24-ديسمبر-2021

احتفالات رأس السنة الأمازيغية بالجزائر العاصمة (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

تواصل سيناريو الركود الثقافي بشكل عام خلال سنة2021 في الجزائر، لكن الوضع كان أفضل بقليل حسب المتابعين لهذا الشأن، وقد لوحظ تحسن ملموس في الحركية الثقافية رغم ظروف الوباء المتفاوتة والعديد من المشاكل التنظيمية والرسمية وسوء التسيير وتعاقب المسؤولين على القطاع، مقارنة بما حدث سنة 2020 التي عاشت الثقافة في الجزائر خلالها شبه موت سريري.

جاء تخفيف إجراءات الحجر التدريجي ليفتح باب النشاط  في السينما والمسرح والأدب مع انقطاع تام لنشاطات أخرى كالمعارض الفنية وفنون الاستعراض

 لقد عرف عام 2021 بعض الصحوة الثقافية، حيث سُجلت عدة محاولات إنعاشٍ مست بعض القطاعات الثقافية، حاول القائمون عليها أن يخرجوا بالوضع الثقافي من عنق الزجاجة، حيث زادت الأزمة الصحية التي استمرت لسنتين من حدّة ضياعه وترديه.

اقرأ/ي أيضًا:  السينما الجزائرية تحصد 5 جوائز في مهرجان القدس السينمائي بغزّة

جاء إذن تخفيف إجراءات الحجر التدريجي إلى غاية رفعه خلال سنة 2021، ليفتح باب النشاط ولو باحتشام في السينما والمسرح والأدب مع انقطاع تام لنشاطات الفن الأخرى كالمعارض الفنية وفنون الاستعراض، بعد استقرار الوضع الصحي نسبيًا، عقب سنة كانت "جرداء" بكل المقاييس، شهد فيها الوسط الثقافي انهيارات عديدة في مختلف قطاعاته وانعدامًا تامًا للنشاطات والتظاهرات والمهرجانات التي كانت متنفسًا للفرد الجزائري وفضاء عمل وإبداع لعمال القطاع ومبدعيه ورواده الذين أقحموا غصبًا في بطالة مفتوحة شلت جسد الثقافة في الجزائر.

سوق الكتاب 

في المجال الأدبي، عرف نشاط دور النشر الجزائرية تراجعًا كبيرًا منذ بداية الوباء، كما شهدت خسائر عديدة مست إنتاجها الذي افتقر إلى التسويق الذي غالبًا ما كان يعتمد على المعارض المحلية، ولم تأتِ سنة 2021 بالجديد والفرج، حيث استمر تأجيل معرض الكتاب الدولي "سيلا" الذي يعد فرصة ثمينة للتسويق وإنعاش سوق الكتاب، إذ حدد آخر تاريخ  له في شهر آذار/مارس من السنة المقبلة عبر بيان صحفي نشرته  صفحة وزارة الثقافة والفنون على فيسبوك.

عمومًا، يرتبط نشاط دور النشر وسوق الكتاب بعدد وقيمة المعارض التي كانت شحيحة جدًا هذا العام واقتصرت على معرض وطني واحد تم تنظيمه في آذار/مارس 2021 من طرف نقابة للناشرين، حيث عرف إقبالًا محتشمًا نسبيًا.

مع هذا، كانت هنالك عدة إصدارات ميزت هذا العام في شتى أنواع الكتب الأدبية والتاريخية والمذكرات لعدة دور نشر محلية، حيث نجد أهم منشورات دار ميم ممثلة في كتاب إعلام الأزمات وأزمات الإعلام للصحافي القدير مدني عامر، وفي الرواية أسير البرتغاليين لمحسن الوكيلي، ورواية المكناسية لعبد الغني صدوق.

أما منشورات الشهاب، فأصدرت رواية "في البدء كانت الكلمة" لأمل بوشارب، وفي التاريخ كتاب "من المقاومة المسلحة إلى جبال الولاية الأولى" لعمار قرفي وكتابي "الأرض والنجمة والسكين" و"مدغاسن، حكايات سرية"، إضافة إلى كتاب "لخضر بن طوبال مذكرات من الداخل" لكاتبه دحو جربال.

من جهتها نشرت دار القصبة  باللغة الفرنسية "من أجل حب إلينا" لياسمينة خضرة، "الحب والحرب" لآكلي تاجير، "زوجة إيغلي علي" الذي يتناول قراءة في حياة فاطمة آيت منصور عميروش.

أما دار أبيك، فنشرت المجموعة الشعرية "قصائد من العالم" مترجمة باللغة الفرنسية لعدة شعراء عالميين، وكذلك مذكرات الحارس السابق للفريق الوطني مهدي سرباح (الذي توفي خلال 2021) للكاتب سيد أحمد بوعدو، ورواية "نمل في الفم" لخادي حان، والكتاب المصور "الصحراء دون انعطاف" للرسام جاك فيرانديز المقتبس من رواية محمد ديب التي تحمل نفس العنوان.

موسم الإنعاش السينمائي

بدت السينما في الجزائر سنة2021 من بين القطاعات الأهم التي عرفت بعض الحركية والنشاط بغية إنقاذ ما تبقى من الموسم، بعد صدور مراسيم عديدة تأرجحت بين الحكومة السابقة والحالية بغية النهوض بالقطاع، مع أنها غالبًا ما كانت تبقى غير مجسدة في أرض الواقع لسنوات.

من بين أهمّ القرارات التي صدرت، كان إعادة بعث الروح في مشروع فيلم الأمير عبد القادر الذي تم تأجيله وتعطيله كثيرًا، وجاء ذلك تحت وصاية الحكومة ممثلة في الوزير الأول، إضافة إلى مرسوم رئاسي في الجريدة الرسمية يقضي بإنشاء مركز وطني للصناعة السينماتوغرافية، وبعض القرارات التي ما تزال في انتظار التجسيد، والتي تعلقت مثلًا بمُباشرة مشروع المدينة السينمائية تلمسان تيمقاد  وتيميمون، وتخصيص مركبين للسينما في وهران والجزائر العاصمة إضافة إلى مشروع مدرسة للتكوين السينمائي بقسنطينة وغيرها من القرارات التي ما تزال حبرا على ورق.

 محليَا، تم تنظيم عدة تظاهرات سينمائية بغية إحياء هذا القطاع، إذ احتضنت ولاية باتنة طبعتها الأولى لمهرجان إمدغاسن السينمائي الذي يحتفي بالفيلم الروائي القصير، بالإضافة إلى أيام الفيلم القصير التي أقيمت في قسنطينة وعنابة.

أما في العاصمة، فقد تم تنظيم الطبعة السادسة لأيام الفيلم الأوروبي وأيام الفيلم النرويجي في الجزائر، كما شهدت مدينة سعيدة أيام مهرجان وطني للأدب وسينما المرأة.

شهد عام 2021 أيضًا تنظيم وزارة الثقافة والفنون لعدة عروض شرفية لعدد من الإنتاجات السينمائية الجزائرية الحاصلة على جوائز دولية بمختلف أنواعها، روائية منها ووثائقية تم إنتاجها بين سنتي 2019 والعام الحالي، حيث  حال الوضع الصحي دون عرضها سابقًا، أهمها فيلم  هيليوبوليس لمخرجه جعفر قاسم، والذي تم اختياره للمرة الثانية بعد سحبه قبل ذلك لتمثيل الجزائر في مسابقات الأوسكار لأحسن فيلم دولي في الدورة القادمة.

إضافة إلى هذا، توالت عروض أخرى لأفلام مثل فيلم أبو ليلى للمخرج أمين سيدي بومدين، "الحياة ما بعد" لأنيس جعاد، دم الذئاب للمخرج عمار سي فوضيل وغيرها.

أما فيما يخص الأفلام الوثائقية، فقد تم عرض فيلم جزائرهم للمخرجة المغتربة لينا سوالم في المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة ومدن أخرى، إضافة إلى بعض الوثائقيات القصيرة مثل "سيعود" ليوسف محساس، تشبشاق ماريكان لأمال بريدي.

 دوليًا، شهدت السينما الجزائرية مشاركات عدة في الكثير من المهرجانات السينمائية الدولية، من بينها أفلام "هيليوبوليس"، "الحياة ما بعد"، " جزائرهم"، و"توفا"، وقد احتفى مهرجان الفيلم الفرانكوفوني لأنغوليم بفرنسا بالسينما الجزائرية خلال فعالياته، كما نزلت الجزائر هذا العام أيضا كضيف شرف في مهرجان العودة السينمائي الدولي بفلسطين وقد فاز  فيلم "أرقو" بجائزة الجامعة الإفريقية للنقد السينمائي في أيام قرطاج السينمائية، وحصل فيلم  "الحياة ما بعد" على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان آميان الفرنسي،  إضافة إلى تكريم خمسة أفلام جزائرية في مهرجان القدس السينمائي  في قطاع غزة.

العودة إلى المسارح

 من ناحية أخرى، شهد المسرح انطلاقة متعثرة جدًا خلال بداية العام، حيث أثرت تدابير الحجر التي كانت مفروضة لأغلب شهور السنة على إمكانية البرمجة والإنتاج، ولم تتعدَ النشاطات المسرحية عبر التراب الوطني بعض النشاطات التي حاول أصحابها من خلالها العودة بالعروض شيئا فشيئا إلى المسارح والقاعات.

رغم كل ذلك، كانت هنالك حركية شهدتها عدة مسارح في الوطن، وكان الحدث الأهم في شهر آذار/مارس 2021 من خلال مهرجان المسرح المحترف الذي أقيم في مسرح محي الدين باشطارزي، حيث عرضت عدة مسرحيات وفاز خلاله عرض "خاطيني" لمخرجه أحمد رزاق بالجائزة الكبرى.

  شهد  أيضًا مسرح قسنطينة الجهوي تخرج طلبة مدرسة التكوين المسرحي التي أشرف عليها فنانون ومخرجون، من خلال تقديم عروض من المسرح العالمي وأخرى كلوحات تخرج، شهدت حضورًا مميزًا دلّ على تعطش الجمهور لعودة المسرح إلى نشاطه، حيث نُظّمت عروض مختلفة منها مسرحية عودة شيشناق لمسرح قسنطينة، بالتزامن مع عروض شرفية مماثلة لأسابيع متتالية وأخرى خاصة بالأطفال خلال العطلة الشتوية.

من ناحية أخرى، تمت برمجة مسرحية "البئر" لجمعية وجوه المسرح من مدينة البليدة، إضافة إلى "لاودينغ" الذي زين ركح المسرح الجهوي لمستغانم غرب البلاد.

وعادت عروض أخرى إلى الواجهة بعد طلب الجمهور إعادة عرضها، مثل مسرحية خاطيني  في قسنطينة ووهران والعاصمة التي ذهبت في جولة من تنظيم الديوان الوطني للإعلام، إضافة إلى اقتراح عروض أخرى في المسرح الوطني محي الدين باشطارزي، أهمّها "رمادة 19"  لشوقي بوزيد، و"شارع المنافقين" لأحمد رزاق.

الراحلون في 2021

فقدت الساحة الفنية والثقافية سنة 2021 عدة أسماء بارزة افتقدها الشارع الجزائري كثيرًا، فقد اختطف منا وباء كورونا فنان المالوف العنابي القدير حمدي بناني، والممثل القدير سعيد حلمي، والممثل محمد بوحموم إضافة إلى الراحل القدير عمر قندوز، حيث لم يصمدوا في وجه هذا الوباء الذي ما يزال يحصد الأرواح إلى اليوم.

 شهدت أيضًًا نهاية العام رحيل قامتين فنيتين كبيرتين في الطرب الجزائري، هما الفنان رابح درياسة الذي التحقت به بعد مدّة قصيرة الفنانة سلوى بعد صراع مع المرض والشيخوخة ورحل أيضًا في هذه السنة، الفنان بلاحة بن زيان الذي اشتهر بدور النوري في مسلسل "عاشور العاشر"، والمطربتان نعيمة عبابسة وريم غزالي بعد صراع طويل مع مرض السرطان، إضافة إلى الممثلة فتيحة نسرين والفكاهي فريد قصايصية الملقب بـ "فريد الروكور"، الذي وافته المنية جرّاء نوبة قلبية.

 أما في الفكر والأدب، فقد رحل عنا صاحب رواية "المطر يكتب سيرته " مرزاق بقطاش والتي حصلت على جائزة آسيا جبار الدولية سنة 2017، والباحث الجامعي حاج ملياني الذي اختص في الكتابة والبحث حول التراث الثقافي الشعبي الجزائري وأنماطه، كما شارك في كتابة اول كتاب يحكي قصة الراي في الجزائر بعنوان "مغامرة الراي" رفقة الكاتب بوزيان داودي.

تسدل سنة 2021 الستار على الفعاليات الثقافية في البلاد، ولا ينتظر كثير من المتابعين أن يكون العام المقبل أحسن حالًا من سابقتها بسبب الأزمة الصحية 

تسدل سنة 2021 الستار على الفعاليات الثقافية في البلاد، ولا ينتظر كثير من المتابعين أن يكون العام المقبل أحسن حالًا من سابقتها، بسبب استمرار الأزمة الوبائية ودخول البلاد في موجة الرابعة، إذ ارتبطت مجمل النشاطات الثقافية هذه السنة بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وهو ما جعل مهمّة عودة الفعل الثقافي إلى سابق عهدة صعبّة للغاية.

 

اقرأ/ي أيضًا

السينما الجزائرية.. أفلامٌ في العراء

حوار| الناقد محمد عبيدو: السينما الفلسطينية انتماء نضالي وإنساني أولًا