21-فبراير-2020

ساحة موريس أودان بالعاصمة (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

مرّ عامٌ على انطلاق الحراك الشعبي في الـ 22 شباط/ فبراير من العام الماضي، وهو لا يزال يفرز الكثير من الأحداث بعد مخاض عسير، نحو ميلاد عهد جديد للبلاد، حيث لا نغادر ساعة إلا وأطلعتنا الساعة الموالية بحدث أو موقفٍ أو مشهدًا من مشاهد الصراع بين أجنحة السلطة، وهي تجليّات كلها تبين أن ما يحدث ليس اعتباطيًا.

هل نقبل أن تظلّ الجزائر رهينة مساومات خارجية بسبب ضعف السلطة لانعدام شرعيتها؟

في الجمعة الماضية، قاد الشارع الجزائري مسيرة حافظ فيها على أهمّ مكسب للشعب، وهو القدرة على القيام بثورة مستمرّة ذات نفس طويل، في ظلّ سلمية وحضارية لم تعرفها شعوب أخرى سبقتنا إلى الممارسة الديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: نشطاء يقرّرون عقد مؤتمرٍ جامع للحراك الشعبي في ذكراه الأولى

يدور الحوْل إذن، على هبّة جزائرية شملت كل أنحاء البلاد، انطلقت من رحم نقمة شعبية على وضع سياسيٍّ مزرٍ، ومشهدٍ مّس كرامة أغلب الجزائريين، واستفزهم في كيانهم كشعب، وجعلته يطرح عدّة تساؤلات جوهرية: هل نحن حقًا شعب يستحق الحياة، إذا قبلنا بأن تُفرض علينا ولاية خامسة لرئيس مريض مقعد، لا يكاد يدرك ما يحدث حوله؟ وهل نرضى أن تواصل العصب المحيطة بالرئيس المريض، السيطرة على مقاليد الحكم، ومناطق النفوذ وتستمر في نهب أموال البلد؟

هل نقبل أن تظلّ الجزائر رهينة مساومات خارجية بسبب ضعف السلطة لانعدام شرعيتها؟ وهل يحقّ لنا ألا نحرّك ساكنًا؟ عندما نرى دوائر سياسية ومالية من محيط الرئيس المريض، وهي تعلن في احتفالية مبايعتها لصورته على مرأى ومسمع العالم؟

هذه التساؤلات المستفزّة وأخرى، أخرجت الشعب الجزائري من صمته وأيقظته من سباته، وأحيته بعد ركودٍ طويل، معلنًا طلاقه جهارًا مع نظام الحكم في الـ 22 شباط/ فيفري العام الماضي.

هذه هي قصّة ميلاد الحراك الشعبي في الجزائر. حراكٌ لم يقم صدفة، وإنّما كان نتيجة تراكم سنوات من العمل والنشاط الميداني، قام به نشطاء من الشباب، وتعرّضوا في سبيله لشتى أنواع القمع من نفي واعتقال. نتذكر مجموعة "بركات" في سنة 2014، وشباب ورقلة البطال الذي ناضل من أجل الحقّ في العمل وتوزيع العادل للمناصب الشغل، وسكان عين صالح ضدّ الغاز الصخري، دون نسيان إضراب متعاقدي قطاع التربية، والحركة الاحتجاجية لطلبة الطبّ عبر ربوع الوطن.

لم يكن حراك 22 شبّاط/فيفري ثورة خبز؛ بل كان ولا يزال ثورة سياسية بامتياز، ثورةٌ هدفها الأساسي والجوهري افتكاك السيادة الشعبية الكاملة في اختيار قادة البلد ونخبه السياسية التمثيلية وفي القرار السياسي في جميع المجالات، من عصب عاثت في الأرض فسادًا ونهبًا، وكادت أن تحول البلد إلى أرض مستباحة.

لم يكن الحراك الشعبي ثورة طائفة، أو قبيلة، أو جهة أو تيّارٍ سياسيٍّ بعينه يريد الانقلاب على الحاكم، والحلول مكانه، فحرّك الجماهير لتؤيّده؛ وإنما كان صرخة من أجل الكرامة، لم تختلف في شرعيتها الفئات والجهات والأيديولوجيات، في بلد قلّ أن تجد فيه الإجماع على فكرة واحدة، لدى أغلب فئات الشعب وجميع شرائح المجتمع.

هذه هي حقيقة الحراك الشعبي في الجزائر، وما دون ذلك محاولات لتصريفه عن مبادئه وأهدافه

هذه هي حقيقة الحراك الشعبي في الجزائر، وما دون ذلك محاولات لتصريفه عن مبادئه وأهدافه، والزيغ به عن طريقه التي رسمها منذ بدايته، من أجل التخلّص نهائيًا من المنظومة الحاكمة وبقاياها، تحت شعار هو الأكثر تداولًا بين أهل الحراك، وهو شعار "يتنحاو قاع".     

 

اقرأ/ي أيضًا:

 المؤسّسة العسكرية والحراك الجزائري.. من استفاد من الآخر؟

تبون يفعّل لقاءات مع شخصيات نادى بها الحراك الشعبي