10-أغسطس-2021

خيم التلقيح ضد كورونا بساحة البريد المركزي (تصوير: رياض قرامدي/أ. ف. ب)

أمضى السيّد صابر ثلاثين سنة في قطاع الصحة كممرّض، ورغم انتسابه إلى القطاع الطبّي، إلا أنه ليس متحمّسًا لتلقي اللقاح ضد "كوفيد- 19"، ويعبّر عن عدم اقتناعه حتى الآن بفعالية اللقاح، موضحًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أن موقفه ليس نابعًا مما يُشاع حول نظريات المؤامرة المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي، ولكن دوافعه تعود إلى سرعة إنتاج اللقاح، وتحوله إلى وسيلة استراتيجية للسيطرة والهيمنة بدل الدوافع الطبية والإنسانية.

تسابق السلطات الجزائرية الزمن لرفع نسبة المواطنين الملقحين للتقليل من عدد الإصابات اليومية

يضيف محدثنا أنه بحكم ممارسته لمهنة التمريض على مدار عقود، فغالبًا ما يلجأ إليه أبناء حيّه وأقاربه لمعرفة رأيه في التلقيح، غير أنه لا يحذّرهم من أخذ اللقاح ولا يشّجعهم عليه، على حدّ قوله.

اقرأ/ي أيضًا: الحماية المدنية توصي بإجراء الفحوصات الطبية قبل تلقي لقاح كورونا

عرفت أرقام الإصبات بفيروس كورونا خلال الأسابيع الأخيرة في البلاد ارتفاعًا كبيرًا، أدخل البلاد في أزمة صحيّة بسبب نقص الأكسيجين وبعض الأدوية، وفي ظلّ انتشار المتحور"دلتا"، شهدت مراكز التلقيح مؤخرًا إقبالًا كثيفًا من المواطنين من مختلف الفئات، حتى بين أولئك المتردّدين من أخذ اللقاح، وهو ما يفسّر حالة من الخوف والهلع بسبب الأرقام المسجّلة سيطرت على الجوّ العام، إضافة إلى ارتفاع حملات التوعية والتحسيس التي انطلقت في الأماكن العمومية والمساجد والقنوات الإعلامية والمؤثرين على مواقع التواصل. 

وفي جولة قادتنا إلى المؤسسة العمومية للصحة الجوارية لبلدية المقارية (وسط العاصمة)، وقفنا على إقبال كبير للمواطنين من مختلف الأعمار. هنا، تقول سيدة مسنة في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّها تلقت اليوم الجرعة الثانية من لقاح "استرازينكا"، ولكن هذه المرّة، وقفت على طابور طويل للمقبلين على التلقيح، مقارنة بالمرة السابقة قبل شهر حين قدمت لتلقّي الجرعة الأولى.

تستطرد السيّدة أن أحد أبنائها تنقّل صباحًا إلى مركز التلقيح لتسجيل اسمها على قائمة الانتظار، مضيفة أن الطاقم الطبّي وصل في حدود الساعة التاسعة ونصف صباحًا، ورغم انتظارها لثلاثة ساعات كاملة لتلقي اللقاح، و"حالة الإرهاق التي عاشتها في الطابور وسوء التنظيم"، تؤكّد أنها مطمئنة نفسيًا خاصة بعد ارتفاع عدد الإصابات في الفترة الأخيرة.

من جهتها تؤكّد إحدى الممرضات المشرفات على عملية التلقيح على مستوى المؤسسة الاستشفائية الجوارية، عند انطلاق علمية التلقيح في آذار/مارس الفارط، كانت قاعات الانتظار فارغة، ومنذ الموجة الثالثة أصبحت تشهد زخمًا كبيرًا.

وجاء في شهادة المتحدّثة: "كنا نقوم بتلقيح حوالي 100 شخص يوميًا خلال كامل أيام الأسبوع، ولكن نظرًا لوجود أشخاص كبار السن من ذوي الأمراض المزمنة، إصبح لزامًا إجراء فحص طبي قبل التلقيح، وهو ما يتسبب في هذه الطوابير الطويلة".

ولتخفيف الضغط على المستشفيات، أكّد الممرضة أن السلطات فتحت مدرسة علي مدوش للإناث، لاستقبال المواطنين الراغبين في تلقي التطعيم، معترفة بأن وتيرة الاستقبال ارتفعت بشكلٍ كبير منذ انتشار الموجة الثالثة من متحور "دلتا"، على حدّ تعبيرها.

مناعة جماعية

تسابق السلطات الجزائرية الزمن لرفع نسبة المواطنين الملقحين، للتقليل من عدد الإصابات اليومية، حيث استلمت الجزائر حوالي أربعة ملايين جرعة لقاح ما بين 11 و18 تموز/حزيران الماضي، بحسب ما أعلنه رئيس اللجنة العلمية لرصد ومتابعة تفشي فيروس كورونا، البروفسور عبد الرحمان بن بوزيد.

من جهته، وفي تصريح إعلامي قال فوزي درار، المدير العام لمعهد باستور وعضو اللجنة العلمية لمتابعة تفشي وباء كورونا، إن الجزائر تبدل جهود مكثفة لتسريع من وتيرة التطعيم قصد بلوغ المناعة الجماعية، التي تتحقق يتلقيح 20 مليون شخص على الأقل في الجزائر، على حدّ قوله.

وأضاف مدير معهد باستور، أن الجزائر ستتمكن من تطعيم 10 ملايين مواطن بداية من شهر أيلول/سبتمبر القادم، على أن تبلغ أواخر شهر تشرين الأوّل/أكتوير المقبل 20 مليون ملقح ضد فيروس كورونا.

يذكر أن الحكومة الجزائرية على لقاح "سينوفاك" الصيني و"استرازنيكا" البريطاني واللقاح الروسي "سبوتنيك"، ولكن أغلب مراكز التلقيح اعتمد اللقاح الصيني للمواطنين، بينما وجّه اللقاح الروسي للمؤسسة العسكرية.

وفي السياق نفسه، طمأن البروفيسور كمال صنهاجي، رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي، أن اللقاح الروسي والصيني يتمتعان بفعالية دون أدنى شك برغم أن الوكالة الأوربية لأدوية لم تصدق عليهما، مشيرًا أن اللقاحين أثبتا نجاعة وحماية، وقد يكونان مصدر مناعة جماعية.

وفي إطار تسريع عملية التلقيح، كان الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، أعلن أنه سيتم اقتناء تسعة ملايين و200 ألف جرعة لقاح، إضافة إلى ثمانية ملايين جرعة لشهر آب/أوت من لقاح "سينوفاك".

وأضاف الوزير الأول، أنّه  ابتداء من منتصف شهر أيلول/سبتمبر المقبل، ستنطلق وحدة إنتاج اللقاح في مدينة قسنطينة بقدرة إنتاج  تتراوح ما بين مليونين إلى خمسة ملايين جرعة.

ويؤكد خبراء في علم الفيروسات، أن المناعة الجماعية يمكن الوصول إليها عندما يتلقى عدد كاف من الناس اللقاح، وتتكون لديهم أجسام مضادة تقيهم من العدوى، ويساعد التلقيح الجماعي على قطع مسار انتقال الفيروس بين الأشخاص، ووفقًا لرئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي كمال صنهاجي، فإن الأمر يتطلب تلقيح 400 ألف شخص يوميًا للوصول إلى المناعة الجماعية. 

إشكالية التلقيح في الجزائر تبقى في مدى تقبّل المواطنين لفكرة تلقي اللقاحات ونجاعة الحملات التحسيسة 

وتستعى الجزائر إلى تطعيم أكثر من 20 مليون مواطن، أو ما لا يقل عن 60 في المائة من المواطنين قبيل الدخول الاجتماعي والدخول السياسي، وهذا لتخفيف انعكاسات الحجر الصحي اقتصاديًا واجتماعيًا، لكن الإشكالية تبقى في مدى تقبّل المواطنين لفكرة التلقيح، ونجاعة الحملات التحسيسة التي تقودها السلطات مرفوقة بالمجتمع المدني والقنوات الإعلامية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مدير باستور: تلقيح 20 مليون جزائري لبلوغ المناعة الجماعية

مختصون يقدّمون 3 فرضيات حول عدم تعرض الأطفال لمضاعفات "كوفيد-19"