16-أبريل-2020

أغلب الأسلحة الجزائرية مصدرها روسيا (الصورة: Pinterest)

وضع تقرير حديث صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، الجزائر ضمن الدول الأكثر استيرادًا للسلاح في السنوات الخمس الماضية، فقد حلّت في المرتبة السادسة عالميًا، والثانية أفريقيًا بعد مصر التي حلت في المرتبة الأولى أفريقيًا والثالثة عالميًا، بينما جاءت السعودية في المركز الأوّل عالميًا.

يكرّس تقرير معهد ستوكهولم السمة التي طبعت الجزائر في الألفية الجديدة بعد التخلّص من تبعات المديونية الخارجية

وإذا كان لا يخفى على أحد في الجزائر أن وزارة الدفاع تحظى بأكثر ميزانية في قانون المالية السنوي كل عام، إلا أن احتلالها لهذا المركز الترتيبي يطرح أسئلة حول الأسباب التي جعتها تأتي سادسًا في هذه الفترة بالذات.

اقرأ/ي أيضًا: لا غرامات على الشركات المتأخرة في المشاريع بسبب كورونا

بلد مستورد

يكرّس تقرير معهد ستوكهولم السمة التي طبعت الجزائر في الألفية الجديدة بعد التخلّص من تبعات المديونية الخارجية، وارتفاع احتياطات الصرف، والمتمثلة في أنها من بين البلدان الأكثر اقتناءً للسلاح، بالنظر إلى أن الإنتاج المحلي يبقى محدودًا، في ظلّ تجاهل جل الحكومات المتعاقبة لإقامة صناعة دفاعية وعسكرية واضحة تسمح بالتخلّص من فاتورة الاستيراد المرتفعة سنويًا.

وتشير الأرقام الجديدة، إلى أنه خلال السنوات الخمس الماضية ارتفع اقتناء الجزائر للسلاح بـ 71 في المائة، مقارنة بالفترة الممتدة من 2010 إلى 2014 التي كانت البلاد تستأثر فيها بنسبة 2.6 في المائة من مقتنيات السلاح العالمي، لتكون الجزائر بذلك اشترت 4.2 في المائة من السلاح المباع عالميًا خلال السنوات الخمس الماضية، وفق ما ورد في التقرير الجديد لمعهد ستوكهولم.

وتستأثر وزارة الدفاع في الجزائر دائمًا، بأكبر ميزانية في البلاد، فقد بلغت هذا العام أكثر من 1230 مليار دينار، حسب ما جاء في قانون المالية لـسنة 2020.

وتظهر قائمة أكبر 40 بلدًا مستوردًا للسلاح الصادرة عن المعهد نفسه، أن الجزائر تأتي الثانية ضمن ثلاث دول أفريقية تنتمي لهذا الإحصاء، حيث جاءت مصر في المرتبة الثالثة عالميًا والأولى أفريقيًا، بينما احتلت الجزائر المرتبة السادسة عالميًا والثانية أفريقيًا، وجاء المغرب في المرتبة 31 عالميًا والثالثة أفريقيًا.

ورصد التقرير نفسه، أن الشمال الإفريقي يستأثر بـ 74 في المائة من واردات القارّة السمراء من السلاح. أمّا على المستوى العربي، فقد جاءت السعودية التي تخوض حربًا في اليمن، في صدارة الدول الأكثر استيرادًا للسلاح خلال السنوات الماضية.

ثلاثة ممونين

كشف تقرير معهد ستوكهولم أن الجزائر لا تزال تعتمد حتى اليوم على دول معينة في تزويد ترسانتها الدفاعية، في ظلّ تحفّظ بعض الدول، خاصّة الولايات المتحدة الأميركية، على شرائها الأسلحة التي تحتاجها، رغم التعاون الذي يربطهما في مكافحة الإرهاب، خاصّة في الجانب المعلوماتي منه.

وأشار التقرير إلى أن أهم مموني الجزائر من السلاح هم روسيا التي اقتنت الجزائر منها 67 في المائة من أسلحتها، والصين بنسبة 13 في المائة، ثم ألمانيا بنسبة 11 في المائة.

وحافظت الجزائر دومًا على تصنيفها ضمن الزبائن الأوفياء للسلاح الروسي، فقد تناقلت في وقت سابق توقيع البلدين لاتفاقات تتعلّق بشراء طائرات سوخوي الشهيرة ونظام "إس 400" الصاروخي، إضافة إلى صفقات أخرى تتعلّق بدبابات وغواصات، الأمر الذي جعلها عام 2017، تأتي رابع بلد مقتن للسلاح الروسي.

أما بالنسبة لاقتناء الجزائر للسلاح الصيني، فإنّه يدخل ضمن تنويع زبائنها العسكريين، فقد ذكرت تقارير إعلامية في 2017، أنها اقتنت من الصين الراجمات متعددة الصواريخ من نوع “أس أر 5″ وبعيارات متعدّدة.

ويظهر التعاون العسكري مع ألمانيا أيضًا، في احتلال الجزائر المرتبة الأولى لقائمة زبائن برلين في مجال السلاح، فقد وقع البلدان وفق صحيفة هانديلسبلات عقدا يستمر لمدة عشرة أعوام، ويتضمّن شراء الجزائر معدات وعتاد وأسلحة ألمانية بقيمة 10 مليارات يورو، حيث ستبيع برلين ناقلات جند من طراز فوكس، بالإضافة إلى فرقاطات عسكرية، وتدريب البحرية الجزائرية ورفع جاهزيتها، بالإضافة إلى مشاريع أمنية من أجل رفع كفاءة فرق عسكرية جزائرية لاسيما فرق مراقبة الحدود في الجيش.

وتظهر هذه الأرقام أن الجزائر لا تزال إلى اليوم محرومة من اقتناء السلاح الأميركي، بسبب تحفظ واشنطن على بيع أسلحة متطوّرة للبلدان المعادية لإسرائيل، وأيضًا بسبب حجج أخرى، تتعلّق بحقوق الإنسان والخوف من وصول هذه الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية، بالرغم من التعاون الوثيق بينهما في مكافحة الإرهاب.

وقد ترسّخ هذا الاقتناع عند الجزائر منذ أن رفضت واشنطن في 2010 طلبها لاقتناء طائرات استطلاع بدون طيار من طراز "بريداتور"، إضافة إلى طلب آخر يتعلق بطائرات قتالية أخرى متعدّدة المهام لاستعمالها في الاستطلاع القتالي ومعدّات للرؤية الليلية تدخل في إطار مكافحة الإرهاب، وطائرات هليكوبتر قتالية وأنظمة صواريخ مضادّة للدبابات.

ويبدو أن الرفض الأميركي لبيع أسلحة للجزائر، لا يقتصر على هذا الجانب فقط، إنما أيضًا بسبب رفض الجزائر سابقًا احتضان مقرّ "أفريكوم"، ورفضها في مرّات عدة إقامة قواعد عسكرية أميركية على أراضيها.

تحديات أمنية

كثيرًا ما يطرح في المنطقة العربية والأفريقية ودوال العالم الثالث ملف التسلح إن كان ضرورة أمنية أم أنه تفضيل للشقّ الدفاعي على الجانب التنموي والاقتصادي، وربّما انطبقت هذه المقاربة والجدلية على في شقها الثاني، على الجزائر في بعض المرّات، إلا أن الملف اليوم يتجاوز هذا الجانب بكثير، كما لا يمكن حصره في سياق التنافس مع المغرب، الذي يربط الأمر بالتحاليل الأمنية لمّا يتعلق الأمر بتطوير المنظومة الدفاعية الجزائرية، وقد ذهب إليه تقرير معهد ستوكهولم أيضًا هذه المرّة، لأن ّالتحديات الأمنية الحالية التي تواجهها البلاد أكبر بكثير.

ولعل الواقع الذي يعيشه الجزائريون ميدانيًا، يثبت أن الجزائر لازالت حتى اليوم تحتاج إلى تجديد متواصل لمنظومتها الدفاعية، فخطر الإرهاب الذي تقلص وانحسر بشكل كبير جدًا في البلاد، لا تزال بقاياه رغم ذلك  تشكّل بين الفينة والأخرى تحديًا أمنيًا، فقد شهدت البلاد في الأشهر الماضية، هجومًا انتحاريًا استهدفت مفرزة للجيش ببرج باجي مختار جنوب البلاد على الحدودية مع مالي.

وأثبتت هذه العملية الانتحارية، أنه رغم حجم الأسلحة التي تحجز بشكلٍ يومي من قبل وزارة الدفاع بالحدود الجنوبية، إلا أن ذلك لا يعني أن الإجراءات كافية لمواجهة الخطر الإرهابي الآتي من مالي، بسبب تردي الوضع الأمني هناك، ووجود تنظيمات متشدّدة على رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، لذلك تم رفع العمل بالطائرات دون طيار على هذه المنطقة.

وبدورها، لا تزال الأزمة الليبية تشكّل مصدر قلق للجزائر، بسبب الانتشار الواسع للسلاح الذي تسعى الجماعات الإرهابية تهريبها إلى منطقة الساحل عبر الجزائر، وهو ما جعل الجيش الجزائري في حالة استنفار متواصلة على طول حدوده الشرقية مع ليبيا التي تصل قرابة ألف كلم.

إنفاق متواصل

وبالنظر إلى الرهانات المنتظرة للجزائر، فإن حجم الإنفاق الجزائري في مجال الدفاع لا يسير نحو الانخفاض على الأقلّ خلال السنوات المقبلة، فالرئيس عبد المجيد تبون أكد في كلمة له بمناسبة زيارته إلى مقرّ وزارة الدفاع الوطني نهاية شباط/فيفري الماضي، على "ضرورة تطوير قدرات الجيش، بالنظر لشساعة بلادنا في ظلّ التحديات الأمنية المستجدة بدول الجوار، والتي تستدعي تعزيز القدرات الدفاعية كلما زاد تدفق السلاح في مناطق التوتر المحيطة بحدودنا".

وقال تبون"سنواصل تنفيذ برامج تطوير القوات، بما تتطلبه من رفع في مستوى القدرات القتالية بشتى أنواعها المسلحة مع مختلف الشركاء، علاوة على مواصلة جهود الحفاظ على جاهزية العتاد العسكري وتجديده وتحديثه وعصرنته"، لأنّ ذلك – حسب الرئيس الجزائري - سيضمّن " تأمين مناطق المنشآت الصناعية والاقتصادية والطاقوية الحيوية، لا سيما في الجنوب الكبير".

وشهدت الجزائر في الـ 16 كانون الأول/جانفي 2013 هجومًا إرهابيًا على منشأة نفطية بمنطقة تقنتورين بولاية إليزي جنوب البلاد، أدّى إلى سقوط 38 شخصًا من الجزائريين والرعايا الأجانب، الذين أخدتهم الجماعة الإرهابية كرهائن. وتعهد تبون أيضًا بأنه سيولي "أهمية بالغة" لترقية الصناعات العسكرية التي تبقى لحدّ اليوم لا تلبّي حاجيات الجيش الجزائري.

التحدّيات الأمنية الإقليمية التي تعيشها الجزائر تفرض عليها سنويًا، رصد ميزانية بملايير الدولارات لاقتناء السلاح

 وإلى أن تتحقّق وعود تبون بترقية الصناعة العسكرية والدفاعية في البلاد، تبقى التحدّيات الأمنية الإقليمية التي تعيشها الجزائر تفرض عليها سنويًا، رصد ميزانية بملايير الدولارات لاقتناء السلاح، الذي يسمح لها بمواجهة الرهانات الأمنية الموجودة على حدودها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تتفق مبدئيًا مع ألمانيا لإطلاق مشروع "ديزارتيك"

بعد سقوطٍ حرّ.. "أوبك +" تتّفق على خفض إنتاج النفط بـ 15 مليون برميل