10-يونيو-2022
عبد المجيد تبون، بيدرو سانشيز (الترا جزائر)

لم تكن تتوقع إسبانيا القرار الصارم الأخير الذي أعلنت عنه الجزائر، بخصوص تعليق معاهدة الصداقة والتعاون التي دامت قرابة 20  سنة، بعد أن أوضحت الرئاسة الجزائرية عن "المُضي قدمًا في التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها في الـ8 تشرين الأول/أكتوبر 2002 مع إسبانيا والتي حددت تطوير العلاقات بين البلدين".

يرى مختصون أن هناك عدة مجالات اقتصادية بين البلدين ستعرف تأثرًا عميقًا على رأسها الاستثمارات الإسبانية بالجزائر

ولأن أولويات المعاهدة اقتصادية، صدر قرار من جمعية البنوك والمؤسسات المالية في الجزائر بطريقة آلية، يأمر فيه البنك المركزي بتجميد عمليات الاستيراد والتصدير بين الجزائر وإسبانيا، ابتداءً من الخميس 9 حزيران/جوان، وهو القرار الذي "زلزل" غرف التجارة والصناعة الإسبانية، خاصة وأنها ستخسر أكثر من 2 مليار أورو سنويًا، كانت تصدّرِها للسوق الجزائرية، حسب إحصائيات 2020.

غرف التجارة والصناعة الاسبانية "تتحرك"

حسب ما تناقلته وسائل إعلام إسبانية، فإن غرف التجارة والصناعة أعلنت حالة طواريء بسبب قرار تجميد التوطين البنكي على مستوى المصرف المركزي الجزائري، وهو ما سيكلّف حسب ذات المصادر 6 مليار أورو كخسائر لمدريد، مشيرة ذات المصادر إلى أن الفاتورة لا تشمل مشاريع البُنى التحتية ومخرجات الطاقة التي تقوم بها الشركات الإسبانية في الجزائر.

من جهته، منصف بودربة، عضو الغرفة الجزائرية- الإسبانية للتجارة والصناعة وفي حديثه إلى "الترا جزائر"، أكد على تخوف كثير من المتعاملين الإسبان جراء فتور العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، خاصة وأنه -حسب عضو الغرفة- يوجد المئات من الشركات أكثرها موجودة في الجنوب الإسباني يصل التبادل التجاري مع شركاء جزائريين لما يتجاوز 35 بالمائة من الحجم الكلي لتبادلاتهم التجارية السنوية.

ويضيف بودربة في سياق حديثه إلى "الترا جزائر"، أن غرف التجارة تتّجه خلال الأيام القليلة القادمة لعقد اجتماعات طارئة من أجل النظر في مستقبل عقودهم التجارية.

توجّس اقتصادي

منذ إبداء الحكومة الإسبانية لتحولها غير المُبرر في ملف الصحراء، حذّرت السلطات العليا في الجزائر مدريد، محمّلة إياها مسؤولية ما قد ينجم من مشاكل عن خطوتها، وحينها لم يتوقع الوزير الأول بيدرو سانشيز وحكومته الخطوات التي ترمي إليها الجزائر وراء تحذيرها، حيث لم تتوقف في ابتزازها للعلاقات الثنائية التي تربط البلدين، حتى جاء قرار تعليق معاهدة الصداقة والتعاون المشترك، ومعه تجميد عمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا.

وهو ما حرّك الحكومة الإسبانية في خطوة غير مسبوقة منذ تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين شهر آذار/مارس الماضي، وأبدت "توجّسها الاقتصادي"، وردّت في بيان لها قالت فيه أنها "تعتبر الجزائر جارًا وصديقًا وتؤكد استعدادها الكامل لمواصلة الحفاظ على علاقات التعاون الخاصة بين البلدين وتطويرها لصالح شعبيهما".

خيارات الجزائر

يرى مختصون أن هناك أكثر من 250 شركة إسبانية صغيرة ومتوسطة لها حجم تبادل تجاري لا بأس به، ويوضح البروفيسور فريد بن يحيى، الأستاذ الجامعي والخبير في شؤون العلاقات الاقتصادية الدولية، في حديثه إلى "الترا جزائر"، أنه قبل اتخاذ قرار تجميد عمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا، كانت هناك دراسة مُسبقة من طرف الجزائر، إذ حسب البروفيسور بن يحيى، هناك عدة خيارات للجزائر لتعويض أسواقها، خاصة في إيطاليا وتركيا الدولتين القريبتين جغرافيا، ويمكن أن تتمدّد العلاقات الاقتصادية معهما إلى أبعد الحدود.

ويضيف الخبير في شؤون العلاقات الاقتصادية الدولية، أن "معاهدة التعاون بين الجزائر وإسبانيا أصبحت في الأساس دون جدوى اقتصادية بالنسبة للجزائر"، فيما يتوقع ذات المتحدث أن تتضرّر إسبانيا إلى أبعد الحدود، بالنظر لحجم الصادرات من الموانئ الإسبانية نحو السوق الجزائرية.

الخط التجاري

بلغت صادرات إسبانيا إلى الجزائر عام 2020 أكثر من 2.107 مليار دولار، والواردات 2.762 مليار دولار، وفق تقرير لصحيفة "إلبايس" الإسبانية، وتكشف البيانات الصادرة عن معهد التجارة الخارجية الإسباني "ايساكس"، أن 47 بالمائة من الهيدروكربونات التي اشترتها إسبانيا مصدرها الجزائر، ويمثل الغاز نسبة 92 في المئة من إجمالي الواردات.

أما الصادرات الإسبانية إلى الجزائر فمتنوعة ومنها الحديد والصلب، والأجهزة الميكانيكية، والورق والكرتون، والوقود المعدني، وتركز الاستثمارات الإسبانية في الجزائر على قطاعات الطاقة والبناء والمياه، وهذا كله سيرهق حكومة سانشيز خلال قادم الأيام، حسب ما يشير إليه محلل العلاقات الاقتصادية الدولية، البروفيسور فريد ين يحيى، مضيفًا أن منظمات أرباب العمل ستمارس ضغطًا كبيرًا على الحكومة في مدريد.

أضرار القرار

من جهة أخرى، يرى مختصون أن هناك عدة مجالات اقتصادية بين البلدين ستعرف تأثرًا عميقًا على رأسها الاستثمارات الإسبانية بالجزائر، جراء تعليق معاهدة الصداقة والتعاون، حيث يشير الدكتور الأردني عصام ملكاوي، أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية، في حوار أجراه مع قناة فرنسية، إلى أنه بالنظر للموقع الجغرافي للبلدين والمصالح الاستراتيجية بينهما كدولتين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط يحتم عليهما علاقات متوازنة.

في السياق نفسه، يضيف المتحدث، أن إسبانيا ستكون أضرارها أكبر، بالنظر للمصالح المشتركة بين البلدين، التي تقاسُ بقيمة الشيء المتنازع عليه، وكيفية الحفاظ عليه.

مراجعة أسعار الغاز

تعد الجزائر موردًا رئيسيًا للغاز لإسبانيا، ورغم وعدِ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في وقت سابق بعدم فسخ عقد التوريد بالغاز للإسبان، إلاّ أن ورقة إجراء تقييم ومراجعة مستوى الأسعار محتملٌ جدًا.

وسبق وأن هدّد الرئيس المدير العام لمجمع النفط والغاز الجزائري "سوناطراك"، توفيق حكار، في الأول من شهر نيسان/أفريل الماضي، بإمكانية إجراء مراجعة حساب لأسعار الغاز مع إسبانيا.

المدير العام لـ"سوناطراك" لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع  الزبون الإسباني

وقال حينها المدير العام لـ"سوناطراك"، إن "الجزائر قرّرت الإبقاء على الأسعار التعاقديّة الملائمة نسبيًا مع جميع زبائنها"، غير أنه "لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني"، والذي تزوّده الجزائر بالغاز من خلال خط أنابيب الغاز الوحيد البحري، بحوالي 8 مليارات متر مكعب.