15-ديسمبر-2019

على الحراك أن يجيب على أسئلة الأولويات ما بعد الرئاسيات (Getty)

أطلق الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون، دعوة لحوار مفتوح مع مكوّنات الحراك الشعبي، للخروج من الأزمة التي تمرّ بها البلاد، لكن الرهان الحقيقي للرئيس تبون، يتعلّق بمسألتين مهمّتين يراهما كثيرون مسائل "استعجالية"؛ وهما أوّلًا إقناع المنتفضين في الشارع بأهميّة الحوار وتفويض محاورين من عمق الحراك الشعبي للجلوس على طاولة النقاش مع الرئاسة، وثانيًا إصدار جملة من القرارات التي يجب على الرئيس أن يُخمد بها غليان الشارع المستمرّ منذ ثورة الـ 22 شباط/فيفري الماضي.

في الجمعة الـ 43، كان زخم الحراك أقوى على خلفية العملية الانتخابية يوم الخميس

غليان في الشارع

زمنيًا، يُغلِق الشارع الجزائري شهره العاشر في الشارع محتجًا ومنتفضًا على حكومة تصريف الأعمال التي وُلدت في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويتسع هذا الرفض الشعبي فور إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، والتي لم تكن في نظر الحراكيين سوى خطوة أخرى في مسار السلطة الفعلية في تنصيب رئيس عبر انتخابات تُشرف عليها السلطة العليا المستقلة، وإعفاء الإدارة من تفاصيل العملية الانتخابية، وبداية حلقة أخرى من حلقات ممارسة النظام.

اقرأ/ي أيضًا: تبون في أوّل ظهور له: مشتاقٌ لزيارة منطقة القبائل

في الجمعة الـ 43، كان زخم الحراك أقوى على خلفية العملية الانتخابية يوم الخميس، ونتائجها أيضًا، وحدثت انزلاقات خطيرة في عدّة مدن في غرب البلاد مثل ولاية وهران وسيدي بلعباس وعين تيموشنت، وسُجلت اعتداءات على المتظاهرين، غير أنها في الكفة الأخرى، نظرت بعين الترقّب لتصريحات الوافد الجديد لقصر الرئاسة، في أوّل ندوة صحفية عقب إعلان فوزه واعتلائه عرش الرئاسة الجزائرية كثامن رئيس للجزائر.

البعض قرأ تصريحات الرئيس تبون أنها "منطقية"، داعيًا النشطاء في الحراك إلى الذهاب نحو الحوار، بحسب المحلّل السياسي ياسين عمران في تصريح لـ"الترا جزائر"، قائلًا إنه يعتقد أن أكبر خطأ ارتكبه الناشطون في الحراك الشعبي، هو عدم تأطيرهم وهيكلتهم، معلّلا ذلك بالقول إن "الشارع هو وسيلة للضغط على السلطة وليس وسيلة للتغيير".

من جانب آخر، يرفض عمران أن يبقى النشطاء في الشارع فقط دون المرور إلى خطوات أخرى "ثابتة"، تعبّر عن مطالب أطياف واسعة من مكوّنات المجتمع الجزائري، مقترحًا أن يتهيكلوا في تنظيمات لمحاورة السلطة أولًا والمشاركة ميدانيًا في الفعل السياسي والوصول إلى التغيير المنشود.

كما عرج المتحدّث بالقول، إنه وجب الاعتراف بأن "قيادة الجيش الحالية مختلفة عن سابقتها، فهي حكيمة ورزينة وحافظت على دماء الجزائريين، على خلاف الأنظمة الديكتاتورية التي تدفع بأيّ شيء من أجل البقاء"، وهو ما لم يحدث في الجزائر من قبل.

إقناع الشعب

يتّفق كثيرون من نشطاء الحراك، على أن الرهان الحالي عقب أيام من انتخاب الرئيس الجديد، وقبل استلامه مقاليد الحكم دستوريًا، هو إقناع الشعب الرافض للمسار الانتخابي برمّته، بأهميّة الحوار وتعيين أسماء تنوب عن المحتجّين والغاضبين للجلوس على طاولة الحوار والنقاش، إذ أكّد الناشط الحقوقي محمد بوكلوز من ولاية باتنة، على أن تجديد النظام لا يتمّ بـ"عصا موسى السحرية" كما قال، مشدّدًا على أن العملية تحتاج إلى وعي وتريّثٍ وتفاوض لأنّ القضاء على نظام متجذّر لنصف قرن، لا يتمّ في سنة واحدة أو سنتين أو حتى خمس سنوات، بحسب السياق الجزائري والتنوّع الثقافي واللغوي في البلاد، كما أوضح في حديثه لـ" الترا جزائر"، أن "كل تجارب الانتقال الديمقراطي مرّت على عدّة مراحل صغيرة للانتقال في مسار التحوّل السياسي ثم التحوّل الديمقراطي".

ويضيف الناشط الحقوقي أن الجزائر ما بعد 12 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، تشهد خطوة نحو التغيير بطريقة ما، حتى وإن لم تعترف كتلة كبيرة بذلك، إلا أنها الآن واقع يجب التعامل معه، ما دام النشطاء أثبتوا في غالبية مسيراتهم حسن النوايا وسلمية الطريقة والمنهج، مواصلًا أنّه لا توجد تجربة ناجحة نحو هذا التحوّل دون حسابات الرّبح والخسارة، متسائلًا ماذا سيخسر الحراك لو قبِل الحوار دون التفريط في مطالبه الأساسية؟

أولويات اللحظة

حول هذا السؤال الجوهري، يقول الإعلامي الهادي بن حملة، إن أهمّ الخطوات لتعزيز فكرة الحوار مع مكوّنات الحراك والناشطين وتهدئة الشارع الثائر، تتمحور حول ثلاث أولويات حسبه، أولى الأولويات هي تعزيز الثقة بين السلطة الحالية والشارع عن طريق إطلاق معتقلي الرأي وذهاب كل الطاقم الحكومي في حكومة تصريف الأعمال التي سطت على كل المهام، بالإضافة إلى مواصلة التحقيقات القضائية واسترجاع أموال الشّعب المنهوبة، وهذه الأوليات حسبه، الهدف منها امتصاص الغضب الشعبي أولًا، ثم فتح صفحة جديدة ثانيًا.

الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر لا يحتمل المزيد من التأخير ويستوجب إصلاحات على جميع الأصعدة

اللافت أن عشرات المقترحات عرضها ناشطون ومتابعون للشأن السياسي العام في الجزائر، عقب أجوبة الرئيس تبون خلال الندوة الصحافية التي توّجت فوزه في الرئاسة، تحتاج فعلًا لقرارات حاسمة، فالوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يحتمل تأخير إيجاد الحلول التي ما زالت بعيدة المنال في رأي البعض، لكن البعض الآخر يرونها على بعد خطوة إن كانت هناك إرادة فعلية للسلطة الجزائرية في تهدئة النفوس والشارع قبل بداية العام الجديد، وبدء ورشات الإصلاحات السياسية التي وعد بها تبون في حملته الانتخابية وعقب إعلان فوزه، علاوة على خطّة مواجهته التحديّات الكبرى والتركة الثقيلة التي تنتظر الوافد الجديد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد المجيد تبون: لم أتحالف مع بن فليس ضدّ أيّ مرشّح آخر

مُرشح السلطة.. حرب بين المترشحين عبد المجيد تبون وعز الدين ميهوبي