رغم الوعود السياسية التي قدّمها الرئيس عبد المجيد تبّون للجزائريين وإعلانه مدّ يده للحوار مع الحراك، فإنّ المظاهرات التي أعقبت انتخابه في الجمعة الـ 43 والـ 44 من الحراك الشعبي، أظهرت رفض الشارع الإقرار بشرعية الرئيس الجديد.
يرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن الرئيس تبّون سيواجه مزيدًا من الضغط على الصعيد الشعبي والسياسي
بين التصريحات والواقع
يبدو أن الرئيس الجزائري، يُدرك جيّدًا مطالب الشارع الجزائري، ولذلك لم يفوّت الفرصة حتى وهو في غمرة تنصيبه رئيسًا ثامنًا للجمهورية الجزائرية، أن يغازل الحراك الشعبي ويحاول استدراجه للحوار، حيث جدّد دعوته المكوّنات السياسية والمدنية للحوار، في خطوة قرأها البعض أنّها محاولة منه لإحداث انقسام في الشارع.
اقرأ/ي أيضًا: تهمة واحدة وأحكام قضائية متباينة.. معتقلو الرأي بين البراءة والحبس
وجاء في خطاب تبون "أجدّد التزامي بمدّ يدي للجميع للحوار في إطار التوافق الوطني وقوانين الجمهورية"، موضحًا أنه "يتعيّن علينا أن نطوي صفحة الخلافات والتنازع، نحن جميعًا جزائريون وليس فينا من هو أكثر جزائرية من الآخر على الآخر، عدا ما يقدّمه كل منا للجزائر"، وقال الرئيس تبون "لا خيار لنا إلا وضع اليد في اليد".
يدخل الحراك الشعبي شهره العاشر، إلا أنّ كل المؤشّرات توحي بأن الحراك سيستمرّ أكثر في قادم الأيّام رغم تواصل الاعتقالات ومحاصرة الشوارع وانتشار قوّات الأمن، وتبريرات السلطة التي تبدو لدى المواطن ومكوّنات المجتمع المدني والسياسي "غير منطقية" موازاةً مع مشروعية حقّ التظاهر ودستورية حرّية التعبير.
يرى متابعون للشأن السياسي الجزائري أن الرئيس تبّون سيواجه مزيدًا من الضغط على الصعيد الشعبي والسياسي، لدفعه إلى إقرار تدابير تهدئة أولًا، وخطة سياسية للإصلاح السياسي ثانيًا.
من جهته، رافع المتابع للشأن السياسي الباحث في العلوم السياسية السعيد عمروش، على ضرورة اتخاذ تدابير قويّة وعليا من صلب الوعود المتكرّرة للرئيس الجزائري، موضحًا أن الرئيس تبون في أوّل خرجة إعلامية له عقب انتخابه بسويعات، أكّد أنه يعترف بالحراك الشعبي وبمطالبه، ومستعد على أن ينفذ تلك المطالب على طاولة الحوار، مضيفًا في حديث لـ"الترا جزائر" أنّه "من غير المعقول أن تترك الساحة السياسية في مثل هذا الاحتقان الذي يزيد من الهوّة بين الشعب والسلطة اتساعًا".
من يحاور من؟
المسيرات لم تتوقّف بمجرّد إطلاق الوعود من أعلى هرم الدولة الجزائرية، إذ باتت اليوم الجزائر تترنّح بين وعود الحوار وحلحلة الأزمة وبين العملية التفاوضية في حدّ ذاتها، إذ تطرح العديد من الحساسيات السياسية في الجزائر سؤالًا جوهريًا مفاده: من يحاور من؟
في هذا السياق، يعتقد البعض أن الحوار هو المرحلة الثانية التي تأتي بعد اتخاذ قرارات أو تدابير تهيئة الأجواء، وتنظيف الفضاء السياسي من "سياسة التخوين"، إذ يتّفق الناشط الحقوقي من ولاية سكيكدة رشيد هبّاز مع الدّاعين إلى أهميّة اتخاذ قرارات أو تدابير استعجالية بحسب تعبيره لـ "الترا جزائر"، إن كانت هناك نيّة حقيقية من السلطة الحالية من أجل إيجاد مخرجٍ أوّلي للأزمة السياسية، مضيفًا أن "غليان الشارع من شأنه أن يعمّق حالة اللاثقة بين هرم السلطة وقاعدتها، فأين الحلّ إذا؟" يتساءل المتحدّث.
الحوار بالنسبة لنشطاء الحراك عبارة عن سحب البساط من المطالب الشعبية في الشارع، المُطالب أولًا بإطلاق سراح الناشطين المعتقلين والسماح بالتظاهر رغم البدأ في إجراءات إطلاق بعض معتقلي الرأي، وهو أحد شروط التهدئة التي يطالب بها الحراك، أو ما يُسمّى بـ"إعطاء فسحة الأمان للناشطين وللجزائريين لتنطلق بعدها المفاوضات؛ لأنّ مطالب الشعب واضحة ولا تحتاج إلى حوار وإنّما للتفاوض على كيفية تغيير نظام الحكم و اكتسابها الشرعية" يقول الناشط محمد تلمساني في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتًا إلى أن "استمرار بعض الاعتقالات التي مسّت ناشطين وفنانين من بينهم الممثل عبد القادر جريو، والتدابير الأمنية على العاصمة ووهران الجمعة الماضية وقمع المتظاهرين في منطقة تيارت، كانت بمثابة صبّ الزيت على النار. كلّ ذلك من شأنه أن يفتح الباب لاستمرار الرفض الشعبي للرئيس الجديد وعودة الحراك إلى شعارات طلب رحيل وتغيير النظام"، حسب تعبيره.
مساعي الأحزاب السياسية
في مقابل ذلك، هناك مساعٍ قاعدية لقوى ونشطاء المعارضة السياسية والمدنية لعقد لقاءات تشاورية، تؤكّد أن الرئيس الجديد بصدد مواجهة تطوّرٍ في الموقف لدى مكوّنات الحراك الشعبي، يقول الناشط عميروش، مضيفًا في حديثه لـ"الترا جزائر" أن "ليونة الموقف الحزبي حيال دعوة الرئيس تبون، يدّل على اعتراف ضمني به كسلطة تنفيذية، رغم الغضب الشعبي على العملية الانتخابية برمتها".
على الأرض، يتوقّع البعض أن يتجاوز الحراك الشعبي مسيرات الجمعة والثلاثاء إلى احتجاجات فئوية، خاصة بعد إطلاق بعض معتقلي الرأي، حيث أطلقت السلطة سراح 13 شخصًا من معتقلي الرأي كانوا يقبعون في سجن الحراش بالعاصمة بتهمة حمل الراية الأمازيغية، لا سيما وأن معظم المشكلات الاجتماعية ما تزال عالقة، وخصوصًا مشكلة السكن، التي تؤجّج الوضع الاجتماعي وتحرك المواطنين في احتجاجات عبر مختلف البلديات، حتى قبل الـ22 شباط/ فيفري الماضي. هنا يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي نور الدين بن حمودة لـ"الترا جزائر "أن مشاكل الجزائر لن تتوقّف في المعضلة السياسية التي ظلّت لعشرة أشهر تراوح مكانها رغم المبادرات السياسية من مختلف الشخصيات والأحزاب وحتى السلطة، موضحًا أن تعهدات الرئيس بـ "جزائر لا يظلم فيها أحد"، من شأنها أن تزيد من شحنة الغضب الشعبي في شتّى المجالات والقطاعات والفئات.
تبدو تعهدات الرئيس تبون بحاجة إلى وقت أكبر لتحقيقها في ظلّ ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة
أمام الوضع السياسي الموسوم بالغليان خلال سنة 2019، تبدو تعهدات الرئيس تبون بحاجة إلى وقت أكبر لتحقيقها في ظلّ ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة، وهو ما يوفّر للحراك مبرّرات موضوعية للاستمرار في الحالة المطلبية إلى غاية التوافق على صيغ تُرضي جميع الأطراف وتفكيك خيوط الأزمة المعقّدة.
اقرأ/ي أيضًا:
معتقلو الرأي في الجزائر.. القضاء في وضع مُحرج
البراءة لخمسة معتقلين بسبب الراية الأمازيغية