ثقافة وفنون

الحسناوي وفاظمة.. قصة حب لم يقتلها المنفى وخلدتها الأغاني

18 مايو 2025
الشيخ الحسناوي
الشيخ الحسناوي (تركيب: الترا جزائر)
بوبكر بلقاسم
بوبكر بلقاسمصحفي من الجزائر

"مثل فاظمة والحسناوي، هذا ما حدث لنا، أحبك وتحبينني، لكن والدك قال لا"، هذه الجُمل هي مطلع أغنية لفنان طابع الفولكور القبائلي مراد قرباص، تلك الأغنية التي لا تغيب عن أي عرس في منطقة القبائل في الجزائر، يتراقص الناس عند سماعها فهي أغنية باعثة للبهجة والفرح.

بعد أن تيقّن الشيخ الحسناوي بأن الزواج من حبيبته بات أمرًا مستحيلًا، جهّز حقيبته ليلًا، وغادر قريته مع أول رحلة نحو الجزائر العاصمة، وقد أقام في حي القصبة العتيق حيث تلقّى درسه الأول في الغربة والعيش بعيدًا عن أنفاس "فاظمة"

ولكن وراء كلماتها تتوارى قصة حزينة جدًا، قصة حب فاشلة جعلت عاشقًا يترك جبال "إحسناون" بمدينة تيزي وزو ويختار أقاصي جزيرة " ريونيون" في المحيط الهندي كمنفى قد ينسيه عشيقته "فاظمة".

منفى "فاظمة" 

قد لا تكون قصة الشيخ الحسناوي أشهر مغني الأغنية الشعبية القبائلية وحبيبته فاظمة، أشهر قصص الحب الأسطورية في الجزائر، لكنها وبلا شك، أقرب القصص إليّ كشخص اعتاد تلقي أغاني الحسناوي منذ الصغر، فقد كانت أغانيه تنبعث من مذياع أبي، ومن مقهى الحي وبقّال القرية الوحيد.

محمد خلوات، والذي اختار لمساره الفنّي اسمًا مغايرًا استمده من قريته الصغيرة "احسناون" ففضّل أن يمتع السامعين متخفيًا وراء اسم "الشيخ الحسناوي"، وقبل أن يرحل ترك لمتذوّقي موسيقى الشعبي أغاني بقيت محفورة في تاريخ الطرب الجزائري مثل "يا نجوم الليل"، و"ساني ساني" ورائعة "لا ميزون بلونش".

بعيدًا عن الحسناوي الفنان، هناك قصة كانت "محور دوران" حياته، أين تؤدي كل الطرق إلى الحزن، حيث يروي المقرّبون منه أنه غادر الجزائر ولم يعد إليها أبدًا بسبب قصة حب عاصفة، جمعته مع "فاطمة" أو "فاظمة" باللهجة القبائلية والتي لم يقبل أهلها تزويجها به لأنها كانت موعودة لشخص آخر منذ ولادتها وهو تقليد لازال ساري المفعول في بعض القرى.

بعد أن تيقّن الشيخ الحسناوي بأن الزواج من حبيبته بات أمرًا مستحيلًا، جهّز حقيبته ليلًا، وغادر قريته مع أول رحلة نحو الجزائر العاصمة، وقد أقام في حي القصبة العتيق حيث تلقّى درسه الأول في الغربة والعيش بعيدًا عن أنفاس "فاظمة".

أقام الشيخ الحسناوي في العاصمة 6 سنوات، من عام 1930 لغاية 1936، قبل أن يقرّر الرحيل نهائيًا عن أرضه والإقامة في فرنسا عسى أخبار عشيقته تتوقف عن الوصول إليه، اختار إبن قرية "تاعزيبت" مدينة باريس مقامًا له في الأراضي الفرنسية، أين بدأ في ممارسة هوايته الأولى وأطلق من هناك كل أغانيه التي لا زالت مسموعة بشكل كبير لغاية اليوم.

حكاية الشيخ الحسناوي مع حب "فاظمة" والمنفى لم ترد أن تنتهي في عاصمة الجن والملائكة، حيث قام مرّة أخرى بتجهيز حقائبه والرحيل لأقاصي الأرض في رحلة لا عودة لها، حيث أكمل "الحسناوي" حياته في جزيرة "لا رينيون" التابعة لأقاليم ما وراء البحار الفرنسية، هناك انقطعت أخباره، وعاش حياة عزلة إلا أن توفي ودفن هناك، ودفن معه كل أسرار حبه لفاظمة.

خلودٌ فني

كان الشيخ الحسناوي شابًا خجولًا وهو يخطو خطواته الأولى في ميدان الشعر والغناء القبائلي، فرغم  رفض والده، إلا أنه وفي ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ الشيخ الحسناوي مسيرته الغنائية التي أخذته إلى فرنسا حيث سجّل أولى أغانيه بعد أنغادر الجزائر نهائيًا واستقر في باريس.

ظهر أول تسجيل له في عام 1949، ولكنه خلال الثورة التحريرية، وتضامنًا مع جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، امتنع عن الغناء وتنشيط الحفلات رافضًا كل العروص التي كانت تأتيه.

في عام 1971، وعندما بلغ من العمر 61 عامًا، توقف أخيرًا عن الغناء وكان رصيده حينها يتضمن أربعة وسبعين عنوانًا غناها باللغة القبائلية والعربية الجزائرية. 

وفي عام 1989، انعزل تمامًا عن عائلته، وتقاعد في سان بيير في جزيرة ريونيون الفرنسية  حيث توفي عام 2002، بعيدًا عن الأضواء، وحيدًا وكأنه لم يكن ذلك المطرب الذي شغل الدنيا بأغانيه في وقت ما.

في تلك الجزيرة النائية وسط المحيط الهندي، انقطعت أخبار الشيخ الحسناوي، ولم يظهر هناك إلا مرّة واحدة، حين زاره الباحث مهنا محفوظي بعد أن انتشر خبر وفاته.

بعدها، زار محفوظي صاحب رائعة "بنات الصُحبة" ثلاثة مرات، فيما كانت الرحلة الرابعة لحضور جنازته، عائدًا من هناك بقصص لم تروى وبصور لم تُنشر، وبشهادات نادرة من زوجته الفرنسية التي رافقته في سنواته الأخيرة، إلى أن رحل عن الحياة، تاركًا وراءه أغاني لن تموت، وقصة حب تحرس ذاكرته من النسيان.

الكلمات المفتاحية

عبد القادر عفاق

حوار| عبد القادر عفّاق: التّقمص غير المُغازِل عنصرٌ أساسي للخَلقِ في السينما

ينزوي الفّنان عبد القادر عفّاق في خلوته الفنية والانسانية بعيدًا عن وسط فنّي صاخب ومُبهم الملامح، مُستذكرًا مشوارًا طويلًا غير هيّن، في حين نتأمّل فيه الإنسان الذي عايش ويُعايش أحداثًا عديدة ومراحل مختلفة من سيرة الفن والمجتمع والسياسة في الجزائر، ليمنحنا ذلك الانطباع بأن الفنّان في الجزائر بإمكانه أن يكون ذاكرة حية وشاهدًا على انتصارات وهزائم عديدة، كما قد ينقل لنا صورة حية لهذا العالم من خلال…


الأغنية الشعبية في الجزائر

بعيداً عن وزارة الثقافة.. هكذا يُقاوم الشّعبي والملحُون من صالونات الهامِش في الجزائر

في الجزائر يكفي بيت دافئ، ومقهى مطلّ على البحر، وقلوب تعشق الشعر الشعبي حتى النخاع، لتُولد سهرات لا تخضع لبرنامج ولا جدول، لكنّها تحفظ ما عجزت عن حفظه المهرجانات.


حريق جامعة الجزائر

700 سنة بعد تدمير مكتبة بغداد.. يوم تشبّه الاستعمار الفرنسي بالمغول وأحرقوا 400 ألف كتاب بالجزائر

لا تزال حادثة حرق مكتبة الجامعة المركزية من قبل "منظمة الجيش السري" الاستعمارية، واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت في حق الفكر والإنسانية، وذلك عشية انتصار الشعب الجزائري في معركة التحرر الوطني.


اليوم الوطني للفنان

اليوم الوطني للفنان في الجزائر.. سطوة المُناسباتية وغياب الإرادة

مع حلول اليوم الوطني للفنان الذي يصادف الثّامن من حزيران/ جوان من كلّ عام في الجزائر، تجد فئة كبيرة من الفنّانين صُعوبةً في النّظر إلى هذا اليوم كمُناسبة احتفالية على شرفها، رغم كل تلك الالتفاتات والاحتفالات والعروض التي تتخلّل هذه المناسبة.

العلاقات الجزائرية الإيرانية
سياسة

العلاقات الجزائرية الإيرانية .. شراكة في مرآة الجغرافيا والسياسة

مرّت العلاقات الجزائرية الإيرانية بمحطات متباينة، شملت فترات من التقارب والتعاون، وأخرى اتسمت بالتوتر والفُتور، وصلت أحيانًا إلى حدّ القطيعة.

باخرة غراندي نافي فيلوتشي
أخبار

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟

دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.


السيدة
أخبار

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر

عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

بوعلام صنصال (الصورة:فيسبوك)
أخبار

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه

يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

الأكثر قراءة

1
أخبار

نواب يخطرون المحكمة الدستورية حول تهميش دور المعارضة البرلمانية


2
راصد

دعوة نائب لإلغاء الفلسفة من التعليم تثير استهجانا واسعا.. ومعلقون: كيف يجهل أهمية أم العلوم؟


3
أخبار

جامعة سيدي بلعباس الأولى مغاربيا في تصنيف دولي مرموق.. هل هي ثمار الإنجليزية؟


4
أخبار

التهمت هكتارات من الأراضي الفلاحية.. كيف تُواجه الحكومة "الأحواش"؟


5
ثقافة وفنون

حوار| عبد القادر عفّاق: التّقمص غير المُغازِل عنصرٌ أساسي للخَلقِ في السينما