08-مارس-2020

يشكّل قانون الأسرة الجزائري أولى عقبات الجمعيات النسوية والحقوقية (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يعود إلينا الثامن من آذار/مارس ، يومًا عالميًا للنضال من أجل حقوق المرأة، حيث يخلّد ثورة النساء اللواتي خرجن ثائرات ضدّ الظروف السيئة التي كن يعملن بها، بداية من عام 1856، ليفتح باب التساؤل والنقاش مُشرَّعًا حول وضع المرأة في مجتمعاتنا، ويسلّط الضوء على نضالها، من أجل اكتساب حقوقها الكاملة للعيش في كرامة وحرية، تحت قوانين تصبو إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمنحها المزيد من الحقوق التي ما تزال تكافح لنيلها منذ عقود.

لعلّ العديد من المبادرات التي أطلقتها الحركات النسوية، وُجِّهَت مؤخّرًا إلى التركيز على الاستغلال السيئ لهذا اليوم

 تناضل النساء اليوم، وهنّ يمشين في دربٍ ثوري تاريخي تشهده الجزائر منذ أزيد من سنة، حيث صنع حراك الـ 22 شبّاط/فيفري، دفعًا قويًا لهن للكفاح ضد مؤسّسات دولة قائمة بسياساتها، خرجت منذ سنة 1984 بـ  قانون الأسرة، الذي يعتبرنه "حڨارًا" ظالمًا وعنصريًا، صنيعًا لنظام فاسد يتجدّد دوريًا، إذ لا يمنح المرأة فرصة للتخلّص من كلّ أشكال الأبوية، الاضطهاد والقمع، التحرّش والاغتصاب التي يواجهنها في مجتمع مجحف، إضافة إلى طرح نقاش جادٍ حول محاولات إفراغ هذا اليوم من فحواه الفعلي والنضالي، عبر الاحتفاء الواهي.

اقرأ/ي أيضًا: حرمان المرأة القبائلية من الميراث.. 3 قرون من التعسّف

ولعلّ العديد من المبادرات التي أطلقتها الحركات النسوية، والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة في الجزائر، قد وُجِّهَت مؤخّرًا إلى التركيز على مدى التمييع الذي وصل إليه الاستغلال السيئ لهذا اليوم، حيث أضحى احتفالية رسمية تستغلها السلطة لتقزيم أهمّيته، فتمنح نصف يوم للنساء للراحة، وتنحصر كلّ مراسم الاحتفاء، في حفلات راقصة وغنائية، وتوزيع الورود البلاستيكية التي قد تنفس عن كبت النساء الماكثات في البيوت والعاملات على حدٍّ سواءٍ لبعض الوقت، لكنها في المقابل، تحيد بهن عن المغزى الحقيقي لهذا اليوم، الذي خرجت فيه النساء للمطالبة بحقوقهن ضدّ الاستغلال والاستعباد المجتمعي، ولتحقيق المواطنة والعدالة الاجتماعية.

نحو استفاقة نسوية

من بين المبادرات الملفتة، التي انتشرت مؤخّرًا على صفحات فيسبوك، مجموعة من مقاطع الفيديو لنساء من مختلف الأعمار والمناطق عبر الوطن، تدعو إلى استرجاع الماهية الحقيقية للثامن من آذار/مارس، باعتباره يومًا آخر للنضال، وليس يومًا للاحتفال، وقد لاقت هذه المقاطع رواجًا إيجابيًا، وشجّعت العديد من الأصوات النسائية على الخروج من بؤرة الصمت، نحو التعبير بحرّية عن دوافعهن ومشاكلهن باختلافها، وأهدافهن التي دوّت بسببها تلك الصرخات.

 يوم نضالي بعيدا عن الفلكلور

هنا، تعتقد الناشطة النسوية  لودميلا عكاش لـ "الترا جزائر"، أن طرح حملة يوم "8 مارس ماشي عيد، هو اليوم العالمي لحقوقنا"، انبثقت الفكرة من مجموعة "بنات حورية"، من خلال صفحة فيسبوك تحمل اسم "الجريدة النسوية الجزائرية"، وهو عمل يعود إلى سنوات من التوعية، حيث أوضحت المتحدّثة أن الهدف من هذه الحملة، يكمن بالأساس في منح فضاء مفتوحٍ للنساء بجميع فئاتهن ،للتعبير عن آرائهن بكل حرّية.

تقول لودميلا، إنّ يوم الثامن من آذار/مارس، أصبح مع مرور الوقت في الجزائر، بمثابة يوم فلكلوري، لهذا آثرت صاحبات هذه الحملة حسبها، أن يمنحن لهذا اليوم قيمته الحقيقية، وذلك بفتح الباب للنقاش الجاد حول وضع المرأة ومشاكلها وصعوبات النضال الذي تمارسنه، من خلال دعوات هؤلاء النسوة عبر مقاطع الفيديو.

رسائل واضحة

أوضحت المتحدّثة، أن الرسالة التي تحملها هذه الحملة، هي أن الثامن من آذار/مارس، لم يكن في الحقيقة يومًا للاحتفال والرقص، وإنّما هو يوم آخر للنضال، وهذا ما تبيّنه مقاطع الفيديو التي وصلت من كل أنحاء الوطن، الأمر الذي ينفي حسبها، فكرة مركزية الحركة النضالية النسوية، واقتصارها على الجزائر العاصمة فقط، إذ تمتدّ الحملة لتمسّ كل النساء المعنيات بضرورة هذا النوع من النضال، وإيصال صوتهن، ما يُثبت فكرة أن أهداف النضال النسوي، عبر الوطن مشتركة والمطالب واحدة.

الهدف الرئيس للحملة حسب نودميلا، هو توضيح الماهية الحقيقية والعميقة للنضال النسوي أيضًا، وكذلك مطالب المرأة بصفتها فردًا مهمًّا، ومواطنة جزائرية على وجه الخصوص، إذ تعتبر المتحدّثة أن نسبة كبيرة من الناس، يجهلون المعنى الحقيقي للنسوية، لهذا أُريدَ لهذه الحملة أن تكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتّى تبلغ أكبر نسبة من الناس، ومن كلّ فئات المجتمع، وهو ما ساعد حسبها في تشجيع التعارف والتواصل بينهن، والمساعدة على انتشار الحملة التي تعتبر وسيلة تحسيس وتوعية، منحت مساحة للعديد من الأصوات النسائية، كلٌّ بلغتها وأسلوبها الخاص، وساعدت على كشف النقاب عن أهدافها الحقيقية المسطّرة، وأهمّها تسليط الضوء على وضعية المرأة الكارثية، وقانون الأسرة المجحف في حقّها، حسب المتحدّثة.

تشمل نشاطات هذه الحملة، حسب الناشطة نودميلا، عروضًا "للسّلام" من تقديم ناشطات، إضافة إلى معرض "نساء في الحراك". عروض أفلام خاصّة، ونقاشات مفتوحة، إضافة إلى مسيرة في يوم الثامن آذار/مارس، ابتداء من الثانية زوالًا انطلاقا من الجامعة المركزية بالعاصمة، إضافة إلى نشاطات أخرى تحت الشعار نفسه، في مدن أخرى كقسنطينة، بجاية، البويرة، وهران وغيرها.

أن تولدي امرأة..

من جهتها، صرّحت الأستاذة الجامعية حليمة قطاي في حديث إلى "الترا جزائر"، أن حاجتنا اليوم إلى النضال، أكثر من حاجتنا إلى الاحتفال، الخروج من التجنيس العنصري، والآفات الملحقة بالتصنيفات الجندرية التي تبّوب كلًا حسب جسده، وتصنيفه البيولوجي لا حسب وعيه وطريقة تفكيره وما يقدّمه لمجتمعه، إضافة إلى حقّ الاختلاف والفرادة الممجّدين للجنس، لا ما يضعه في خانة التابع والقاصر، وأضافت المتحدّثة أن المرأة ليست تابعًا، ولن تكون، إنها ذات مختلفة كرمتها الأديان، وأبخستها حقّها عقيدةُ العرف والانسان.

ما الثورة بلا نساء؟

ضربت الأستاذة الجامعية حليمة قطاي، مثالًا بقول الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، في كتابها الجنس الثاني: "إنّ المرأة لا تولد امرأة بل تصبح كذلك"، وأضافت أنه ليس هناك قدر بيولوجي أو نفسي أو اقتصادي، يقضي بتحديد شخصية المرء كأنثى في المجتمع، ولكن الحضارة في مجملها حسب حليمة قطاي، هي التي تصنع هذا المخلوق الذي يقف في موقع متوسّط بين الذكر والخصي، ويوصف بأنّه مؤنث.

تقول حليمة قطاي أن البيوت التي نسمع عن استمراريتها، تقوم على صبر النساء وصمتهن، إذ يكذب من يعرف عن المرأة هذرها، وأن أكثر مخلوق يتألم صامتًا ساكنًا، يواجه قبح الحياة هي الأنثى.

بعد عام من الثورة التي تقدمتها النساء والأطفال في كل فصولها وأطوارها، تقول المتحدّثة، يتعاور المتشدقون بالدين المتلبس بسلطة العرف والذكر، ويتساءلون ما الذي يخرجهن؟ وأن صوتهن وخروجهن عورة. إذ يلتمس العقل الذكوري الأعذار حسبها، من بقيّة السلطات، ويمارسها وقتما شاء لخدمته، فالدين الذي يعرفه ليس دين الإنفاق والرحمة، بل دين التعدد والقوامة والميراث والصوت العورة والجسد العورة، على حدّ تعبيرها.

الكتابة أسلوب احتجاج

 تقول حليمة قطاي، إنّ النساء في الجزائر لازلن يُحاربن مشاهد لم يعد الصمت أمامها حلًا: "في الشوارع تشتم المرأة التي تقود سيارة، بالــ (حمارة) التي لا تعرف القيادة، لأنها لم تفسح مجالًا للرجل، فهو أولى منها بالطريق وأحقّ، أو لعلها اللعبة الوحيدة التي أتقنها هي قيادة السيارة".

قد تكون إحدى سبل القول الرافض حسب المتحدّثة هي الكتابة، فهي تقرأ كثيرًا من الرفض القائل، في صفحات السرد لمليكة مقدمة، أو إنعام كي جي، أو سلوى النعيمي، سيرا من الرفض والتصدي لمجتمع لا تزال المرأة فيه مجرّد إسقاطات لخيال الذكر ومخاوفه، وتضيف قطاي أن كلّ التمثيل الثقافي المتاح حاليا - سواءً في صورة الأسطورة أو الدين، أو الأدب، أو الثقافة الشعبية - من عمل الرجل، وعلى المرأة حسبها أن تقبل على أنها (آخر) بالنسبة إلى الرجل، حيث يفرض عليها أن تجعل من نفسها مفعولًا، وأن تنبذ استقلالها الذاتي.

تشدّد المتحدثة، على فكرة "أنه علينا التوحّد اليوم لردع الصمت فينا"؛ فالمجتمع الذي يتطلّع إلى رفاه سياسي لم يحل بعد مشاكله الاجتماعية، وأضافت أن المثقّف الذي يضرب زوجته هو الذي نبت على يد رجل متسلط يضرب والدته، وهو ذاته الذي يصدر حكمًا بقصور المرأة من خلال تبعيتها له، مثقفٌ قاصر عن تعديل وعيه أو تصحيح مفهومه للآخر المكمل له، ولا يزال تابعًا للقطيع الذي ينبذه في كتابته.

حليمة قطاي: البعض قد فهم أن المرأة تركة أبيحت له مع بقية الميراث

مسؤولية من؟

في هذا المقام، تلقي الأستاذة حليمة قطاي كثيرًا من اللوم في مجتمعاتنا على المرأة كمربٍّ في البيت الذي ينشأ فيه الأولاد. هو وحده الذي بإمكانه أن يقسّم ويفصّل ويفاضل بين الجنسين، وهو الذي بإمكانه أيضًا حسبها، أن يصلح هذا. لعل الدين قال للذكر مثل حظ الانثيين تركة، لكن بعضهم، حسب حليمة قطاي، "قد فهم أن المرأة تركة أبيحت له مع بقية الميراث، ولربّما له حظ الأنثيين في كل ما حوله".

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة الجزائرية.. هل تكفي القوانين للحماية من التنميط؟

العنف ضدّ المرأة.. جرائم لا تتجاوز غرف النوم