19-أبريل-2019

الرايات الأمازيغية جنبًا إلى جنب مع العلم الوطني في الحراك الشعبي (Getty)

على بعد 20 كم من مدينة تيزي وزو، تقع دائرة بني دوالة، وهي مجموعة قرى متناثرة على سفوح جبال جرجرة. هذه القرى، ورغم هدوئها، إلا أنها كانت قبل 18 سنة مهدًا لانطلاق أحداث مأساوية عمّت جميع منطقة القبائل

لا تزال دائرة بني دوالة شاهدة على دموع الأمهات وآهات الجدات ونضالات الآباء والأبناء في ربيع 2001 الأسود

تلك القرى لا تزال شاهدة على دموع الأمهات وآهات الجدّات ونضالات الآباء والأبناء. لقد كان ربيع عام 2001 مختلفًا عن سابقه، فاختفت أزهار البابونج وشقائق النعمان عن الحقول والتلال، وحلت مكانها ألسنة النار والدخان.

اقرأ/ي أيضًا: الأمازيغية في الجزائر.. من جحيم النضال إلى جنة الدستور

البداية من 1980

في العاشر من شهر آذار/مارس لعام 1980، كانت جامعة تيزي وزو، تستعد لاحتضان محاضرة حول الشعر الأمازيغي يلقيها الدكتور مولود معمري، والذي تحمل ذات الجامعة اسمه الآن.

كان معمري من أبرز المناضلين عن الهوية والثقافة الأمازيغية. كل شي كان على ما يرام حتى نزل خبر منع السلطات الجزائرية آنذاك إقامة تلك المحاضرة دون سبب واضح، وهو ما رأى فيه الجميع رفضًا قاطعًا من السلطات لكل نشاط له علاقة بترقية اللغة الأمازيغية.

مظاهرات 1980
من مظاهرات عام 1980

 تتأججت على إثر ذلك نار الاحتجاجات، وتوسعت لتشمل تيزي وزو وبجاية والبويرة ومناطق من العاصمة، كمّا شلّ إضرابٌ عامٌ منطقة القبائل، في صورة تضامنية لسكان المنطقة مع مولود معمري، وكذا من أجل أن يظهرو للنظام آنذاك أن ترقية اللغة الأمازيغية، هو مطلب أصيل ولا رجعة فيه.

وفي يوم 20 نيسان/أبريل من ذات العام داهمت قوات الأمن الحرم الجامعي بمدينة تيزي وزو وقامت باعتقال العشرات من الطلبة والنشطاء السياسيين الذين كانوا معتصمين داخل الجامعة.

المحامي والناشط الحقوقي مقران آيت العربي، كان ضمن مجموعة الشباب اللذين تم اعتقالهم في الـ20 من نيسان/أبريل. يقول في حديث لـ"الترا جزائر"، إن ما حدث ذلك اليوم "انطلق من مطالب ثقافية وهوياتية لتتحول لمطالب سياسية بعد تعنت النظام".

يرى آيت العربي من موقعه كشاهد وفاعل، أن الجزائريين "حطموا جدار الخوف ذلك اليوم"، وقد بدأت اللقاءات والمحاضرات تنتشر في مختلف المناطق، "مما شكل ديناميكية مجتمعية"، كما يقول. وهناك ظهر شعار "نعيا ذي الباطل" والذي يعني "ضقنا ذرعًا من الظلم".

ما حدث ذلك اليوم كان بداية لحراك سياسي متواصل ستشهده الجزائر، ولم تكن نتائجه مقتصرة على منطقة القبائل فقط، بل كان منطلقًا للنضال حول الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية، وكذا التحرر من رداء الحزب الواحد الذي حكم الجزائر منذ الاستقلال. لقد كانت أحداث 20 نيسان/أبريل 1980، أول انتفاضة شعبية سلمية ضد نظام ما بعد الاستقلال.

ربيع 2001.. دماء زهر الوزّال

كل شيء بدأ في 18 نيسان/أبريل 2001، في الذكرى الـ21 للربيع الأمازيغي، الذي ألفت قرى منطقة القبائل أن تحييه تخليدًا لنضال العديد من أبنائها، حتى قامت مجموعة من الدركيين من مفرزة الدرك الوطني، ببني دوالة، باعتقال مجموعة من الشباب كانوا يحضّرون لإحياء مناسبة الربيع الأمازيغي.

ضحايا أحداث 2001
صور لبعض ضحايا أحداث 2001

 لم يكن أحد يتصور أن تحدث الكارثة ذلك اليوم، ويمتزج اللون الأصفر لنبتة الوزّال التي أخذت منها مدينة تيزي وزو اسمها، باللون الأحمر لدم الشاب ماسينسا قرماح، الذي كان ضمن مجموعة الطلبة المعتقلين، ليلقى حتفه في نهاية تراجيدية بطلقة من رشّاش أحد الدركيين، لتكون تلك هي شرارة انطلاق أحداث مأساوية عاشتها منطقة القبائل، وراح ضحيتها 126 شابًا في مقتبل العمر.

قيادة الدرك الوطني آنذاك، وعوض فتح تحقيق ومعاقبة الجاني، أصدرت بيانًا زاد تأجيج الوضع، لمّا وصفت فيه الشاب ماسينسا قرماح بـ"المنحرف"، وادعت بما يخالف الحقيقة، أنه يبلغ من العمر 26 عامًا.

بعد ذلك نشرّت بعض الصحف الحرّة كشف نقاط مدرسي لماسينيسا، واتضح للجميع أن مفرزة الدرك الوطني ببني دوالة أزهقت روح شاب في الـ18 من عمره دون وجه حقّ. وللآن لا تزال عائلة قرماح تنتظر ردّ الاعتبار لابنها ومعاقبة المتسبب المباشر في قتله.

وفي سياق حديثه لـ"الترا جزائر"، عرّج مقران آيت العربي على مأساة 2001، بالقول: "دماء هؤلاء الشباب يتحملها النظام الجزائري لوحده. لقد كان من المهين أن يسافر رئيس الجمهورية آنذاك ليشارك في ملتقى دولي حول مرض السيدا، وأرواح شباب أبرياء تزهق في أرضه من دون وجه حق".

ذاكرة ضد النسيان

يرى العيدي محمد رضا، وهو ناشط سياسي في الـ28 من عمره، أن الرسالة التي يحملها يوم 20 نيسان/أبريل "لم تنقطع أبدًا"، مضيفًا: "بل زاد نبضها وترسخت مع مرور الوقت".

يرى نشطاء أن الحراك الشعبي امتداد لأحداث الربيع الأمازيغي

وقال العيدي محمد رضا لـ"الترا جزائر": "تشهد منطقة القبائل احتفالات ذات بعد ثقافي لتخليد الذكرى، ويسهر على ذلك شباب جامعيون وناشطون جمعويون. لقد كان الربيع الأمازيغي معيارًا للسلمية والوعي، لم يكن أبدًا نضالًا من أجل منطقة معينة أو ثقافة بذاتها، بل كان نضالًا من أجل جزائر تسع الجميع".

لم يولد حراك 22 شباط/فبراير من العدم، بل كان نتيجة حتمية لتراكم نضالات بدأت منذ عام 1980 ثم في نيسان/أبريل 2001

ويربط العيدي أحداث الربيع الأمازيغي بالوضع الحالي للجزائر، قائلًا: "حراك 22 شباط/فبراير لم يولد من العدم، بل كان نتيجة حتمية لتراكم نضالات بدأت منذ عام 1980، وتتواصل لحد الآن من أجل جزائر الحريات وجزائر التعدد، ومن أجل جزائر تحترم حقوق الإنسان وتكفل حق الممارسة السياسية من دون ضغط ولا تضييق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تقر رأس السنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا.. نهاية الجدل؟

الخريطة اللغوية في الجزائر