئيس الجمهورية الجديد عبد المجيد تبون، يؤكّد أن سعر البطاطا لا يمكن أن يتجاوز بأيّ شكل من الأشكال، سقف الستّين دينارًا للكيلوغرام الواحد.

وبعملية حسابية بسيطة، ندرك أن سعر البطاطا أصبح ضعف ما كان عليه قبل عشرين سنة، كانت فيها البلاد تحت سلطة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فهل تضاعفت معها القدرة الشرائية للمواطن، وتضاعفت معها قيمة الدينار الجزائري؟ وإن حدث ذلك فعلًا فمعناه أن الحالة الاقتصادية للجزائريين بقيت نفسها لم تتغيّر طيلة تلك المدّة، مع الفرق الكبير في الوضع الاقتصادي للبلاد بين التاريخين.

لا يمكن بأي حال من الأحوال، مقارنة حال جزائر نهاية التسعينات التي لم تخرج بعد من "حرب أهلية"، أكلت الأخضر واليابس ودمّرت كثيرًا من المؤسسات، ودفعت بآلاف العمّال إلى البطالة، بجزائر العشرية الثانية من هذا القرن التي "انتعشت" خزينتها خلال عشرين سنة بأكثر من ألف مليار دولار، عائدات النفط الذي بلغ سعره مستويات قياسية، قبل أن يتراجع منذ نحو خمس سنوات.

كان يمكن باستثمار تلك الأموال بناء "اقتصاد قويّ"، مثلما ظلّ السياسيون الرسميون يردّدون طيلة تلك الفترة. وبالفعل فُتحت ورشات كبيرة في شكل مدنٍ جديدة وشبكة من الطرقات، غير أن تلك المشاريع أكلت أضعاف ميزانياتها الأصلية وفي كلّ مرة كان المسؤولون عنها يطالبون بميزانيات ملحقة، حتى أصبح عدد تلك "الملاحق" يقدّر بالعشرات، وما يزال مثلًا الطريق السيّار شرق غرب، "يغرف" من الخرينة العمومية دون أن تنتهي الأشغال منه، وقد تجاوزت ميزانيته العشرين مليار دولار.

ومع تآكل احتياطي الصرف واقترابه من النفاد، وهربًا من "شبح" المديونية الخارجية، لجأ الوزير الأوّل المحبوس حاليًا أحمد أويحيى، إلى حلّ "سحري" عدّل من خلاله قانون "النقد والقرض" الذي يضع شرطًا صعبًا أمام خيار "الإصدار النقدي"، أو ما يُعرف بـ"طبع النقود"، وبعد التعديل أصبح بإمكانه طبع ما شاء من الأوراق النقدية.

 هنا، قال أويحيى إنّ الأمر سيعود بالفائدة على الاقتصاد، رغم أن أبسط دارسٍ للاقتصاد يُدرك أن الأمر يتعلّق بإغراق السوق بالأوراق النقدية التي ستؤدّي حتمًا إلى التضخّم.

ورغم أن الحكومة بعد ذهاب أويحيى، قرّرت وقف خيار "طبع النقود"، وأن البنك المركزي تبرّأ من ذلك الخيار، محمّلًا أويحيى تبعاته، إلا أن قانون النقد والقرض ما يزال يسمع بطبع أيّة قيمة أرادتها الحكومة دون أية ضمانات اقتصادية.

وحتى ولو تخّلت الحكومة نهائيًا عن "طبع النقود"، إلا أن المؤشّرات تؤكّد شبح التضخم، مع مليارات الدولارات التي طبعتها حكومة أويحيى وضختها في السوق دون أية حسابات اقتصادية، مما يؤدّي إلى انهيار قيمة الدينار الجزائري بشكلٍ كارثي، ويؤدي الأمر بالتالي إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية ومنها البطاطا.

هل ستلجأ الحكومة لاحقًا، إلى دعم البطاطا مثلما بقيت تدعم أسعار الحليب والخبز؟

وأمام هذا السيناريو، لا نردي كيف سيتعامل السوق مع "تعليمة" الرئيس تبون بخصوص "تسقيف" سعر البطاطا، وهل ستلجأ الحكومة لاحقًا، إلى دعم البطاطا مثلما بقيت تدعم أسعار الحليب والخبز؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون في أوّل ظهور له: مشتاقٌ لزيارة منطقة القبائل

دعوة تبون إلى الحوار.. اختراقٌ للحراك أو حلّ للأزمة؟