21-سبتمبر-2019

يشكّل النفط والغز نسبة 95 في المائة من صادرات الجزائر(رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

بعد تصريحات حكومية مُطَمْئنة، بعدم الذهاب إلى الاستدانة الخارجية، اقترح مضمون المشروع التمهيدي لقانون المالية سنة 2020، الذي عرض في مجلس الوزراء يوم الأربعاء11  أيلول/ سبتمبر الجاري، السماح بالتمويل الخارجي، عبر اللجوء إلى المؤسّسات المالية الدولية، وأشار البيان الحكومي، أنّ هذه التمويلات تستهدف مشاريعًا اقتصادية هيكلية وذات مردودية وفق شروط تفضيلية.

تُثار عدّة أسئلة حول مخاطر الديون الخارجية على الوضع الاقتصادي للبلاد

في ظلّ شحّ الموارد من العملة الصعبة، بعد تراجع ايرادات قطاع المحروقات، وقرار تجميد صيغة التمويل غير التقليدي للسنة المقبلة، توقّع خبراء ماليون لجوء الجزائر إلى الاقتراض الخارجي، قصد تمويل المشاريع المجمّدة ودفع عجلة التنمية المتوقّفة.

اقرأ/ي أيضًا: إلغاء قاعدة (49-51).. انفتاح اقتصادي أم مقايضة سياسية؟

 بين المخاطر والمزايا

في هذا السياق، تُثار عدّة أسئلة حول مخاطر الديون الخارجية على الوضع الاقتصادي للبلاد، وإن كان اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، يشكّل مخرجًا للوضع الاقتصادي والمالي الصعب لهذه الأزمة؟

هنا، يوضّح مصطفى راجعي مدير "معهد هايك للتفكير الاقتصادي"، في حديثه إلى "الترا جزائر"، أنّ الاستدانة هي أداةٌ لتمويل الإنفاق الحكومي، تلجأ إليه كل الحكومات في دول العالم، مضيفًا أنّ مبرّرات هذا الخيار جاءت بعد صعوبة تمويل النشاطات الاقتصادية من خلال الضرائب العامة، والدافع الثاني، جاء بعد فشل الاستدانة الداخلية، وفشل مشروع القرض السندي، الذي لم يحقّق النتائج المرجوة منه، يضيف المتحدث، أنّ اعتماد حكومة أحمد أويحيى على التمويل غير التقليدي وطباعة النقود، وهو ما أدّى إلى ظهور تضخّم مالي بلغ 4.5 في المائة.

يستدرك راجعي قائلًا "مقترح الاستدانة، خطوة اقتصادية عمليًا، لكن تبقى صعبة في حالة عدم نجاعة المشاريع المعنية وفشل مردوديتها، وستُثقل كاهل الأجيال اللاحقة، التي ستدفع الثمن لخدمة الديون".

 يوضّح الخبير الاقتصادي كمال سي محمد، في تصريح لوسائل إعلامية، أن خيار الاستدانة خطوة تحمل جملة من المخاطر؛ لأنّ فتح المديونية يُرهق المؤسّسات الوطنية الإستراتيجية ماليًا، كون القروض ستكون بالعملة الصعبة، وبمعدّل فائدة أكبر من معدّل التمويل غير التقليدي على حدّ قوله.

وبخصوص شروط الحصول على القروض لدى المؤسّسات المالية، أشار الخبير المالي إلى وجود جملة من الشروط والمعايير، الواجب تتبّعها، ما يجعل المؤسسّات الوطنية رهينة لدائنيها، يُضيف سي محمد.

في مقابل ذلك، يثمّن مختصّون الشروط التي تُمليها المؤسّسات المالية على الدول المستدينة، ويرون أنّ التمويل الخارجي أكثر ضمانة وشفافية في توظيف القروض، أن الهيئات المالية الدولية تشترط عملية مراقبة ومتابعة سيرورة المشاريع المعنية بالقرض، وتمتلك البنوك المالية الإمكانيات القانونية والتقنية، في تحديد قيمة المشروع محلّ الطلب، الأمر الذي يقطع الطريق أمام الاحتيال عبر تضخيم فواتير المشاريع والحدّ من تبديد الأموال العمومية، والرشوة والفساد.

استبعاد صندوق النقد الدولي

في هذا السياق، تستبعد أوساط مالية، أن يتمّ الاقتراض من الصندوق النقد الدولي مباشرة، بل الذهاب إلى بنوك مالية لا تفرض شروط إعادة هيكلة القطاعات الصناعية، أو أيّ تدخّل سيادي في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، كالبنك الاسلامي للتنمية أو البنك الأفريقي للتنمية، هذا الأخير، سبق للجزائر أن اقترضت منه 990 مليون دولار، خلال سنة 2016، قصد تمويل استثمارات شركة سونلغاز. وما يعزّز فرضية تفادي التعامل مع الصندوق النقد الدولي، هو أن الدين الخارجي للجزائر لا يتعدّى 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أي 3.85 مليار دولار نهاية 2018، كما أن احتياطي الصرف، فيُتوقع أن يتوقّف في حدود 60 مليار نهاية السنة الجارية.

من جهتهم، يتوقّع خبراء، إمكانية لجوء الجزائر إلى الاقتراض من الصين، وهذا وفق عقد وقع بين البلدين في أيلول/ سبتمبر 2018، في إطار البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير، فقد أعلن الرئيس الصيني في منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عُقد العام الماضي في بكين، عن نيّة الصين تقديم 60 مليار دولار في إطار تمويل القارّة الأفريقية، موزّعة على المنح والقروض والتسهيلات المالية، مقابل الحصول على مشاريع البنى التحتيّة، أو شراء سلع وخدمات صينية.

جدير بالذكر، أنّ الصين تحتفظ بعلاقات تجارية متميّزة مع الجزائر، بقيمة تبادل تجاري تبلغ 9.1 مليار دولار لسنة 2018، وتشكّل إيرادات الصين حوالي 18.8 في المائة من مجموع الإيرادات، وتعتبر الجزائر خامس أكبر شريك تجاري أفريقي للصين. ويبلغ حجم الاستثمار الصيني في الجزائر بحسب البيانات الرسمية 10 مليار دولار، يستوعب 400 ألف يد عاملة.

 بغض النظر عن نسبة الفائدة التي تفرضها الصين، (تتراوح ما بين 10 و15 في خلال خمس سنوات)، فإنّ الميزة الرئيسية للبنوك الصينية، هي عدم مقايضة المال أو القرض بالمسائل السياسية والحقوقية ونشر الديمقراطية، عكس البنوك الأوربية والبنك العالمي والصندوق النقد الدولي، التي يتداخل فيها العامل السياسي والمالي.

يرى  خبراء أنّ نيّة التوجّه إلى الاستدانة الخارجية هي قرار سياسي هدفه الظفر بتأييد القوى الكبرى

مبرّرات سياسية

 في ظلّ هشاشة الوضع السياسي والمؤسّساتي الذي تمرّ به الجزائر، يرى المحلّل السياسي عادل أورابح أن حكومة تصريف الأعمال التي عيّنها الرئيس بوتفليقة قبل تنحّيه، لا يمكنها اتخاذ قرارات إستراتيجية، مضيفًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ قرار رفع القيود عن الاستثمارات الأجنبية عن طريق التراجع عن قاعدة 49/51 ، ونيّة التوجّه إلى الاستدانة الخارجية، هي قرارات سياسية هدفها الظفر بتأييد القوى الكبرى، بخصوص ورقة الطريق السياسية التي ستنتهجها السلطة قريبًا، على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تراجع احتياطي الصرف.. الجزائر على أبواب الاستدانة الخارجية؟

الأزمة الجزائرية وأولوية الحلّ الاقتصادي على السياسي!