التعصّب الرياضي في الجزائر.. من الملاعب والمُدرّجات إلى برامج الشاشات

في ظلّ تزايد مظاهر العنف في الملاعب الجزائرية وانتشار الخطاب التحريضي عبر البرامج الرياضية ومنصات التواصل، بادرت سلطة ضبط السمعي البصري بالتدخل لردع بعض القنوات.

يأتي هذا التحول في متابعة البرامج الرياضية واتخاذ إجراءات عقابية ضدها في ظلّ تصاعد مظاهر العنف والشغب في الملاعب الجزائرية 

تهدف هذه الخطوة إلى إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الرياضي ليقوم على الموضوعية والابتعاد عن التعصب والتحيز والانفعالات التي قد تتسبب في الإساءة، سواء بقصد أو بغير قصد.

وقد أطلق إعلاميون ولاعبون سابقون صرخات تحذير، مطالبين بتدخل حاسم قبل أن يستفحل التعصب ليصبح خطرًا حقيقيًا على المجتمع، يقوض أسس الروح الرياضية.

السلطة تتحرك

في اجتماع حكومي برئاسة الوزير الأول نذير العرباوي، استمعت الحكومة إلى عرض حول جهود التصدي لعنف الملاعب الأخير، كما جاء في البيان الرسمي. 

وقد أكدت حكومة العرباوي على "دعوة الأطراف المعنية إلى التحلي بالمسؤولية ونبذ خطاب الكراهية في الإعلام الرياضي"، وأبرزت أهمية جعل المنافسات الرياضية تجسيدًا للقيم والأخلاقيات الرفيعة ومظهرًا حضاريًا للتنافس النظيف والشريف، بعيدًا عن أي تعصب رياضي.

وفي سياق متصل، عقد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم ووزير الرياضة وليد صادي اجتماعًا مع رؤساء الأندية لبحث تفاقم العنف في الملاعب.

كما دعا إلى نبذ الكراهية والتحلي بالمسؤولية لضمان سير المباريات بنزاهة وهدوء واحترام القوانين.

من جانبه، دعا وزير الاتصال محمد مزيان الصحفيين الرياضيين، الأربعاء، إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة، وصرح للصحافة قائلاً: "ندعو الصحفيين إلى الحياد في التحليل وتجنب التحيز وخطاب التهويل والمبالغة."

جاءت دعوة وزير الاتصال مزيان بعد ساعات قليلة من تحرك سلطة ضبط السمعي البصري ضد قنوات تلفزيونية خاصة بسبب تجاوزات مهنية في برامجها الرياضية. 

فقد أعلنت سلطة الضبط عن رصد تجاوزات مهنية في برنامجي "بالمكشوف" و "VAR الهداف" على قناة "الهداف"، تمثلت في الابتعاد عن الحياد والموضوعية. 

المحلل الرياضي نبيل بلحيمر لـ" الترا جزائر": تصاعد نبرة الكراهية والتجييش العاطفي داخل البرامج الرياضية استدعى تدخّل سلطة ضبط السمعي البصري لإيقاف بعضها

وأكدت الهيئة استمرار رصد تجاوزات أخرى تحيد عن التحليل الرياضي، مشددة على أن الإعلام الرياضي يجب أن يكون شريكًا في بناء الوعي وتعزيز الروح الرياضية، لا وسيلة لإدارة الانفعالات أو التشكيك.

وفي سياق متصل، قررت سلطة الضبط توقيف برنامج "ستاد النهار" على تلفزيون "النهار" لمدة 21 يومًا. 

جاء هذا القرار بسبب استخدام أحد الضيوف خطابًا عنصريًا صريحًا، وهو ما يخالف قانون الإعلام وقانون مناهضة خطاب الكراهية الذي يجرم التحريض على التمييز والكراهية على أساس العرق أو الدين أو الجنس.

يأتي هذا التحول في متابعة البرامج الرياضية واتخاذ إجراءات عقابية ضدها في ظلّ تصاعد مظاهر العنف والشغب في الملاعب الجزائرية مؤخرًا، وسط دعوات متزايدة لمعالجة هذه الظاهرة قبل تفاقمها.

وفي محاولة لفهم أبعاد القضية التي أثارت جدلاً واسعًا على منصات التواصل ووسائل الإعلام المختلفة، استطلعت "التر اجزائر" آراء مختصين. 

وقد تعددت تفسيراتهم لأسباب تنامي العنف وخطابات التحريض، مع إجماع على ضرورة القضاء على هذه الظاهرة قبل أن تشكل تهديدًا حقيقيًا للمجتمع.

هل الرياضة الجزائرية في أزمة؟ 

يرى الصحفي المتخصص في الشأن الرياضي، نبيل بلحيمر، أنّ تصاعد نبرة الكراهية والتجييش العاطفي داخل البرامج الرياضية استدعى تدخّل سلطة ضبط السمعي البصري، كخطوة فرضتها المسؤولية المهنية والأخلاقية.

ويُضيف بلحيمر: "ما شهدناه مؤخرًا من توقيف أحد البرامج، إلى جانب تسجيل تجاوزات واضحة في أخرى، يمثل جرس إنذار مبكر يدعو إلى إعادة توجيه البوصلة الإعلامية نحو مزيد من التوازن والاحترافية."

لكنه يوضح أنّ "هذه الإجراءات، رغم ضرورتها، ستظل محدودة الأثر إن لم تُتبع بخطة استراتيجية طويلة الأمد لإصلاح الممارسة الإعلامية في برامج التحليل الرياضي."

التحليل الرياضي يجب أن يرتقي إلى مستوى النقاش الهادئ والعقلاني، لا أن يتحول إلى ساحة للتوتر والانحياز

وفي المقابل، يرى بلحيمر أنّه من الظلم حصر ظاهرة العنف في الملاعب فقط بما يُقال على الشاشات، مشيرًا إلى أن "أعمال الشغب سبقت ظهور القنوات الخاصة والبلاطوهات، ووقعت حتى في فترات كانت فيها التغطية الإعلامية محدودة."

ويؤكد في حديثه أنّ "المشكلة أعمق من مجرد تصريح غير مسؤول هنا، أو انحياز هناك، فنحن أمام أزمة ثقافة رياضية، ومشجع يعيش اللعبة بانفعالات تتجاوز المنطق والعقل أحيانًا."

ويعتقد بلحيمر أن التحليل الرياضي يجب أن يرتقي إلى مستوى النقاش الهادئ والعقلاني، لا أن يتحول إلى ساحة للتوتر والانحياز الفجّ. 

ويضيف: "المسؤولية لا تقع على الإعلام وحده، بل تشمل رؤساء الأندية الذين يطلقون تصريحات استفزازية، ولاعبين يتصرفون خارج إطار الروح الرياضية، فضلًا عن أخطاء تحكيمية جسيمة تثير الجماهير."

كما لم يغفل الإشارة إلى الدور السلبي لبعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي وصفها بأنها "تنمو كالفطريات، وتتحوّل إلى مصدر مرجعي للجمهور يفوق أحيانًا البرامج التلفزيونية، حيث يُبنى خطاب الكراهية فيها بطريقة ممنهجة تُذكي العنف وتُصدّره إلى المدرجات."

وفي ختام حديثه لـ"الترا جزائر"، يدعو بلحيمر إلى إطلاق حملات توعوية حقيقية، يشارك فيها لاعبون ومدربون ومؤثرون، لنشر ثقافة نبذ العنف. 

ويُشدّد على أن "دور الإعلام لا يقتصر على نقل الخبر، بل يبدأ من طريقة صياغته، بما يخدم الوعي العام ويحدّ من تغذية الغرائز."

خطابات التّحريض لا تقتصر على التلفزيون فقط

يؤكد محمد أوراري، رئيس  تحرير  جريدة "المسار العربي"، أن تدخل سلطة ضبط السمعي البصري، من خلال توقيف أحد البرامج وتوجيه إنذارات لبرنامجين آخرين، يُعد خطوة مهمة للحدّ من تفشي خطاب الكراهية والعنصرية، الذي بلغ في الآونة الأخيرة مستويات خطيرة بفعل حالة الاحتقان المتصاعدة بين الجماهير الرياضية.

الصحفي محمد أوراري لـ" الترا جزائر": البرامج الرياضية ليست وحدها المسؤولة عن هذه الظاهرة، فالمتعصبون يجدون على الإنترنت فضاءً أوسع لنشر الكراهية والتحريض

ويرى أوراري أنّ "هذا التحرك جاء في وقته المناسب، لكن المطلوب اليوم هو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لردع مثل هذه التجاوزات وضمان عدم تكرارها."

وفي السياق ذاته، يشير إلى أنّ التحريض لا يقتصر على الشاشات فقط، بل يُغذّى بشكل أكبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن "هذا الجانب يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، والتدخل فيه وفق ما يسمح به القانون، لوضع حدّ لهذا النوع من الخطاب ومعاقبة مروّجيه."

ويُضيف المتحدث: "البرامج الرياضية ليست وحدها المسؤولة عن هذه الظاهرة، فالمتعصبون يجدون على الإنترنت فضاءً أوسع لنشر الكراهية والتحريض، لذا بات من الضروري الالتفات إلى هذا الجانب والعمل على تنظيمه وضبطه بشكل عاجل."

 أمين عودية يدقّ ناقوس الخطر

في منشور نشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، تحت عنوان: "من أجل إصلاحٍ حقيقي في كرة القدم.. لنواجه الجريمة الإلكترونية"، حذّر اللاعب الدولي الجزائري السابق أمين عودية من التدهور الأخلاقي الذي بات يطبع المشهد الكروي في البلاد. 

وأكد أن "كرة القدم لم تعد مجرّد لعبة، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس واقعنا المجتمعي، بما يحمله من توتر، انقسام، وغياب للروح الرياضية."

وتعليقًا على ما تشهده الساحة الرياضية من تجاوزات في استوديوهات التحليل وعلى منصات التواصل الاجتماعي، قال عودية: "ما نلاحظه اليوم من تعصّب، إساءة، تحريض، وشحن جماهيري عبر المنصات الرقمية، لم يعد خلافًا رياضيًا عابرًا، بل تحوّل إلى ظاهرة خطيرة تهدّد وحدة المجتمع وسلامته."

وأضاف أنّ ما وصفه بـ"الجريمة الإلكترونية المرتبطة بكرة القدم" — من سبّ، وقذف، وتشويه، وتهديد — "أصبح جزءًا من الواقع اليومي، وأسهم في تغذية مشاعر الكراهية والانقسام، ليس فقط بين الجماهير، بل حتى بين أبناء الوطن الواحد."

اللاعب السابق أمين عودية: كرة القدم لم تعد مجرّد لعبة، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس واقعنا المجتمعي

من وجهة نظر نجم نادي "أف سي فرانكفورت" الألماني السابق، فإن "الإصلاح الحقيقي في قطاع الرياضة لا يُختصر في تطوير البنية التحتية أو تحسين نتائج الفرق، بل يبدأ من الداخل: بنشر الوعي، واحترام الآخر، ومحاربة العنف اللفظي والرقمي بكافة أشكاله."

ويختم عودية منشوره برسالة واضحة: "علينا أن نُعيد لكرة القدم معناها الحقيقي: متعة، شغف، وأخلاق. ولْيكن كل فرد جزءًا من الحل، لا وقودًا للمشكلة."

تجدُر الإشارة إلى أن الجزائر كانت قد أصدرت في 28 أبريل/نيسان 2020، القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، والذي نصّ على إنشاء المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، كآلية لمتابعة هذه الظواهر ومعالجتها.