14-نوفمبر-2021

إيمانويل ماكرون، عبد المجيد تبون (الصورة: وطن 24)

للمرّة الأولى في تاريخ العلاقات السياسية بين الجزائر وفرنسا، تصل الأزمة إلى هذا المستوى، بحيث تتمسّك فيه الجزائر بشكل غير مسبوق بالقطيعة مع باريس، وفيما اشتدّ الحبل الرابط بين البلدين مؤخرًا منذ أكثر من أكثر من شهر، ترك البعض احتِمال عودة العلاقات بين الجزائر وباريس بالنظر للظروف السياسية الإقليمية والدولية؛ لكن مهما كان التّوقيت السياسي الذي ستعود فيه العلاقات فإنها قد تمرّ بمرحلة فتور قبل إعادة تأهيلها إلى وضعها الطبيعي.

 تأكّد رسميًا أن الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبّون يرفض استعادة العلاقات مع باريس على الأقلّ في الوقت الحالي

 تأكّد رسميًا أن الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبّون يرفض استعادة العلاقات مع باريس على الأقلّ في الوقت الحالي، خاصّة وأن كلّ الوسائل والطرقات الدبلوماسية التي لجأت إليها فرنسا والتّصريحات المنقولة عن قصر الإليزيه عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تفيد أن حلّ الأزمة الدبلوماسية ليس بالقريب، ما يفسّر أن الجزائر تريد اعتذارًا رسميًا من الرئيس ماكرون تعيد الاعتبار للجزائريين وتاريخهم وسيادهم، وليس تصريحات على عجلٍ.

نحترِم من يحترمنا

أنهى رئيس الدبلوماسية الجزائرية الوزير رمطان لعمامرة حالة الترقّب التي أعقبت تصريحات مستشار الإليزيه التي تضمّنت "ما يشبه الاعتذار" للجزائر وللرئيس تبون، إذ أبدت الرئاسة الجزائرية موقفًا حازمًا من عدم مشاركة الرئيس الجزائري في مؤتمر حول ليبيا بالعاصمة باريس، وخفض التمثيل السياسي بمشاركة لعمامرة في المؤتمر، وتأتي أيضًا عقب تصريحات الرئيس تبون للصحيفة الأسبوعية الألمانية " دير شبيغل" الرامية إلى عدم استعداده لتطبيع العلاقات مع باريس في الوقت الرّاهن.

وجدد لعمامرة  خلال مشاركته في مؤتمر باريس، دعوة الجزائر لجميع الأطراف الخارجية لاحترام سيادة ليبيا ووحدة أراضيها واستقلالية قرارها. وأدان وزير الخارجية الجزائري في كلمة له خلال المؤتمر الدولي لدعم ليبيا بباريس، "بقوة  تواصل التدخّلات الأجنبية عبر جميع إشكالها في الشؤون الداخلية لهذا البلد الشقيق، وتورط عدة أطراف الخارجية في خرق حظر توريد الأسلحة رغم التزامها بمخرجات مؤتمري برلين وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

في هذا السياق، كشفت مصادر إعلامية، عن أوامر أصدرها الرئيس، عبد المجيد تبون، من أجل وقف كافة أشكال الاتصالات الدبلوماسية مع فرنسا، عقب الأزمة الأخيرة التي شابت العلاقات بين البلدين.

وقالت صحيفة "العربي الجديد"، إن الرئيس تبون أمر وزارة الخارجية بتجميد كافة الاتصالات الدبلوماسية مع الجانب الفرنسي، وهو ما يتقاطع مع الأخبار التي تتحدث عن رفض تبون التواصل مع ماكرون في هذه الفترة.

قراءات سياسية في الجزائر، ذهبت إلى تزكية الموقف الجزائري من بوابة قصر المرادية، على اعتبار أن الرئيس تبون أبدى امتعاضه الشديد على ما وُصف "بالتطاول" على الجزائر، آخرها في تصريحات رسمية له خلال كلمته في افتتاح أعمال مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية في الخارج، قائلًا بأن "الجزائر لن تتسامح مع أي تدخل في شؤونها الداخلية"، مشددًا على أن بلاده ستظلّ دومًا على استعداد لإقامة علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والالتزام الكامل بمبدأ المساواة السيادية بين الدول".

رغم محاولات الإليزيه وماكرون الاتصال بالرئيس تبون لدعوته إلى مؤتمر حول الأزمة الليبية تستضيفه باريس، نقلًا عمّا أوردته صحيفة "لوبوان" الفرنسية، إلا أن موقف الجزائر لم يتغيّر تجاه الخرجة "السيئة" للرئيس الفرنسي، منذ تصريحاته التي نقلتها جريدة "لوموند"، إذ أساء للجزائر نحو ما جاء فيها أن "الرئيس تبون متأثّر بالمحيطين به"، وأنه "لا وجود لأمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي".

هذه التصريحات جعلت الجزائر توقف كلّ التعاملات مع فرنسا وتخاطبها باسم السيادة الجزائرية، إذ عاود الرئيس موقفه من التصريحات التي وصفتها الرئاسة الجزائرية بـ "الخطيرة" و"العدائية " في تصريحات للصحيفة الأسبوعية "دير شبيغل" الألمانية معتبرًا تصريحات ماكرون تنم عن "حقد قديم" وتخصّ الجزائريين جميعهم، و"لا يجب المساس بتاريخ شعب تاريخ دولة".

وذهب الرئيس تبون إلى أن الغاية من تصريحات ماكرون، هي إرضاء حلفائه السياسيين لأغراض انتخابية تحسبًا للرئاسيات الفرنسية المقبلة، إذ انحاز نزيل الإليزيه -حسبه- إلى "أولئك الذين يبرِّرون الاستعمار"، وهو ما لا يمكن للجزائر أن تسكُت عنه أو تغضّ الطرف عنه، على حدّ قوله.

قرارات هادئة ومتأنية

على ضوء هذه التطوّرات وعطفًا لما أوردته العديد من المقالات الصحفية الفرنسية، فإن قراءات سياسية في الجزائر تعتبر أن ما تحاول الدبلوماسية الفرنسية فعله يظلّ تحت المستوى من الانتظارات السياسية والشعبية في الجزائر، إذ لفت المتابع للشأن السياسي في ضفة البحر المتوسط الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الشلف، فريد يونسي في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن ما تنتظره الجزائر من باريس ومن ماكرون هو "اعتذارٌ رسمي عن التصريحات الخطيرة والجائرة في حقّ الشعب الجزائري أولًا، والعودة إلى طاولة المفاوضات حول الملفّات التاريخية العالقة بين البلدين وبأكثر حزم وجدية هذه المرة ثانيًا".

واعتبر يونسي في تعليقه على قرار الجزائر خفض التمثيل في مؤتمر باريس حول الأزمة الليبية، أن الخطوة الجزائرية "مدروسة من حيث المبدأ، فالجزائر حسبه لن تتخلى عن الملف الليبي الذي يعدّ أحد الجوانب المهمة في مبادئها الاستراتيجية، في التعامل مع الدول، خصوصًا في "وضع جيوستراتيجي متغير دائمًا ومتحوّل المواقف والظروف أحيانًا، ومضطرب حاليًا".

وواصل قائلًا إن خفض التّمثيل هو رسالة واضحة لباريس أن "الجزائر لن تحيد عن مبادئها المتعلقة بالقضايا الإقليمية والدولية، لكنها في الوقت نفسه تحترم من يحترمها من بوابة عدم التدخل في شؤونها أو المساس بتاريخها العريق".

في قراءة ثانية للقرار الجزائري بخصوص مؤتمر لببيا، ذهب بعض المحللون إلى أن بيان الإليزيه يحمِل  فخّ المغامرة السياسية، إذ أكد أستاذ الخطاب الإعلامي عبد السلام بلجيلالي إلى اعتبار أن ما أورده بيان الإليزيه، أكد فيه أن الرئيس ايمانويل ماكرون "يأسف للخلافات وسوء الفهم" مع الجزائر، وهذا من حيث المضمون لا يرقى لأن يكون بيان مخصص للأزمة مع الجزائر من جهة، و أيضا فسر ردود الفعل الرسمية الجزائرية بأنها أساءت فهم تصريحات ماكرون الأولى وهذا منافٍ للحقيقة ولما جاء على لسان ماكرون في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي من جهة أخرى.

كما شدد الأستاذ بلجيلالي لـ"الترا جزائر" أن مشاركة تبون في مؤتمر ليبيا -لو حصلت-هي ضرورية بالنسبة لفرنسا لتجاوز أزمة الأخيرة مع الجزائر، دون أن تقدم لها الاعتذار اللازم والحقيقي على "جرم في حق الشعب الجزائري" على حدّ تعبيره.

عودة العلاقات بثمن

لعلّ من المناسب الآن، أن تضع الجزائر بعض الشّروط لعودة العلاقات السياسية مع باريس، وإجبارها على تغيير معادلات التعامل مع الجزائر من جهة، بحكم التحولات الحاصلة داخل منظومة الحكم في الجزائر، وعامل مهم ليجرّ باريس على دفع ثمن أكبر لتجاوز الخلافات.

إطالة الأزمة من مصلحة الجزائر من زوايا عدة؛ إذ يشير بعض المتابعين للشّأن السياسي إلى أن الجزائر لا تريد إنهاء سريع للأزمة دون ثمن سياسي تدفعه باريس، وهو في اعتقاد البعض يتّصل أساسًا بالاعتذار الرسمي عن الجرائم المقترفة في الجزائر خلال 130 سنة من الاحتلال فضلًا عن تسليم الأرشيف الجزائري في فرنسا، وجماجم المقاومين وخرائط العمليات التفجيرية في الصحراء الجزائرية وخطي الألغام في الحدود الشرقية والغربية للجزائر، فضلًا عن تسليم معارضين مطلوبين للقضاء الجزائري والحد من نشاط الحركة الإرهابية ما يسمى بـالاستقلال مطقة القبائل "الماك".

تبدو الأزمة الجزائرية الفرنسية هذه المرة مغايرة تمامًا للأزمات السابقة، إذ أن عدة معطيات تغيرت في صلب العلاقات البيْنية، ويتدخّل عامل الزّمن ضمن سياق الأزمة، حيث ترغب السلطة الجزائرية استغلال مناخ الانتخابات الفرنسية لتشكيل ضغط أكبر على الرئيس ماكرون ودفعه إلى الموافقة على بعض المطالب إضافة لحلّ الأزمة، ليس أقلّها -كما أسلفنا-  ملفّ الذاكرة والتاريخ.

تبدو الشروط الجزائرية "غير المعلنة" واقعية وقابلة للّنقاش على أمل إصلاح العلاقات السياسية وتجاوز الأزمة في وقت قريب

تبدو الشروط الجزائرية "غير المعلنة" واقعية وقابلة للّنقاش على أمل إصلاح العلاقات السياسية وتجاوز الأزمة في وقت قريب، خاصّة وأن هناك معطيات كثيرة بينها العامل الديمغرافي الحالية الجزائرية كثيرة العدد في فرنسا والمصالح الاقتصادية، تدفع كلها نحو حلحلة الأزمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رئيس الجمهورية لن يُشارك في مؤتمر باريس حول ليبيا

تبون: عودة سفيرنا لباريس مرهون باحترامها التام للجزائر