مجتمع

الجزائر على خط النار.. تجارة المخدرات تتحول إلى تهديد استراتيجي للأمن القومي

13 أكتوبر 2025
(الصورة: فيسبوك)
عمار لشموت
عمار لشموتكاتب من الجزائر

في سياق التحديات الأمنية المعقدة التي تواجهها الجزائر ومنطقة الساحل الإفريقي، أضحى ملف المخدرات والمؤثرات العقلية يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي والإقليمي. وقد عبّر الرئيس عبد المجيد تبون عن ذلك في خطابه أمام إطارات الجيش الوطني الشعبي، حيث سلط الضوء على خطورة الظاهرة، كاشفًا عن حجز أكثر من 25 مليون قرص مهلوس. كما حذر من تنامي نشاط شبكات إجرامية عابرة للحدود، خاصة في ظل وجود دول إفريقية تُعد مصدرًا لإنتاج مواد مثل الكوكايين.

حذر رئيس الجمهورية من تنامي نشاط شبكات إجرامية عابرة للحدود، خاصة في ظل وجود دول إفريقية تُعد مصدرًا لإنتاج مواد مثل الكوكايين

هذا التحذير يعكس حجم الرهانات والتهديدات غير التقليدية التي باتت تتجاوز الحدود الأمنية الكلاسيكية. وبناءً عليه، يتعين على الدولة إيجاد مقاربة شاملة ترتكز على اليقظة الأمنية والتنسيق الإقليمي في منطقة الساحل، إلى جانب التوعية المجتمعية والتنمية المحلية والاقتصادية، لمواجهة ما يعتبر سلاحًا ناعمًا يستهدف البنية المجتمعية وتماسك المجتمع واستقرار الدولة.

تحالف بين الإرهاب والتهريب

في هذا السياق، صرّح المحامي والحقوقي آدم مقراني لـ"التر جزائر" أن شبكات تهريب الحبوب المهلوسة في دول الساحل الإفريقي لا تعمل بمعزل عن الجماعات المسلحة، بل تشكل على حدّ تعبيره "العمود الفقري للاقتصاد غير الشرعي الذي يغذي تلك الجماعات ويمدّها بمصادر تمويل ثابتة".

وأشار مقراني إلى أن تقارير أممية حديثة تؤكد تحوّل دول مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو إلى ممرات رئيسية لتجارة الهيروين والكوكايين، مشيرًا إلى أن "عمليات الضبط التي شهدتها المنطقة منذ عام 2022 تُظهر تصاعدًا لافتًا في حجم النشاط"، حيث تمت مصادرة أكثر من طن ونصف من الكوكايين في عام واحد داخل مالي وبوركينا فاسو فقط.

وأضاف أن هذه المواد لا تُستهلك محليًا فحسب، بل تُستعمل أحيانًا كوسيلة دفع داخل الجماعات المسلحة أو تُهرّب شمالًا مقابل أسلحة وتمويلات جديدة، مما يجعلها عملة غير شرعية تدور في فلك الاقتصاد الموازي.

المحامي  آدم مقراني: تقارير أممية حديثة تؤكد تحوّل دول مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو إلى ممرات رئيسية لتجارة الهيروين والكوكايين

وأكد المتحدث أن العلاقة بين المهربين والجماعات المتشددة موثّقة وليست مجرد افتراض، موضحًا أن تنظيمات إرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة في الساحل تفرض ما يسمى بـ"ضرائب الحماية" على القوافل مقابل السماح لها بالمرور، وهو ما يدرّ أرباحًا ثابتة ويعزز نفوذ هذه الجماعات في مناطق شاسعة تفتقر إلى سلطة الدولة.

وكشف مقراني أن بعض التنظيمات تستخدم عقار "كبتاغون" ومشتقات الأمفيتامين لرفع مستوى التركيز والتحمل لدى عناصرها خلال المعارك، مشيرًا إلى أن "الأمر لا يقتصر على تعزيز الأداء القتالي، بل يشكل وسيلة لتقوية الانضباط الداخلي وتجاوز مشاعر الخوف أو التردد".

وفيما يخص تأثيرات الوضع الأمني على الجزائر، أوضح أن الجزائر تواجه تحديًا مضاعفًا بحكم موقعها الاستراتيجي الرابط بين الساحل والشمال، حيث تشكل حدودها الجنوبية نقاط عبور رئيسية لمسارات التهريب.

وذكر أن الأجهزة الأمنية الجزائرية تمكنت من تفكيك العديد من هذه الشبكات داخل البلاد، لكنه أضاف: "نشاطها يتراجع نحو الحدود ليُعاد تشكيله عبر ليبيا ومالي، في نمط متجدد من التحرك".

المحامي  آدم مقراني: الجزائر تواجه تحديًا مضاعفًا بحكم موقعها الاستراتيجي الرابط بين الساحل والشمال، حيث تشكل حدودها الجنوبية نقاط عبور رئيسية لمسارات التهريب

واختتم مقراني تصريحه بالقول إن العلاقة بين تجار المخدرات والجماعات المسلحة هي "تحالف مصلحي قائم على تبادل المنافع"، فالأولى توفر التمويل والحماية، والثانية تمنح الغطاء الأمني واللوجستي. مؤكّدًا أن هذا الارتباط يشكل تهديدًا مزدوجًا للأمن الجزائري، ومشدّدًا على ضرورة تطوير منظومة أمنية إقليمية متكاملة لمواجهة خطر تمدد هذه الشبكات العابرة للحدود.

اقتصاد الظل يهدد الأمن الإقليمي

يرى نزار مقني، المختص في الشأن الإقليمي والساحل الإفريقي، في حديثه لـ"التر جزائر"، أن منطقة الساحل تعيش على وقع تصاعد خطير في أنشطة تهريب المخدرات، مؤكدًا أن هذا التنامي جعل من تجارة السموم "تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني والإقليمي"، وهو ما يفسر  حسبه  التحذيرات المتكررة للرئيس عبد المجيد تبون بشأن خطورة الظاهرة.

ويشير مقني إلى أن هذا التحذير لا يأتي من فراغ، بل ينبع من واقع إقليمي مضطرب تتقاطع فيه شبكات الجريمة المنظمة مع الجماعات الإرهابية، وتتداخل فيه المصالح المالية الفاسدة مع دوائر السلاح والسياسة.

وأوضح أن انهيار الدولة في ليبيا عام 2011 وانتشار الجماعات الإرهابية في شمال مالي خلقا فراغًا أمنيًا واسعًا، تحوّل إلى أرض خصبة لاقتصاد غير مشروع عابر للحدود. وتابع: "خطوط التهريب تمتد من غرب إفريقيا، حيث تصل المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية، مرورًا بمالي والنيجر وصولًا إلى الجزائر وليبيا والمغرب"، لافتًا إلى أن هذه الشبكات لا تقتصر على تهريب السموم، بل تموّل الإرهاب وتشتري الولاءات في مناطق مهمشة ومنسية.

 المختص في الشأن الإقليمي والساحل الإفريقي نزار مقني: تنظيمات مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وداعش في الصحراء الكبرى تعتمد على تجارة المخدرات كمصدر تمويل دائم، سواء عبر فرض إتاوات الحماية أو من خلال الانخراط المباشر في عمليات التهريب

وأكد أن العلاقة بين مهربي المخدرات والجماعات الإرهابية "عضوية ومعقدة"، موضحًا أن تنظيمات مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وداعش في الصحراء الكبرى تعتمد على تجارة المخدرات كمصدر تمويل دائم، سواء عبر فرض إتاوات الحماية أو من خلال الانخراط المباشر في عمليات التهريب.

وأضاف أن الحدود الجنوبية للجزائر، الممتدة على آلاف الكيلومترات، باتت تواجه تحديًا أمنيًا كبيرًا أمام تمدد هذه الشبكات التي لا تعترف بسيادة الدول ولا بالقوانين الدولية.

ويشدد المختص على أن أخطر ما في الظاهرة هو تحوّلها إلى نظام اقتصادي موازٍ في بعض مناطق الساحل، يضمن بقاء الجماعات المسلحة ويؤمن لها موارد مالية تفوق أحيانًا ميزانيات بعض الدول الهشة، مما يجعلها سلطة ظلّ يصعب تفكيكها.

واعتبر أن التحذيرات الجزائرية الأخيرة ليست آنية، بل تحمل بعدًا استراتيجيًا، إذ تدرك الجزائر أن انفلات الوضع في الساحل يعني اقتراب الفوضى من تخومها الجنوبية.

الردع الأمني والدعم التنموي

يرى مقني أن مواجهة الظاهرة لا يمكن أن تكون أمنية فقط، لأن جذورها عميقة ترتبط بغياب التنمية وضعف الدولة وتدخل قوى خارجية تبحث عن النفوذ أكثر من الحلول. ويضيف أن الجزائر، بما تملكه من قدرات استخباراتية وعسكرية، تعي أن المقاربة الفعالة يجب أن تجمع بين الردع الأمني والدعم التنموي والتنسيق الإقليمي الحقيقي.

ونبّه الخبير إلى أن التهديد لا يطال الجزائر وحدها، بل يمتد إلى عموم شمال وغرب إفريقيا، موضحًا أن "شبكات المخدرات العابرة للقارات أصبحت أداة لتقويض الدول من الداخل عبر الفساد وتمويل الإرهاب وتغذية الصراعات".

وأشار إلى أن هذه الشبكات نفسها تتورط في إدارة طرق الهجرة غير النظامية، حيث يتحول المهاجر الإفريقي إلى "سلعة بشرية" تُنقل بين أيدي المهربين، في ظل تحكم الجماعات الإرهابية في طرق العبور وفرضها لضرائب الموت، ما يجعل من الهجرة والمخدرات وجهين لعملة واحدة هي عملة الفوضى.

صراع على الجغرافيا

يقول نزار مقني إن ما يجري في الساحل ليس مجرد تهريب للمخدرات والبشر، بل "صراع على الجغرافيا والسيادة"، تتقاطع فيه مصالح دولية وشركات وجماعات مسلحة. مؤكدًا أن التحذير الجزائري في هذا السياق يمثل "نداءً استراتيجيًا لمواجهة خطر صامت ينخر القارة من الداخل"، لافتًا إلى أن تعزيز التعاون الأمني بين الجزائر وتونس يأتي في إطار إدراك البلدين لخطورة تمدد الجماعات الإرهابية من الساحل نحو الشمال.

 

قال أحمد ميزاب، المختص في الشأن الأمني والاستراتيجي، في تصريح لـ"التر جزائر":"تشهد منطقة الساحل الإفريقي تناميًا لعلاقة مركبة بين شبكات تهريب المخدرات والجماعات الإجرامية أو الإرهابية، حيث باتت المصالح متبادلة والارتباطات واقعية".

وأوضح أن العلاقة بين الطرفين عملية؛ فالمال والطرق والحماية تمر عبر نفس القنوات، ما يجعل هذه الشبكات تتقاطع في الأهداف والأساليب. فالجماعات المسلحة تستفيد من التمويل الذي توفره تجارة المخدرات مقابل حماية القوافل وتأمين العقود، بينما يعتمد المهربون على هذه الجماعات في توفير الطرق اللوجستية ونقاط العبور الآمنة.

واعتبر الخبير أن هذا الترابط أنتج تهديدًا مباشرًا لاستقرار دول المنطقة، حيث يؤدي تدفق الأموال إلى الجماعات المسلحة واختراق مؤسسات الدولة بفعل الفساد إلى إضعاف السيطرة على الحدود وفتح المجال أمام تنامي العنف والفوضى.

وفي هذا السياق، حذر من أن الجزائر تواجه مخاطر متضاعفة بسبب طول الحدود ومعابرها البرية القابلة للاستغلال من قبل المهربين، واحتمال استخدام شبكات تهريب المخدرات لنقل العتاد والمواد غير المشروعة، ما يفرض ضغطًا إضافيًا على قوات الأمن والاستخبارات في مواجهة تهديد متطور ومتغير.

أحمد ميزاب، المختص في الشأن الأمني والاستراتيجي: تشهد منطقة الساحل الإفريقي تناميًا لعلاقة مركبة بين شبكات تهريب المخدرات والجماعات الإجرامية أو الإرهابية، حيث باتت المصالح متبادلة والارتباطات واقعية

وشدد على أن المرحلة الحالية تستدعي إجراءات عملية وسريعة، أولها تعزيز التعاون الاستخباري الثنائي ومتعدد الأطراف مع دول الساحل لتفكيك الشبكات العابرة للحدود، ومراقبة الحدود باستخدام الوسائل التقنية، واستهداف السلاسل المالية عبر تجميد الأصول وملاحقة عمليات غسيل الأموال.

كما دعا إلى إطلاق حملات وطنية للوقاية والعلاج من الإدمان، ومكافحة الفساد داخل الإدارات الحدودية والمالية، وإدراج قضايا التهريب والمخدرات ضمن أولويات التعاون الإقليمي والدولي.

واختتم ميزاب تصريحه قائلاً: "إن التهاون في مواجهة هذه الظاهرة سيؤدي إلى اتساع النفوذ المالي للجماعات المسلحة، وانزلاق أمني واجتماعي أعمق، وارتفاع كلفة الاستجابة الأمنية والسياسية. فالتحرك الحازم اليوم ليس خيارًا، بل ضرورة لحماية أمن الجزائر واستقرارها".

الكلمات المفتاحية

الجرب

"الجرب" في المدارس الجزائرية.. عودة مقلقة لمرض منسي

يُعدّ داء الجرب من الأمراض الجلدية الطفيلية المعروفة منذ قرون، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنّه من أقدم الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان عبر التاريخ، حيث ينتقل بسهولة عن طريق التلامس المباشر أو عبر الملابس والأغطية الملوثة. وقد عاد هذا المرض إلى الواجهة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، إذ سُجّلت عدة بؤر إصابة داخل الوسط المدرسي، من بينها 87 حالة تم الإعلان عنها سنة 2019، إلى جانب مئات الحالات…


قضايا الطلاق والخلع

الخُلع تهديد مستمر للأسرة الجزائرية.. التكوين قبل الزواج طريق الوقاية


منظمة حماية المستهلك تُنبّه الجزائريين.. هل الملاعق البلاستيكية آمنة؟

منظمة حماية المستهلك تُنبّه الجزائريين.. هل الملاعق البلاستيكية آمنة؟

في المقهى المُجاور لمقرّ العمل، أو في محلّ المأكولات السريعة، أو في إحدى محطات الطريق السريع شرق غرب... كم مرة أمسكتَ بملعقة بلاستيكية لتناول فنجان قهوة بسرعة أو تناول وجبة خفيفة على عجل دون أن تُفكر في تأثيرها؟


الازدحام المروري بالجزائر العاصمة

"السركالة".. الجزائريون عالقون في ازدحام الطرقات ...متى ستتنفس العاصمة؟

"السركالة" كلمة تتردّد كثيرا على ألسنة الجزائريين، إذ أصبحت رمزًا لمُعاناة المرور اليومية التي تستنزف الوقت والأعصاب وحتّى العُمر. لقد تحوّلت أبسط التنقلات، من المنزل إلى مكان العمل، إلى أكبر التحديات اليومية، وعند الوصول، يبقى السؤال الأكبر في الذهن: كيف سأعود إلى البيت؟

سفينة كورسيكا
أخبار

احتجاز سفينة فرنسية في ميناء الجزائر.. ما السبب؟

احتُجزت السفينة الفرنسية "جان نيكولي" التابعة لشركة "كورسيكا" في ميناء الجزائر منذ وصولها صباح 12 نوفمبر، وفق ما نقلته الصحيفة البحرية المتخصصة "لومارين" وتتولى مصالح الملاحة البحرية الجزائرية إجراءات الاحتفاظ بالسفينة، دون الكشف عن أسباب القرار حتى الآن.

حسين داي
أخبار

انهيار بناية في حسين داي.. السلطات توجّه أصابع الاتهام لصاحب ترقية عقارية

وجهت مصالح ولاية الجزائر أصابع الاتهام نحو صاحب ترقية عقارية خاصة ببلدية حسين داي، بعد انهيار نصف بناية مكونة من طابق أرضي وأربعة طوابق حيث انهارت أربعة طوابق من الجزء الأيمن للبناية بشكل كامل.


الكلاب الضالة
أخبار

وزارة الفلاحة توقف نهائيًا عمليات قتل الحيوانات الضالة في الجزائر

أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عن الوقف الفوري والنهائي لجميع حملات قتل الحيوانات الضالة عبر بلديات الوطن، مؤكدة أن هذا القرار يأتي في إطار صلاحياتها القانونية ومسؤوليتها المباشرة عن صحة الحيوانات ورفاهيتها، وفق التشريعات والتنظيمات المعمول بها.

يحيى مداح
أخبار

أدين في عدة قضايا.. ترحيل جزائري ملاحق منذ 15 سنة في كندا وأميركا

رحّلت السلطات الكندية، مساء الخميس، الجزائري يحيى مداح إلى الجزائر بعد أن خسر آخر محاولة قانونية لمنع ترحيله، في قضية تمتد جذورها لأكثر من 15 سنة وتخللتها ملاحقات قضائية واتهامات أمنية وسياسية معقدة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

"لا نطلب فضلًا بل عدالة".. عائلة شريف ملال تطالب السلطات بالإفراج عنه


2
ثقافة وفنون

بقّار حدّة.. صوتُ الأوراس الرّيفيّ الّذي انطفأ وحيدًا


3
أخبار

الصين تشدد الرقابة على تصدير السيارات المستعملة والجديدة.. هل سترتفع الأسعار في الجزائر؟


4
أخبار

خبرة ثالثة تُقرر مصير الأطباء المتهمين في وفاة مريضة بالمسيلة


5
منوعات

مرفأ الغزوات غرب الجزائر.. معقل السردين ورصيف يربط بين الجزائر وإيطاليا