23-يناير-2020

عبد المجيد تبون يتوسط المستشارة الألمانية والأمين العام للأمم المتحدة (تصوير: آدم بيري/ Getty)

عقب اجتماع وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم بنظيره الفرنسي، أعلن لودريان للصحافة الوطنية أن الجزائر قوّة يمكن الاستثمار فيها، وأكّد أن فرنسا ستتعاون مع الجزائر، لوقف إطلاق النار في ليبيا والعودة إلى مسار الحوار الشامل، حيث أفاد لودريان أن الجزائر وفرنسا اتفقتا على محاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي.

يرى محلّلون أنّ الدعم الفرنسي لقوّات شرق ليبيا، يعود أساسًا إلى محاولة البحث عن التموقع بقوّة في المشهد الليبي

الأزمة الليبية على الطاولة 

من جهتهم، يُشير مراقبون، إلى مدى تباين الموقف الجزائري والموقف الفرنسي تجاه الأزمة الليبية، حيث تشدّد الجزائر على حيادها التام تجاه طرفي الصراع في ليبيا، مع اعترافها بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، وضرورة العودة إلى الحوار الشامل، ورفض أي تدخّل أجنبيٍّ وعسكري.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تجتمع بوزراء خارجية دول جوار ليبيا غدًا

موقف الفرنسي مزدوج 

 في مقابل ذلك، يصف متتبعون الموقف والخطاب الفرنسيين، بالازدواجية تجاه الأزمة في ليبيا، وقد سبق أن وصف وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان، قوّات الجنرال حفتر "بالأمر الواقع الذي لا يُمكن تجاوزه".

الخطاب الفرنسي، تفندّه تقارير اكتشاف صواريخ فرنسية المصدر، في قواعد المشير حفتر، حيث اعترفت باريس بملكيتها لصواريخ "جافلين" التي اشترها من الولايات المتحدة في وقت سابق. حاولت باريس التنصّل من هذا الدعم عسكريًا، مشيرةً إلى أن هدف تواجد قوّاتها في ليبيا، هو مهمّة أمنية واستخباراتية، لمكافحة الجماعات الجهادية.

من ناحية أخرى، تسعى باريس علنيًا، إلى تقريب وترتيب لقاء للأطراف المتصارعة في ليبيا، وقد نُظِّم في وقت سابق لقاء تشاوري بقصر الإليزيه بين فايز السراج وخليفة حفتر في سنة 2018.

تراجع النفوذ الفرنسي

يرى محلّلون أنّ الدعم الفرنسي لقوّات شرق ليبيا، يعود أساسًا إلى محاولة البحث عن التموقع بقوّة في المشهد الليبي، لمواجهة التقدّم التركي في منطقة المتوسّط، ودعمه اللامشروط لحكومة الوفاق الوطني، كما أن التواجد الروسي في حوض المتوسّط، بات يقلق المجموعة الأوروبية.

يسعى الجانب الفرنسي، للحصول على عدّة مكاسب في ليبيا، متمثّلة في عقود الإعمار، وزيادة الفرص التجارية لشركة النفط توتال، حيث تساند باريس موقف كل من مصر والإمارات والسعودية، الداعمة لحفتر بهدف إبرام عقود أسلحة مع تلك الدول.

الصراع الإيطالي الفرنسي  

 تسبب التدخّل الفرنسي في الشأن الليبي دون الشراكة الإيطالية، وانحياز إيمانويل ماكرون لحفتر، غضبًا وتذمرًا من الجارة الإيطالية، حيث تشكل ليبيا (مستعمرتها القديمة) العمق الإستراتيجي لها، وتعتبرها مركز نفوذها الاقتصادي والأمني، فالسواحل الإيطالية تقع على بعد بضع المئات من الأميال من السواحل الليبية. وتستورد إيطاليا نحو 12 في المائة من احتياجاتها من الغاز من ليبيا، ويذهب نحو 32 في المائة من إنتاج النفط الليبي إلى إيطاليا.

استثمرت روما نفوذها الاقتصادي في ليبيا منذ فترة حكم معمر القذافي، وكانت الشركة الإيطالية "إيني" أولى الشركات النفطية التي عملت في ليبيا منذ 1959، كما تحمّلت إيطاليا عبء تدفق مئات المهاجرين من ليبيا عبر البحر الأبيض المتوسّط، منذ سقوط معمر القذافي بقيادة فرنسا، بينما شكّل التعاون بين روما وحكومة فائز السراج، في مجال التصدّي للهجرة السرّية، نتائج ملموسة.

تجدر الإشارة، إلى أن المصالح الاقتصادية والطاقوية الإيطالية، مرتكزة في كل من طرابلس ومصراتة، وهي مصالح تهدّدها قوّات حفتر باستمرار عبر إضعاف شركة النفط الليبية، لصالح عقود محتملة مع شركة "توتال" الفرنسية، أو الشركات النفطية الروسية.  

الملف المالي ومكافحة الإرهاب

تشارك فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، في إطار عملية برخان لمكافحة الجماعات المسلّحة، وتضمّ القوات الفرنسية نحو 4500 عسكري في خمسة دول في الساحل وهي: (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، تشاد، موريتانيا).

 شكل مقتل 13 عسكريًا، في تصادم مروحيتين من قوّات برخان في شمال مالي في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، صدمة للرأي العام الفرنسي، حيث أعاد الحادث السؤال حول قدرة القوّات الفرنسية في السيطرة الفعلية على شمال مالي، ومكافحة تصعيد الجماعات الجهادية في المنطقة.

في هذا الشأن، أكّد الإعلامي والمهتم بالشأن الدولي إسلام كعبش، بخصوص التسوية السياسية في مالي، على تواجد تطابق بين الجزائر وباريس حول اتفاق السلام المُمضَى في الجزائر عام 2015. 

 وأضاف المتحدّث أن هذا هو الإطار الأمثل لمعالجة الأزمة، فقد أرسل الرئيس الفرنسي ماكرون إلى باماكو قبل أيام، مبعوثًا خاصًا رفيع المستوى دبلوماسيًا، للعمل على الدفع بهذا الاتفاق، الذي تراه الأمم المتحدة حلًا وحيدًا للأزمة السياسية والأمنية في هذا البلد المهم بالنسبة للجزائر.

أضاف كعبش أن زيارة إيف لودريان إلى الجزائر، تهدف إلى استماع باريس إلى مقاربة الجزائر بخصوص الملف الليبي، وكيفية تصوّر الجانب الجزائري لتفعيل مسارات أو مخارج مؤتمر برلين.

ملفات اقتصادية واستثمارية 

إلى جانب الملفات الدولية والاقليمية، كانت الملفّات الاقتصادية، حاضرة على طاولة المحادثات بين الجانب الجزائري والفرنسي، حيث قال لودريان وزير خارجية فرنسا، إن بلاده تطمح لرفع مستوى التبادل إلى أقصاه سنة 2020، من أجل بعث دعم ديناميكية جديدة في كل القطاعات

 تبقى المشاكل الاقتصادية العالقة بين البلدين، والتي يحاول الطرف الفرنسي إيجاد حلول لها، هي ملف استحواذ "توتال" على أصول شركة "أناداركو"، وكذا مشروع البتروكيمياء المشترك في أرزيو، ومصنع تركيب السيارات "بيجو"، المتعثر بعد تسقيف استيراد قطاع غيار السيارات. كما يحاول الجانب الفرنسي فهم الرؤية الاقتصادية للحكومة الجديدة التي تتكون من 14 وزيرًا اقتصاديًا.

 تجاريًا، تعتبر فرنسا أوّل زبون للجزائر، وثاني مورّد بعد الصين، وتهدف زيارة وزير الخارجية الفرنسي، للعمل على تنشيط العلاقات الثنائية التي تعرف برودة في المرحلة الأخيرة، وسيبحث الطرفان كيفية إحياء اللجنة الحكومية الثنائية رفيعة المستوى، واللجنة الاقتصادية الجزائرية-الفرنسية المشتركة.

تسعى الجزائر إلى تجاوز العلاقات التجارية والطاقوية مع فرنسا وجلب المزيد من الاستثمارات المباشرة 

في المقابل، تسعى الجزائر إلى تجاوز العلاقات التجارية والطاقوية، وجلب المزيد من الاستثمارات المباشرة، ونقل التكنولوجيا، وهذا ما أكّده وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم خلال لقاءه مع نظيره الفرنسي، حيث قال إنه: "لمس استعدادًا لدى لودريان لدعم رجال الأعمال الفرنسيين للجزائر الجديدة بجرأة أكبر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

دور الجزائر في الأزمة الليبية.. حنكة سياسية أم حتمية الموقع الجغرافي؟

الجزائر تستقبل وفدًا عن قوّات حفتر.. هل هي بداية مبادرات الحوار؟