25-فبراير-2019

تظاهرة في العاصمة الجزائر (Getty)

سقوط الصنم

الانحراف الخطير الذي وقع في الجزائر يجسده مسار نزع الأنسنة عن الرئيس، وتحويله إلى صنم مقدس، واليوم أصبحت صورته بمثابة الفيتيش الرمزي الذي يراد منه أن ينقلب إلى إله مطلق السلطة. حراك 22/2، من الناحية التحليلنفسية هو محاولة الأبناء إسقاط الطوطم السياسي. لقد تم إفراغ الدولة من دلالتها السياسية والقانونية، فتم تحويلها إلى جهاز لصناعة الأصنام والعبيد. أكيد أنّ الرئيس بوتفليقة أصبح مجرد الشجرة المريضة التي تخفي غابة مظلمة من قوى المصالح التي تحاول، بأي ثمن، الإبقاء على مصالحها، لأن الخطأ الذي وقع فيه هذا النظام هو ربطه بشخص الرئيس، لهذا فإن ذهاب الرئيس يعني ارتباك المنظومة بأكملها. إنهم يصوّرون بأنّه ليس هناك رجل قادر على التسيير، وبأن إنجازات بوتفليقة تمثل معجزة كبيرة. لنتساءل فقط: أين هي المعجزة؟ لا بد من نزع السحر عن الدولة.

الانحراف الخطير الذي وقع في الجزائر يجسده مسار نزع الأنسنة عن الرئيس، وتحويله إلى صنم مقدس

بات أكيدًا اليوم بأنّ الجزائر تمرّ بأزمة سياسية وقانونية وأخلاقية واقتصادية، تسبّب فيها نظام فشل في بناء دولة المواطنة والقانون والرفاهية الاجتماعية، بل نجح في إرجاع الجزائر سنوات إلى الوراء. نظام لم يحمل أي رؤية اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، بل مشروعه الوحيد هو ترسيخ سياسة الزعيم المطلق لأجل عبادته.

اقرأ/ي أيضًا: تعتيم إعلامي على حراك الشعب الجزائري.. الرد في الشارع وفيسبوك

فكرة الزعامة هذه، غذت وجودها من خلال الاستثمار في المشاعر الوطنية، لهذا نجده نظامًا شعبويا بامتياز، يمسك بالثروة الريعية بيد، وبالشرعية الثورية بيد أخرى، ليبني مجده على الأوهام وعلى أساطير الزعيم الذي أرسلته السماء ليخرج البلاد من أزماتها. نفس الزعيم الذي تم تصويره في شخصية المنقذ الأسطوري هو نفسه أصبح أكبر تهديد يواجه الجزائر، فقد خلق حوله عصبة من الأشخاص، استولوا على الثروة وعلى الأجهزة الحساسة في النظام.

اليوم، هذه العصبة هي من تفرض منطق الاستمرارية بالقوة، الذي هو في واقع الأمر استمرار في الاستحواذ على المصالح والثروات، والهروب من المحاكمة، فهي – أي هذه العصبة - آخر من سيفكر في بناء دولة القانون، والمؤسسات.

بلاغة الشارع في مقابل بلاغة النظريات

الذين يحّللون الحِراكات التاريخية من شرفة النظريات، يقعون، لا محالة، في تأويلات خاطئة للتاريخ، بل يسقطون في إساءة فهم التاريخ نفسه. لا يُمكن للنظرية أن تكون بديلًا للتاريخ، ولا تستطيع كل النظريات أن تتنبأ بطبيعة التحوّلات التاريخية التي تنتظر المُجتمعات.

السلطة في الجزائر لم تفهم بعد أنّها أمام جيل جديد، تشكل وعيه داخل شبكات التواصل الاجتماعي

يتحدث البعض بمنظور هيغلي، عن شيء يسمى الحتمية التاريخية، إلاّ أنّ التاريخ لا يكرّر نفسه، وتوفّر نفس الشروط قد لا تؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج، بمعنى آخر، ثمة حتمية تاريخية، لكن التاريخ في كل مرة يتحدد وفق أشكال مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: بالسخرية والاحتجاجات.. جزائريون يرفضون العهدة الخامسة لبوتفليقة

الذين كانوا يرددون خطابات التخويف بأنّ المطالبة بالتغيير ستجر البلد إلى جحيم الحرب، لم يفهموا أنّ ثمة منعطفات تاريخية مفاجئة قد تعطّل القوانين التاريخية التي جمعت في كتب التاريخ والنظريات الاجتماعية والسياسية، والتي من خلالها يحاولون صياغة تحليلاتهم للواقع، وهي عادة الأنظمة السياسية التي تلتجئ دائمًا إلى استراتيجية الإسقاط المباشر للأحداث على الواقع، واختزالها في النتائج التي ترتبت عن وقائع ماضية.

سلطة قديمة في مواجهة جيل جديد

السلطة في الجزائر لم تفهم بعد أنّها أمام جيل جديد، تشكل وعيه داخل شبكات التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من أنّ المدرسة لا تؤدي وظائفها الحقيقية إلاّ أنّ انفتاح هذا الجيل على العالم الافتراضي جعله ينضج بشكل ما، بعيدًا عن أعين السلطة. فلابد من قراءة هذا المعطى بانتباه شديد؛ فالفيسبوك، على سبيل المثال، جعل الجزائري يتحرر من الصمت، فأصبح يبدي مواقفه إزاء كل القضايا. فعل التعبير في ذاته يمثل ضربًا من التدرب على اكتساب الوعي ذاتيًا. لقد حدثت الكثير من النقاشات، حتى لو كانت سطحية وانفعالية، فهذا لا يهم، لأنّ ما يهم هو تفجير الخزان الداخلي من الكبت العام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا فشل بوتفليقة في تحديث الجزائر؟

الإعلام الجزائري.. مقبرة المواهب