13-سبتمبر-2020

احتجاجات أمام مبنى التلفزيون العمومي (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

نصّت مسودّة الدّستور المطروحة للنّقاش في الجزائر، على جملة من البنود المتعلقة بالحرّيات وحرية الصّحافة، وإلزام السلطات والهيئات العمومية باحترام الأحكام الدستورية ذات الصّلة بالحقوق الأساسية والحرّيات العامّة.

السّلطة ظلّت تتحكّم في الفضاءات العامّة أمام أية إمكانية للتّظاهر أو التجمّع

النصوص والتقييد

ويشدّد النصّ على إقرار مبدأ التصريح لممارسة حرّية الاجتماع والتظاهر، بعدما كانت هذه الحريات مقيدة بالترخيص الإداري، إذ ظلّ التّظاهُر في الجزائر ممنوعًا في العاصمة الجزائرية منذ حزيران/جوان 2001، ولم يسترجع الجزائريون هذا الحقّ إلا بشكلٍ جماعيٍّ وعفوي خلال مظاهرات 22 شبّاط/فيفري 2019، وتكرّس مع استمرار مظاهرات الحراك الشعبي لسنة كاملة، كما أقرّ مبدأ التصريح لإنشاء الجمعيات ومبدأ عدم حلّها إلا بقرار قضائي، بعدما كان إنشاء الجمعيات مقيّدًا بالاعتماد الإداري.

اقرأ/ي أيضًا: بلحيمر: قانون الصحافة الإلكترونية يُمكّن المواقع من تفادي اللهث وراء الأموال

وتضمّن الدستور أيضًا موجبات أخرى تكرّس الحرّيات الفردية والجماعية، وتحدّ نظريًا من سلطة الإدارة، كعدم تقييد الحقوق الأساسية والحرّيات العامة إلا بموجب قانون ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام، أو حماية حقوق وحرّيات أخرى يكرّسها الدستور، والحقّ في التعويض عن التوقيف والحبس المؤقّت الذي تعتمده السلطة القضائية بشكلٍ مبالغ فيه، وكذا حماية الأشخاص الطبيعية عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وحماية ممارسة العبادات دون تمييز في سياق تكريس الحرّيات الدينية في البلاد.

 وعلى غرار الدساتير السابقة، يُبقي الدستور المقترح للاستفتاء الشعبي المقرّر في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، على دسترة حرّية الصحافة بكلّ أشكالها ومنع الرّقابة القبلية عليها، وكذلك حرّية إنشاء الصحف أيضًا.

لكن مجمل هذه الحقوق والحرّيات الموسعة نظريًا، تُبقي على مخاوف العديد من المهنيين، من إمكانية تقييدها في القوانين العضوية والمنظِّمة لهذه الحرّيات، ففي قراءة قانونية، تقول المحامية نور الهدى غيشي، لـ "الترا جزائر" إن الإشكال كلّه يتمحور في تلك القوانين، حيث شهدت الجزائر منذ تسعينيات القرن الماضي، على عدة تغييرات بخصوص حماية حرّية الصحافة، لكنها "بقيت حبرًا على ورق مقارنة بالممارسات".

مسافة فارقة

بالعودة لما كان حاصلًا في البلاد خلال العقود الماضية، نصّت كل الدساتير على حرية الصحافة، الاّ أنّ وضعها وإنشائها واستقلالية المؤسّسة الإعلامية ظلّت مُقيّدة عَمليًا، يقول المختصّ في الإعلام والاتصال محمد سليم فردي لـ "الترا جزائر"، معترفًا أن هناك مسافة بين المواد المكتوبة في الدستور بخصوص نقطة الحرية الإعلامية وبين الميدان.

يوضّح المتحدّث أنّه "خلال ثلاثة عقود الماضية من فتح المجال الإعلامي أمام التعددية الإعلامية، كثيرًا ما حضرت الصحافة وكثيرًا ما غابت الحريّات التي نقوم بتدريسها في الجامعات، وفي التّطبيق الميداني بدأنا نستشعر مدى الفارق الكبير بين أن تكون القوانين المتاحة لممارسة ديمقراطية حرّية التعبير، وبين الممارسة الميدانية"، التي تصطدم حسب قوله، بواقع بيروقراطي يحتّم على الصحافي أن يتقدم خطوة ويتراجع خطوات في نقل الأحداث.

ميدانيًا، تطرح حرّية الصحافة الكثير من التساؤلات، رغم اعتراف السلطة السياسية في الجزائر بضرورة الانفتاح والنفاذ للمعلومات، لكنها منذ بدء الحراك الشعبي في الـ 22 شباط/ فيفري 2019، صارت الحرّيات تتقلّص أمام تنامي استعمال وسائل التكنولوجيا، فهناك ثنائية تعيق التقدّم في مجال الحريات عمومًا وحرّية الإعلام على وجه خاصّ، وهما: النّصوص القانونية التي تُحيل سلطة التقدير إلى الإدارة، أو بسبب غياب البيئة السياسية والمؤسسات الديمقراطية، التي تساعد على تكريس هذه الحرّيات وتحميها من تغوّل الإدارة، ويتّضح هذا من خلال ترتيب الجزائر في الصفوف الأخيرة دائمًا في التصنيف الدولي لحّرية الصحافة.

يطرحُ تراجع الحرّيات في الجزائر اليوم مشكلة تطبيق النصّ الدستوري، إذ ما ينطبق على حرية الصحافة ينطبق أيضًا على حرية التّظاهر والتجمّع، فإضافة الى العوامل والتّأثيرات المتعلّقة بالعشرية السوداء، فإن السّلطة ظلّت تتحكّم وتغلِق الفضاءات العامّة أمام أية إمكانية للتّظاهر أو التجمّع، بسبب مبرّرات أمنية وسياسية مختلفة، لم تكن ذات مصداقية واقعيًا، بدليل أنها كانت تتيح للمجموعات السياسية والمدنية الموالية لها التظاهر والتجمّع والاحتفال دون مضايقات.

رهان واستحقاق

بخصوص، المسودّة الدستورية الجديدة، أغلب الحقوق والحرّيات المتضمنة كانت موجودة ومتضمّنة في الدساتير منذ عام 1989، وهو ما يراه البعض من الصحافيين، في حديثهم لـ "الترا جزائر"، عبارة عن "إعادة تأسيس لهذه الحقوق والحرّيات" من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ الدستور لا يُقدّم الضمان القطعي بشأنها؛ لأنه يُحيل ذلك إلى القانون التنظيمي، غير أننا عبر تجربة الثلاثين سنة الماضية من التعددية الإعلامية، عَهِد الصحفيون ومهنيو القطاع في الجزائر أنّ "ما يمنحه الدستور يحدّه القانون ويحاصره".

الثّابت الوحيد في الدستور الذي يعرض للاستفتاء بعد أكثر من شهر ونصف من الآن، هو حريّة الصحافة المنصوص عليها في الدستور الحالي أيضًا، في مقابل غياب البيئة الديمقراطية في البلاد، وهو ما سهّل للسلطة الحدّ من هذه الحرية على سبيل المثال، والأمر نفسه  ينطبق على موضوع الجمعيات.

التغيير المنشود في الجزائر يرتبط برهان أساسي وهو مدى إتاحة ممارسة هذه الحرّيات على أرض الواقع

بغضّ النّظر عمّّا تطرحه المسودّة الدستورية من توسيع لهوامش الحرّيات العامّة وحقوق التنظيم، فإنّ التغيير المنشود في الجزائر، يرتبط برهان أساسي وهو مدى إتاحة ممارسة هذه الحرّيات على أرض الواقع في المستقبل القريب من جهة، ورصد مدى تكيف السّلطات والهيئات الإدارية والمؤسّسات ذات الصلة بإدارة الفضاء العام، مع هذا التّغيير والقابلية لإتاحة ممارستها دون عوائق بيروقراطية كالتي كانت في السّابق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صدمة بعد حبس بلعربي ووضع درارني تحت الرقابة القضائية

رفض طلب الإفراج عن خالد درارني