06-أكتوبر-2021

الرئيس الفرنسي إيمانوي ماكرون (أ.ف.ب)

خلال أسبوع واحد، أجّجت تصريحات وإجراءات فرنسية خلافات قويّة بين الجزائر وفرنسا، وكانت البداية عقب إعادة الاعتبار للحركى (جنود جزائريون حاربوا ضدّ بلدهم) من طرف الدولة الفرنسية، تلاها قرار باريس بتشديد إجراء منح التأشيرات للجزائريين.
حسان قسيمي: باريس ليست مخولة لإعطاء دورس في الديمقراطية فهي كانت وراء مساندة العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة
بعدها، نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تصريحات منسوبة للرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون، قال فيها إن النظام السياسي والعسكري في الجزائر أنهكه الحراك، وتحدّث ماكرون عن كتابة تاريخ باللغة العربية لمواجهة ما وصفها "التضليل والدعاية" التي يقودها الأتراك، ومحاولة مقارنة التواجد العثماني والاستيطان الفرنسي.
وأضاف الرئيس الفرنسي، أن تاريخ الجزائر الرسمي يُركز على خطاب كراهية فرنسا، مشكّكًا في الوقت نفسه، في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، من خلال سؤاله: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟". 
الردّ الجزائري واكب التحرّكات الأخيرة لقصر الإليزيه، فبعد قرار تقليص منح التأشيرات بالنسبة 50 في المئة في حقّ مواطني المغرب وتونس والجزائر، استدعت وزارة الخارجية سفير فرنسا بالجزائر لإخطاره باعتراض الجزائر على قرار باريس.
وعقب تصريحات ماكرون، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا أعربت فيه عن رفضها رفضًا قاطعًا التدخّل في شؤونها الداخلية، وتابع البيان أن رئيس الجمهورية قام بالاستدعاء الفوري لسفير الجزائر في فرنسا، كما أكّدت فرنسا من جهتها حظر تحليق طائراتها العسكرية في أجواء الجزائر نحو دول الساحل دون تلقيها أيّ إخطار يذكر.
خطاب مزدوج 
في هذا السياق، وتعقيبًا على تصريحات ماكرون، قال حسان قاسيمي، المحلل السياسي والخبير في الشأن الدولي في حديث لـ "التر جزائر"، إن ماكرون يحمل خطابًا مزدوجًا، إذ يعلن تارة أنه ينتمي إلى جيل جديد غير مرتبط بالجدل التاريخي المرتبط بالثورة الجزائرية، بينما يعترف ضمنيًا أن ضمن حَمَلة الإرث الكولونيالي الفرنسي.
وأضاف المتحدّث، أن خرجة ماكرون أمام أحفاد الحركى هي محاولة لإعادة كتابة التاريخ، حيث تحول فيها الجلاد إلى ضحيّة والضحية إلى جلادـ، موضّحًا أن مشكلة فرنسا تتمثّل في أنها "لا تريد كتابة التاريخ الاستعماري والكولونيالي، لأنها لا تريد التوبة والاعتراف بجرائم ضد الإنسانية".
الاستيطان الفرنسي، بحسب قاسيمي، كان على حساب استئصال الأمة الجزائرية، "وبدل محاولة إنكار وجود أمة جزائرية، كان على ماكرون الإقرار بجرائم فرنسا ضد الإنسانية وفي حق الشعب الجزائري".
"المجتمع الجزائري إلى التقتيل الجماعي، والترحيل القسري إلى المحتشدات، وهي لا تقل وحشية من محتشدات النازية"، يضيف المتحدّث.
هنا، يرى قاسيمي أنّ ماكرون يحاول استرجاع الإرث الكولونيالي من اليمين الوسط واليمين المتطرف، "حتى المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا رُسمت له خطوط حمراء بشأن تقريره حول مصالحة الذاكرة، التي لن تتجاوز الاعتراف بالإبادة الجماعية في حقّ الشعب الجزائري".
فرنسا ودروس الديمقراطية
وبخصوص تصريحات ماكرون عن طبيعة النظام جزائري، قال قاسيمي إن باريس ليست مخولة لإعطاء دورس في الديمقراطية والشفافية، معتبرًا أن باريس كانت وراء مساندة العهدة الرابعة والخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
يعتبر محدّث "الترا جزائر"، أن النظام البوتفليقي ساندته أطراف فرنسية مقابل امتيازات ومصالح اقتصادية، واعتبر أن الإبقاء على النظام البوتفليقي كان أحد الرهانات التي حاولت فرنسا التمسك بها.
من جهته، قال رضا شنوف، الإعلامي والمحلل المختص في الشأن الدولي، إن تصريحات ماكرون تأتي في سياق خطوات سابقة تبنتها فرنسا الرسمية اتجاه الجزائر.
هذه الخطوات، يذكر منها المتحدّث، تكريم الحركى وموضوع تقليص التأشيرات، وتصريحات استفزازية أخرى.
يكشف محدث "التر جزائر"، أن الوضع الدبلوماسي بين البلدين متأزم؛ خصوصًا بعد قيام الجزائر باستدعاء سفيرها لدى باريس وغلق المجال الجوي. ويعتقد شنوف أن التصريحات أمام أحفاد الحركى لم تكن اعتباطية، بل مدروسة وموجّهة بالأساس إلى السلطات الجزائرية.
أمّا عن خلفيات تصريحات ماكرون، فيرى المختص في الشأن الدولي، أن الرئيس الفرنسي له حسابات انتخابية والكفة لا تميل إليه. وهو يريد أن يستميل أصوات الناخبين من اليمين المتطرف.
هنا، يعلّق قائلًا: "تصريحات ماكرون المستفزة ما هي إلا نتيجة فشل في إدارة ملف الذاكرة التي تم على حساب الآخر، إضافة إلى خسارة فرنسا موقعها الاقتصادي في الجزائر".
"ماكرون يقتحم المعركتين الانتخابية والسياسية مهزومًا بعد الخسارة المذلة لصفقة الغواصات، وتراجع مكانة فرنسا في مالي لصالح روسيا"، يستدرك رضا شنوف.
الصراع اليوم في العالم، بحسب المتحدّث، قائم على القدرة التنافسية في الأسواق الدولية والتموقع الاقتصادي والتكتلات الاقتصادية، والأحداث الأخيرة كشفت عن تراجع مكانة فرنسا أمام تركيا والصين والولايات المتحدة.
 يبقى استدعاء التاريخ الاستعماري المضخّم شكل من أشكال إعادة الاعتبار النفسي والسياسي للقادة الفرنسيين
 ختامًا، وفي ظلّ تراجع الدور الفرنسي أوروبيًا ودوليًا لصالح قوى صاعدة أكثر برغماتية، يبقى استدعاء التاريخ الاستعماري المضخّم شكل من أشكال إعادة الاعتبار النفسي والسياسي للقادة الفرنسيين، حيث يبدو أن العقل الفرنسي الاستراتيجي تعطل عن التفكير وبات يطرق ماضٍ أسود ليمر إلى مستقبل غامض.