التسمم بلسعات النحل.. خطر موسمي قد يكون قاتلًا

في حادثة مأساوية هزّت ولاية مستغانم، غرب الجزائر، لفظ شخصان أنفاسهما الأخيرة بعد تعرضهما لسلسلة من لسعات النحل في منطقة "بريكة" التابعة لبلدية سيدي علي، وذلك في الساعات الأولى من صبيحة الأربعاء الماضي.

فترة الربيع وبداية الصيف من أكثر الفترات التي يزداد فيها نشاط النحل وسلوكه الهجومي، ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل بيئية وسلوكية أبرزها ارتفاع درجات الحرارة، الذي يحفّز حركة النحل ويزيد من حساسيته لأي تهديد خارجي

الضحيتان، اللذان كانا يمران عرضيًا بالمنطقة دون أدنى علم بوجود سرب نحل، توفيا متأثرين بتسمم حاد ناجم عن عدد كبير من اللسعات، فيما نُقل اثنان آخران إلى المستشفى في حالة متفاوتة الخطورة. تعيد هذه الحادثة إلى الواجهة الحديث عن خطر التسمم بلسعات النحل، الذي يُعد خطرًا موسميًا صامتًا، يتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة، ويهدد حياة الأشخاص، خاصة ذوي الحساسية المفرطة أو عند التعرض لأعداد كبيرة من اللسعات دفعة واحدة.

هنا، قال النحال الهاوي عبد النور لـ "الترا جزائر"، أن فترة الربيع وبداية الصيف من أكثر الفترات التي يزداد فيها نشاط النحل وسلوكه الهجومي، ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل بيئية وسلوكية أبرزها ارتفاع درجات الحرارة، الذي يحفّز حركة النحل ويزيد من حساسيته لأي تهديد خارجي، خاصة عند وجود خلايا نحل قريبة من التجمعات السكنية أو الطرقات. 

كما تلعب فترة الإزهار، وفقه، دورًا في تعزيز نشاط النحل بحثًا عن الرحيق، مما يزيد من احتكاكه بالإنسان. أما العامل الأهم في سلوك "الهجوم الجماعي" أو ما يُعرف بـ"السرشة"، فيرتبط غالبًا بمحاولة الدفاع عن الخلية ضد أي اقتراب غير مقصود، كمرور إنسان أو حيوان بالقرب منها. هذا السلوك الدفاعي قد يتحول إلى حالة عدوانية خطيرة.

النحال الهاوي عبد النور لـ "الترا جزائر":العامل الأهم في سلوك "الهجوم الجماعي" أو ما يُعرف بـ"السرشة"، يرتبط غالبًا بمحاولة الدفاع عن الخلية ضد أي اقتراب غير مقصود، كمرور إنسان أو حيوان بالقرب منها. هذا السلوك الدفاعي قد يتحول إلى حالة عدوانية خطيرة.

وفي حديث لـ "الترا جزائر" مع الدكتور محمد كواش، طبيب مختص في الصحة العامة عن خطورة سم النحل، قال أن لسعات النحل قد تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها تحمل في بعض الحالات خطورة بالغة، خاصة عندما تُصيب أشخاصًا يعانون من حساسية مفرطة أو أشخاص يتعرضون لعدد كبير من اللسعات في وقت قصير، حيث تؤدي إلى رد فعل تحسسي حاد قد يصل إلى الموت، وترتبط خطورة لسعات النحل مباشرة بطبيعة استجابة جسم المصاب ومدى سرعة التدخل الطبي. 

وعن كيفية التعامل مع لسعات النحل،نصح الطبيب بالتصرف بسرعة وهدوء، وأول خطوة هي إزالة الإبرة إذا كانت لا تزال عالقة في الجلد، وذلك بلطف باستخدام طرف بطاقة أو ظفر، دون عصرها حتى لا يُضخ مزيد من السم. بعد ذلك، يجب غسل المنطقة جيدًا بالماء والصابون، ثم وضع كمادات باردة لتخفيف التورم والألم. ويمكن استعمال مضادات الهيستامين أو كريمات تحتوي على الكورتيزون في حال حدوث حكة أو انتفاخ موضعي. أما في حالات تعدد اللسعات أو ظهور أعراض غير عادية، فيجب التوجه فورًا إلى أقرب مركز صحي.

وأضاف الدكتور، بعض الفئات هي أكثر عرضة لمضاعفات خطيرة بعد التعرض لسم النحل، وعلى رأسها الأشخاص الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه لسعات الحشرات، حيث قد يؤدي تعرضهم للسعة واحدة فقط إلى رد فعل تحسسي شديد (الصدمة التأقية) قد يهدد حياتهم. كما يُعتبر الأطفال الصغار وكبار السن من الفئات الهشة التي قد لا يتحمل جهازهم المناعي أو القلبي الوعائي تأثير السم بشكل جيد. وتشمل الفئات الحساسة أيضًا الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل الربو، وأولئك الذين يتعرضون لعدد كبير من اللسعات دفعة واحدة، ما قد يسبب تسممًا عامًا نتيجة تراكم كميات كبيرة من السم في الجسم.

محمد كواش لـ "الترا جزائر":  بعض الفئات هي أكثر عرضة لمضاعفات خطيرة بعد التعرض لسم النحل، وعلى رأسها الأشخاص الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه لسعات الحشرات، حيث قد يؤدي تعرضهم للسعة واحدة فقط إلى رد فعل تحسسي شديد

كما أشار الطبيب إلى الأعراض التي تستدعي القلق والتدخل الطبي العاجل، وتُعد مؤشرات على رد فعل تحسسي شديد (صدمة تأقية) وتستلزم تدخلاً طبيًا عاجلا، وهي ضيق في التنفس أو صفير في الصدر، انتفاخ في الوجه أو الشفتين أو الحنجرة،طفح جلدي واسع ومفاجئ، دوار شديد أو فقدان الوعي، تسارع ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم، في مثل هذه الحالات وجب طلب الإسعاف فورًا، ويُفضل أن يتوفر لدى الشخص المصاب قلم أدرينالين ذاتي إذا كان لديه تاريخ تحسسي معروف.

ورغم سميّته لدى البعض، أشار الطبيب إلى أن سمّ النحل منذ قرون في الطب البديل، ويُعرف باسم "العلاج بلسع النحل" أو Apitherapy، حيث يحتوي على مركبات نشطة مثل الميلّيتين والأدولابين، تملك خصائص مضادة للالتهاب ومسكنة للألم. وقد أظهرت بعض الدراسات أن هذا السم يمكن أن يساهم في تخفيف أعراض أمراض مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، التصلب اللويحي، وبعض مشاكل الجلد والمناعة. يتم استخدامه بجرعات مدروسة وتحت إشراف طبي دقيق. 

وللوقاية من أخطار لسعات النحل، نصح المختص بتجنب الاقتراب من خلايا النحل، خاصة في المناطق الريفية أو أثناء التنزه في الطبيعة، ويُفضل ارتداء ملابس فاتحة ومغلقة عند الخروج، وتفادي استعمال العطور القوية التي قد تجذب النحل،  وعدم ترك الأطعمة أو المشروبات مكشوفة في الهواء الطلق، خصوصًا المحلاة منها. 

وفي حال رؤية سرب نحل أو خلية غير مراقبة قرب المنازل أو المؤسسات، يجب إبلاغ السلطات المختصة دون محاولة التدخل الشخصي. كذلك، من المهم توعية الأشخاص الذين لديهم حساسية معروفة بضرورة حمل قلم الأدرينالين والتصرف بسرعة عند التعرض لأي لسعة.