16-أبريل-2019

أحدث الحراك مكاسب اجتماعية وثقافية وحضارية على مستوى الشارع (أ.ف.ب)

ذهبت مع بناتي إلى حديقة التّسلية في مدينة برج بوعريريج، فوجدتها مختلفة عما كانت عليه في المرّات السّابقات، من حيث كثافة المقبلين عليها، وطريقة تعاملهم مع بعضهم.

بغضّ النّظر عن المآلات السّياسيّة للحراك، فقد أحدث مكاسب اجتماعيّة وثقافيّة وحضاريّة مهمّة جدًّا على مستوى الشّارع

والذّي يعرف المدينة في السّابق، يعرف أن الأسرة البرايجيّة شغوفة بالخروج إلى المروج، ومنه جاءت احتفالية "شاو ربيع"، التّي تخرج فيها الأسر عن بكرة أبيها وأمّها إلى الحقول يوم 21 آذار/مارس، معها مأكولاتها ومشروباتها وشغفها بالاخضرار.

اقرأ/ي أيضًا: تحولات الحراك الشعبي.. تصالح مع السياسة والفضاء العام

وما لاحظته هذه السّنة أن الإقبال على حديقة التّسلية، داخل المدينة، كان أكبر من الإقبال على الخلاءات خارجها. وأن المسافات بين الأسر كادت تنتفي فيها، فكأنّ الأمر يتعلّق بحضور عرس عائليّ لا بدخول حديقة عامّة.

لاحظت ذلك أيضًا في حديقة سطيف وحديقة المسيلة، ممّا يُؤشّر على أنّ ثمّة ميلًا من الجزائريّين، هذه الأيّام، إلى اللّحمة، من باب أنّهم اكتشفوا حلاوة انفتاحهم على بعضهم، بعد سنوات غفلوا فيها لحمة العصابة الحاكمة، وأكلوا فيها لحوم بعضهم. ومن باب تفادي إحساسهم بالخوف على مستقبلهم، بأن يكونوا جنبًا إلى جنب.

تجلس الأسر بالقرب من بعضها، تتبادل المأكولات والمشروبات، وتتفاعل جماعيًّا مع الأغاني التّي تبثّها منصّة الموسيقى في الحديقة، مبديةً الحماس مع كلّ الألوان، وتتعامل حميميًّا مع كبيرات السّنّ، مع قلةّ نهر الأطفال وتعنيفهم، إلى جانب كثرة مشاركة الأولياء لأطفالهم في الألعاب الخاصّة بهم، وتشارك أفراد من أسر مختلفة في ركوب المقصورة الواحدة في العجلة الكبرى، وفي قوارب البحيرة.

شاهدت كذلك اختفاء وقاحة الشّباب في التّعامل مع الشّابات، واعتداد الفتاة في تحرّكاتها وتصرّفاتها داخل الفضاء، والنّقاشات بين الجميع في راهن البلاد، والتّرحيب البليغ بالأسر القادمة من خارج الولاية، وانتقال السّؤال من الحالة الخاصّة إلى السّؤال عن واقع الحراك، والانضمام العفويّ لكلّ سيلفي جماعيّ، وعدم الاعتراض على التّصوير، وتبادل الفيديوهات التّي أثمرتها المرحلة والتّفاعل الجماعيّ معها، مع غياب تامّ لتداول اسم عبدالعزيز بوتفليقة!

بغضّ النّظر عن المآلات السّياسيّة للحراك، فقد أحدث مكاسب اجتماعيّة وثقافيّة وحضاريّة مهمّة جدًّا على مستوى الشّارع، بما يُهيّئ لمجتمع مدنيّ حقيقيّ يتوجّه نحو التّكامل والتّماسك.

ولا شكّ في أنّ هذا الواقع الجديد سيُفرز فعاليات سياسيّة واقتصاديّة وإعلاميّة وثقافيّة مبتكرة، تكون بديلًا للواجهات المزيّفة والمتواطئة القائمة الآن، فهي أيضًا ستكون مشمولة مستقبلًا بشعار "يتنحّاو قاع" بشكل عفويّ، من خلال المقاطعة الشّعبية الواعية، لذلك فهي تتموقع ضدّ التّغيير، من غير أن تعلن ذلك صراحة.

فقدت السلطة في الجزائر القيم الأخلاقية والوطنية والسياسية، بما جعلها معزولة ومهزوزة فلم تجد بدًا من اللجوء للعنف

يحدث ذلك، في مقابل فقدان السّلطة للقيم الأخلاقيّة والوطنيّة والسّياسيّة، بما جعلها معزولة ومهزوزة، فلم تجد بدًّا من اللّجوء إلى استعمال القوّة، تمامًا كما يفعل أيّ كائن يحشر في الزّاوية الضّيّقة. وإنّ الشّعب المسالم ينتصر، حين تلجأ السّلطة إلى القوّة الدّالة على ضعفها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"قصر الشعب".. الشباب يعلو قصور السلطة

جيل الحراك الجزائري.. النهر الذي فاجأ الجميع