28-ديسمبر-2022
أفلام العشرية

(تركيب: الترا جزائر)

بعدما شهدت الحياة الثقافية والفنية بالجزائر ركودًا العام الماضي على صعيد الأنشطة والتظاهرات وحتى الإنتاج السينمائي والتلفزيوني بسبب وباء كورونا وإجراءات التباعد والحجر الصحي، جاءت سنة 2022 بحركية وحيوية أكبر عن سابقتها.

تلفعت الساحة الفنية الجزائرية بالسواد هذه السنة بفقدانها وجوهًا بارزة في السينما والمسرح أبرزهم فريدة صابونجي وشافية بوذراع ومحمد حزيم وأحمد بن عيسى

عرف قطاع الثقافة والفنون حركية وانتعاشًا مسّ عديد المجالات والمهن خاصة الكتاب، السينما، المسرح والموسيقى أيضًا، وانطلق تصوير عدة أعمال سينمائية حول الذاكرة والثورة التحريرية وأبطالها، مثل فيلم "زيغود يوسف" لمؤنس خمّار، فيلم "العقيد بوقرّة" لجعفر قاسم، وفيلم "حامي الصحراء" الذي يروي مسيرة ونضال القائد والشهيد أحمد بن عبد الرزاق حمودة المدعو "سي الحواس، والعمل من إخراج ياسمين شويخ.

بالموازاة مع ذلك، نُظمت في الجزائر عدة مهرجانات أبرزها مهرجان الجزائر الدولي للسينما "أيام الفيلم الملتزم"، بعد سنتين من الغياب، تنظيم أيام الفيلم العربي، تنظيم مهرجان إيمدغاسن السينمائي الدولي للفيلم القصير.

عرفت مشكلة عرض فيلم "العربي بين مهيدي" طريقها إلى الحل، بعد أربع سنوات من الخلاف، بعد التوصل لاتفاق بين المخرج بشير درايس ووزارة الثقافة ووزارة المجاهدين، حيث سيُعرض الفيلم في آذار/مارس 2023.

وجاء في بيان وزارة المجاهدين أنّها استلمت الفيلم التاريخي "العربي بن مهيدي"، أما وزارة الثقافة فأكدت أنّ العملية تمت بعدما "قامت اللجنة المنصبة المشتركة بين وزارتي والثقافة والفنون المجاهدين وذوي الحقوق بالمصادقة عليه، وإنهاء الدراسة المتعلقة بكل التحفظات التي كانت مرفوعة حول هذا الفيلم".

ومقابل هذه الحركية السينمائية، منعت وزارة الثقافة فيلم "زافيرا الملكة الأخيرة" للمخرجين داميان أونوريه وعديلة بن ديمراد، من العرض، بسبب عدم حصوله على التأشيرة السينماتوغرافية بحسب ما ورد في بيان محافظة مهرجان الجزائر الدولي للسينما "أيام الفيلم الملتزم" التي برمجته للعرض في ختام التظاهرة يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وأثار منع عرض الفيلم جدلًا تاريخيًا في الجزائر، حول قصة الفيلم التي تعود إلى الفترة العثمانية، فبينما يؤكد كثيرون على إبعاد مقص الرقابة عن السينما والفن والإبداع السينمائي، يلجأ البعض إلى مناقشة الأحداث التاريخية التي وردت فيه.

يسرد الفيلم حياة الملكة الجزائرية زافيرا زوجة السلطان الجزائري سليم التومي الذي كان يحكم العاصمة آنذاك، وحدث أن أحد القادة العثمانيين أراد الزواج بها غصبًا بعدما قتل زوجها، حسب رواية الفيلم، لكنها رفضت طلبه وقررت الانتحار.

سينمائيًا دائمًا، تمكنت عدّة أفلام جزائرية من الظفر بجوائز مختلفة في مهرجانات دولية ومحلية من بينها فيلم "سولا" للمخرج صلاح إسعاد، فيلم "حليم الرعد" للمخرج بن عبد الله محمد، و"سيعود" للمخرج يوسف محساس، و"جنّية" لعبد الكريم بهلول.

كما رشّحت الجزائر عن طريق اللجنة الوطنية لانتقاء الأفلام فيلم "إخواننا" للمخرج رشيد بوشارب، لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، 2023، من بين قائمة ضمت فيلم "حليم الرعد" لمحمد بن عبد الله، "زفيرة الملكة الأخيرة" لعديلة بن ديمراد وداميان أونريه، و"حورية" لمونيا مدور.

أوّل قانون للفنان

شهدت الساحة الثقافية والفنية بالجزائر خلال السنة الجارية، إطلاق ورشات لمناقشة وضعية الفنان في الجزائر، بغرض ترقية واقع الفنانين في البلاد من خلال التحضير لإصدار قانون الفنان يعدّ الأول في الجزائر المستقلة.

وكان الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر/كانون الأول، شاهدًا على اللقاء التقييمي لورشات قانون الفنان بعد الانتهاء منها، حيث ستعمل اللجنة التقنية المكلفة بصياغة المشروع التمهيدي لقانون الفنان على إعداد مشروع القانون في غضون 3 أشهر، ليرى النور بعدها ويكون أول قانون للفنان في الجزائر المستقلة.

 

الراي.. اعتراف اليونسكو

تزامنا وألعاب البحر المتوسط عاد مهرجان الراي في طبعته الثانية عشر إلى عاصمته وهران بعد 15 عامًا من الغياب، وكانت العودة في حزيران/جوان الماضي، تكريما لأمير الأغنية العاطفية الشاب حسني وثلة من الفنانين الذين فقدتهم الجزائر في موسيقى الراي أمثال المازوزي، الشاب عزالدين، الشيخة الريميتي.. وغيرهم.

وبعد مرور بضعة أشهر، فقط شهدت أواخر 2022 إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم "يونسكو"، إدراج موسيقى "الراي" كفلكلور جزائري شعبي ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية، وسط احتفال رسمي وشعبي بهذا الإنجاز الذي حققته الجزائر ولطالما ظلّت تستهدفه في ظل وجود محاولات سطو وسرقة هذا التراث الموسيقي العريق الذي ظهر في ولايات الغرب الجزائري منذ أكثر من قرن.

وسبق تصنيف موسيقى "الراي"، إدراج تسعة عناصر في قائمة اليونسكو للتراث العالمي وهي "أهليل قورارة"، و"الشدة" التلمسانية (لباس تقليدي خاص بالمرأة)، والاحتفال بالمولد النبوي "أسبوع" في تيميمون، و"ركب أولاد سيدي الشيخ"، واحتفال "السبيبة"، إضافة إلى موسيقى "الإمزاد" وطبق "الكسكس" و"الخط العربي" المشارك مع دول الجوار.

موسيقيًا، عاش الجمهور الجزائري أوقاتًا ممتعة مع المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في طبعته الـ12 التي جرت شهر أكتوبر الماضي، ومهرجان "ديما جاز" الذي احتضنت قسنطينة طبعته السابعة عشر، ومهرجان موسيقى الحوزي بتلمسان... وأخرى.

الكتاب.. عودة "سيلا" وإصدارات جديدة

بعد غياب عامين بسبب جائحة كورونا، كان الجمهور والقراء على موعد في 2022 مع فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته الـ25  التي سجلت مشاركة أكثر من 1200 دار نشر جزائرية وعربية وأجنبية، وعرض نحو 300 ألف عنوان في مختلف التخصصات.

وما ميّز التظاهرة الأبرز ثقافيًا والتي ينتظرها القراء كل سنة، هو إعفاء كل دور النشر المشاركة في المعرض من تكاليف كراء الأجنحة وهو الإجراء الذي شجع بقوة الناشرين على المشاركة في التظاهرة، إضافة إلى قرار إعفاء المشاركين من الرسوم الجمركية لجعل الكتاب في متناول القراء.

معرض الكتاب الذي جاء تحت شعار "الكتاب جسر الذاكرة"رافقته عديد الإصدارات الجديدة في مجالات مختلفة مثل "الشيخ اعمر الزاهي رائد الجيل الجديد لأغنية الشعبي" كتاب وقعه عبد القادر بن دعماش ويعود فيه إلى حياة الزاهي وتراثه في أغنية الشعبي، إضافة إلى عدد من الروايات الأدبية من بينها رواية أمين الزاوي بعنوان "جوع أبيض"، ورواية "رعاة أركاديا" لمحمد فتيلينة، و"حصاد الرمال" لمحمد ساري و"العاشقان الخجولان" لإسماعيل يبرير، إضافة، إلى سلسلة "أعلام الجزائر" الصادرة عن منشورات "الوطن اليوم"، "مذكرات لخضر بن طوبال" (الجزء الثاني) لدحو جرابل،.. وغيرها من الأعمال الأدبية والشعرية والتاريخية.

المسرح.. انتعاش

تميز عام 2022 بتنظيم عدّة تظاهرات مسرحية وتقديم إنتاجات مختلفة من قبل جمعيات ومسارح جهوية، فضلًا عن نيل عدّة فرق مسرحية لجوائز محلية ودولية.

ومن أبرز التظاهرات المسرحية المنظمة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الخامسة عشر (23 كانون الأول/ديسمبر إلى 1 كانون الثاني/جانفي 2023)، بالجزائر العاصمة، والمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم غربي البلاد (26 أيلول/سبتمبر إلى 1 تشرين الأول/أكتوبر) الذي يعدّ أعرق مهرجان في الجزائر والقارة الإفريقية.

سجل المهرجان عودة قوية بطابع عربي بمشاركة شخصيات وعروض من الأردن وفلسطين، خاصة بعد انقطاعه مدة سنتين جراء فيروس كورونا، إضافة إلى تنظيم "ليالي مسرح الصحراء الدولي بأدرار (جنوب البلاد) التي جرت من 21 إلى 26 كانون الأول/ديسمبر الجاري، ومهرجان المسرح النسوي الذي عاد إلى الجمهور بعد انقطاع سبع سنوات، ورفع دورته الخامسة لروح الفنانة الراحلة صونيا مكيو. إلى جانب المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي بباتنة في طبعته الـ12، والذي شهد فوز مسرحية "روزا حنيني" لمسرح تيزي وزو بالجائزة الكبرى.

ولعل من أهمّ التتويجات التي نالتها فرق مسرحية جزائرية فوز عرض "الصرخة" لجمعية "اتجاهات المسرح" من عين الصفراء ولاية النعامة جنوب غرب الجزائر، بالجائزة الكبرى في صنف "ب" بمهرجان مسرح الهواة في طبعته الـ53.

وفي السياق، فاز موندرام "قارئ الفنجان" للمخرج نبيل مسعي أحمد بجائزة أحسن عرض وأحسن نص بمهرجان قرطاج للموندراما بتونس (13-16 ماي/آيار)، كما حصد مونودرام "كياس ولاباس" للمخرج عبد الغني شنتوف بالجائزة الكبرى في الطبعة العاشرة للمهرجان الدولي للمسرح الشهر الماضي، بعاصمة ساحل العاج أبيدجان.

على صعيد الإنتاج المسرحي، قدّمت بالمسارح الوطنية عدّة مسرحيات جديدة من بينها "التائهون" للمخرج أحمد رزاق (إنتاج مسرح عنابة الجهوي)، "الجاثوم" للمخرج عبد القادر عزوز (إنتاج المسرح الوطني)، مسرحية "صيف إفريقي" (إنتاج مسرح قسنطينة الجهوي) للمخرج كريم بودشيش، اقتباس سعيد بولمرقة لرواية محمد ديب.

قامات فنية ترجلت

2022 كانت سنة للحزن أيضًا، فقد فقدت الجزائر قامات فنّية وثقافية أعطت الكثير للفن والإبداع الجزائري في السينما والمسرح والغناء، أسما فنية لن يكررها الزمن تركت بصمة من ذهب في ذاكرة الجمهور الجزائري.

ومن الشخصيات التي غيبها الموت في 2022 الفنانة فريدة صابونجي، واحدة من الممثلات البارزات غلى الخشبة والتلفزيون والسينما، توفيت عن عمر ناهز 92 عامًا بعد معاناتها مع المرض.

في هذه السنة خسرت الجزائر، أيقونة السينما، الممثلة شافية بوذراع الشهيرة بلقب "لالة عيني"، عن عمر ناهز 92 عامًا، "لالة عيني" الشخصية التي خلدّها مسلسل "الحريق" الذي يروي مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، من إخراج الراحل مصطفى بديع عن رواية "الدار الكبيرة "للأديب الكبير محمد ديب.

الفنان الكبير أحمد بن عيسى، أحد أعمدة الفن الجزائري، ممثل مخرج، في رصيده نصف قرن، جسد خلالها 120 فيلمًا وعشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية، رحل عن عمر ناهز 78 عاما إثر وعكة صحية، أثناء مشاركته في مهرجان "كان السينمائي" في طبعته الأخيرة.

الممثل مصطفى برور، توفي بسبب فيروس كورونا عن عمر 87 عامًا، بعد مسيرة مهنية حافلة بالإنجازات والأعمال في السينما والتلفزيون والمسرح، وقد حفر برور المولود سنة 1935 سمه في عدّة أعمال من بينها "المشوار"، "جروح الحياة".

ومن الشخصيات التي فقدتها الساحة الفنية الجزائرية والعربية المخرجة والمركبة يمينة بشير شويخ، التي توفيت عن عمر ناهز 68 عاما بعد صراع مع المرض.

في رصيد يمينة شويخ التي بدأت ممارستها للسينما عام 1973، عدّة مشاركات في أعمال سينمائية من بينها "عمر قتلاتو" (1976) للمخرج مرزاق علواش و"ريح الجنوب" لمحمد الأخضر حمينة (1982)، أمّا أوّل فيلم روائي طويل أخرجته شويخ كان بعنوان "رشيدة" عام 2002.

وفي شهر أيار/ماي الماضي غيّب الموت، الفنان الكوميدي محمد حزيم (ابن وهران) عن عمر ناهز 70 عامًا، بعد صراع مع المرض، واشتهر الراحل الذي أدخل البسمة لبيوت الجزائريين في زمن العشرية السوداء بسلسلة "بلا حدود" سنوات التسعينيات من القرن الماضي، رفقة رفيقيه حميد ومصطفى هيمون.

وخطف الموت قبل أيام قليلة فقط، الفنان والممثل الكاتب المسرحي عباس بوذن الذي اشتهر بأدواره في المسلسلات التلفزيونية الرمضانية.

ووافت المنية عن عمر ناهز 82 عامًا، الممثل المسرحي والسينمائي، مصطفى بن شقراني الذي يعتبر وهو من الرعيل الأول من المسرحيين الذين التحقوا بالمسرح الوطني كممثل ومخرج.

من بين الأعمال السينمائية التي شارك فيها "الطريق"، "سنعود"، "حسان الطاكسي"، "الخالدون"، "ديسمبر".. وغيرها، أمّا مسرحيًا فشارك في "الطير الأخضر "، "132 سنة "، "بني كلبون "، " كل واحد وحكمه".. وغيرها.

كما فقدت الساحة الثقافية الكاتب والدبلوماسي الأسبق عثمان سعدي الذي يعتبر أحد أشد المدافعين عن اللغة العربية، عن عمر ناهز 92 عامًا، ورحل قبله الكاتب والصحفي عبد العزيز بوباكير عن عمر الـ65 عامًا بعد صراع مع المرض.

 وغيب الموت العالم والمفكر والمجاهد سعيد شيبان عن عمر 97 سنة، والذي عرف باعتداله ودفاعه عن الثوابت الوطنية. كما فجع الجزائريون في 2022 برحيل المجاهد عثمان بلوزداد الذي يعدّ أخر أعضاء مجموعة الـ 22 التاريخية الذين فجرّوا الثورة التحريرية في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1954.

تفصلنا ساعات قليلة عن بداية عام جديد يحمل آمال وتطلعات الجمهور والفاعلين في المجال الثقافي

ساعات قليلة تفصلنا على نهاية العام الجاري 2022 وبداية عام جديد يحمل آمال وتطلعات الجمهور والفاعلين في المجال الثقافي والفني، سنة قد يشاهد فيها الجزائريون فيلم" العربي بن مهيدي" وقد ينظم فيها مهرجان وهران للفيلم العربي، في ظل بقعة الضوء التي حملتها 2022.