03-مارس-2022

في سوق بمنطقة الخرايسية بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

يتّضح في خضم الأحداث اليومية والقرارات التي تُعلن عنها الحُكومة الجزائرية، أنّ علاج المشكلات يتمّ بطريقة آنية ومتسرّعة، رغم مشوار التّغيير في إطار تنفيذ مشروع "الجزائر الجديدة" الذي قطعته منظومة الحكم منذ نهاية 2019، غير أن متابعين للشأن العام في البلاد، يرون أنها خطوات تؤثّر على قرارات مستقبلية لمواجهة أزمات متوقّعة، بل وأنها محكومة بنظريتي " الدّومينو" و"تأثير الفراشة" في إحداث تغييرات في المجتمع الجزائري على المدى البعيد، فكيف ذلك؟

ما اصطلح عليه إعلاميًا بـ "شراء السّلم الاجتماعي" في فترة الراحل عبد العزيز بوتفليقة لم يفلح في تعزيز الجبهة الاجتماعية ولم يخلق مناصب شغل تحفظ كرامة الجزائريين

 السياسة وخطوات على النّار

التغيير في مناحي الحياة الاجتماعية وفي الشأن العام يعتمد على نظرية "الدومينو" المستلهمة من نظرية العلوم السياسية، أو ما يطلق عليها " كرة الثلج" أو " العدوى"، إذ تتأسس ببساطة على فكرة المحاكاة التي تتبعها السياسة في علاقة مع المحيط الخارجي القريب جدً؛ بمعنى أن الدول تتأثٍّ بمحيطها الأيديولوجي والسياسي.

اقرأ/ي أيضًا: مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي.. تصحيح أخطاء سابقة أم تخلّ عن الفقراء؟

بشكل أوسع يقصد مما سبق، أن التغيير الناجح في دولة ما يشجّع على التّغيير في دولة مجاورة، وذلك لأسباب متعدّدة، إما لأن كلا الدولتين تحوز على نفس المشكلات، وتواجه نفس الأزمات، أو أن التغيير في المنظومة السياسية مثلا هو الحلّ لتلك المشكلات.

وعليه فإذا كانت تجربة الدولة الأولى أسهمت في تحسين أوضاعها، وبذلك تكون مثالًا يحتذى به، كما بينت الدراسات السياسية، حول الظواهر الاجتماعية والسياسية وبروز نمط الانتشار والعدوى إن توفرت بعض الظروف المتماثلة.

وكمثال على ذلك، توصّلت بعض الدّراسات إلى أن تراجع منسوب الديمقراطية في الدولة ما يؤثر في الديمقراطية المجاورة، كما أنّ ارتفاع منسوب الديمقراطية في دولة ما ينسحب على الدولة المجاورة.

وحول هذا الموضوع علّق رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور (تقلّد منصب وزير الخزينة سابقًا) في سؤال لـ  الترا جزائر" على هامش ندوة أكاديمية حول التغيير في الجزائر أنّ حدوث إصلاح سياسي في دولة ما بسبب عامل معيّن قد يؤدِّي إلى حُدُوث إصلاحات في دول مُجاورة نتيجة التّقارب الجُغرافي أو تماثُل الظُّروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو كون الدّولة التي بادرت إلى الإصلاح على درجة القوّة، وتُمثّل أنموذجًا سياسيا يُحتذى به وعندئذ يتعيّن على الدّول المُجاورة الأخرى باتّخاذه أسوة في ذلك.

وبطريقة أخرى، يمكن شرح ذلك أن نظرية "الدّومينو" حسب أستاذ العلوم السياسية سعيد بوحناش لـ" الترا جزائر" عبارة عن الظروف المحيطة بفرد أو مجموعة من الأفراد يؤثّر على مجموعة أوسع "الجيران"، ويؤدّي على العموم بتحسّن ظروف كل سكان الحيّ، أو المحيط ككلّ أو تدهورها.

وعطفًا على ذلك، فإن ما يطلق عليه بـ"تقدير الموقف"، يضيف الأستاذ بوحناش  يشمل عدة أساليب من بينها أنه "إذا أردت أن تحسّن أوضاعك عليك بالانتباه ثم الاهتمام ثمّ تقديم المساعدة لجيرانك ومراعاة المصلحة المشتركة".

امتصاص الاحتِقان  

بشكل دقيق، تظهر الزوايا السابقة في العلاقات اليومية سواءً في الأسرة  وفي الحيّ و في مكان العمل، إذ تذكر أستاذة علم النّفس الاجتماعي سميرة بن صافي من جامعة أم البواقي في إفادتها لـ"الترا جزائر أن " تبيئة الخبرات والتجارب لها علاقة بنظرية تأثير العدوى، حيث أن منحة البطالة التي أقرتها الحكومة رغم جانبها الإيجابي وأهدافها الإيجابية لامتصاص البطالين مؤقّتا، إلا أنها في شقها الآخر تنشر عدوى الاتكالية تحت شعار: "مقابل شهري دون عمل"، وهذا من شأنه أن يفسِد أكثر ما يصلح خصوصًا للحالمين بتحقيق طموحات عقب نيلهم للشهادات من الجامعات والمراكز المهنية، على حدّ قولها.

وفي المقابل من ذلك، رافعت الأستاذة بن صافي بقولها إن العدوى أيضًا يمكن أن نلاحظها في بيئة العمل، فمن يشتغل حسبها في بيئة داعمة كثيرًا ما يبدع ويخرِج كل الإمكانيات الكامنة فيه، "وهذا ما يدلّ على تفوّق الجزائريين في الخارج، كمثال عن البيئة الداعمة".

انعطاف: الخسارة والرِّبح

في إطار الاهتمام بالفرد، وتدعيم الطاقات والكوادر الجزائرية، يتضح أن الشأن العام ومختلف القطاعات محكومة أيضًا بنظرية "تأثير الفراشة" وهي نظرية فيزيائية فلسفية تعني أن تغييرًا بسيطًا يحدث اليوم بإمكانها أن يؤثّر في مصائر البشر بعد أعوام، أي أن خطوة بسيطة هي ما تحدث لحظة فارقة في حياة الفرد.

من جهته، لفت الباحث في الاتصال البيئي عمار خذايرية من جامعة الجزائر أن هذه النظرية حسب مكتشفها قبل سنوات مفادها أن تحريك جناح فراشة في قارة ما بإمكانه أن يعمل إعصار في قارة أخرى أو يكون سبب حدث كبير في مكان ما، وتعني بشكلٍْ بسيط أن "الخطوات البسيطة، أو حتى كلمة نبذ أو كلمة تشجيع، يمكنها أن تشكِّل نقطة فارقة يتولّد عنها حدث عظيم".

وأشار الباحث أن هذا الاكتشاف الفيزيائي، يمكن أن ينطبق أيضًا على كل مجريات الأحداث، إذ شرح لـ "الترا جزائر" ذلك بشيء من التبسيط أن: " تشجيع التلميذ في مدرسة بإمكانه أن ينتج لنا عالمًا في المستقبل، والعكس صحيح"، كما أن اتّخاذ موقف اليوم بإمكانه أن يؤثّر في مصائر شعوب في لحظة فارقة لا يمكن تنبؤها".

انعطافات ومحفّزات

كما في الكوارث، هناك انعطافات أو انحدارات أو تغيير وسبب شرارة الصراعات والحروب مثل حادثة المروحة التي كانت الذريعة لاحتلال فرنسا للجزائر لمدة تزيد عن 130 سنة، وصفعة الشرطية للشاب محمد البوعزيزي في منطقة سيدي بوزيد في تونس، شرارة اشتعلت بعدها احتجاجات أطاحت بالراحل زين العابدين بن علي بعد 26 سنة من الحكم، وفي المقابل من ذلك هناك لحظة غيّرت مسارات دول مثلما فعل اكتشاف النفط في منطقة حاسي مسعود من مواطن خلد اسمه على المنطقة الأغنى في البلاد، وغيرها من الأمثلة.

التّغيير في الجزائر على عدّة مستويات، لا يمكنه أن يكون إلا باستراتيجية تُراعي فيها التفاصيل الفارقة

 خطوة تعادل الألف ميل

بالمحصِّلة، فإنّ التّغيير في الجزائر على عدّة مستويات، لا يمكنه أن يكون إلا باستراتيجية تُراعي فيها التفاصيل الفارقة، أو الأسباب الصغيرة التي بإمكانها أن تغيّر مجرى التاريخ والجغرافيا، بل وأن تعيد للحكومة حساباتها، فما اصطلح عليه إعلاميًا بـ "شراء السّلم الاجتماعي" في فترة الراحل عبد العزيز بوتفليقة لم يفلح في تعزيز الجبهة الاجتماعية، ولم يخلق مناصب شغل تحفظ كرامة الآلاف، أو تحسين ظروف العمال في القطاعات الحساسة كالتربية والتعليم والصحة والعدالة وغيرها من القطاعات التي لازالت تدور في حلقة الأزمات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأكثر تقشفًا.. نواب الغرفة السفلى يصوّتون على قانون المالية 2021

بن عبد الرحمان: قانون المالية 2021 يُحارب التهرّب الجبائي وتضخيم الفواتير