25-ديسمبر-2022
إضراب الأطباء في الجزائر (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

إضراب الأطباء في الجزائر (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

التحقت الجزائر بدائرة الدول الماضية في تقييد حقّ الإضراب مستخدمة ذرائع اقتصادية وأمنية، حيث لا تخف السلطات هذه التوجه بل تعلنه صراحةً في عرض أسباب مشروع قانون يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب.

تضمن التشريع الجديد استحداث عقوبات إضافية زيادة عن العقوبات المعمول بها حاليًا إضافة إلى مضاعفة الغرامات المالية

ورغم الانتقادات التي تعرضت لها من قبل مكتب العمل الدولي في تقارير سابقة له بخصوص الحريات النقابية والحق في الإضراب، تمضي الحكومة في تقييم هذه الحقوق تحت مسمى "الالتزام بخلق بيئة اجتماعية لا يتم فيها اللجوء إلى الإضرابات، إلا كملاذ أخير".

ويسمح بإضراب العمال بعد استنفاد طرق التسوية الودية من خلال الحوار والتشاور والمفاوضات الجماعية وفق ما جاء في عرض أسباب القانون الأخير، تحوز "الترا جزائر" على نسخة منه.

ومع أن بعض المبادئ العامة للقانون الجديد مستمدة في التشريعات العالمية المتعارف عليها ومن التشريع ساري المفعول أي قانون 90-02 المؤرّخ في شباط/فيفري 1990 والصادر بعد سقوط نظام الحزب الواحد وإقرار التعددية الإعلامية والسياسية والنقابية، فقد تضمن التشريع الجديد استحداث عقوبات إضافية زيادة عن العقوبات المعمول بها حاليًا، حيث قفز عدد المواد المخصصة للعقوبات إلى تسعة بدل خمسة حاليًا، كما ضوعفت قيمة الغرامات القضائية بشكل كبير مقابل خفض عقوبة السجن.

قانون النقابات

بموجب التعديلات الجديدة تم تحديد آجال قانونية قبل شن الإضراب واحترام إجراءات لممارسة هذا الحق بشكل قانوني، من أجل تجنب الإضرابات الفوضوية وفق تعليل الحكومة للقيود الجديدة، "لا سيما في المصالح الأساسية على نحو يحفظ الحق في الإضراب والحق في العمل، وإيجاد توازن مع الحقوق الأخرى ذات القيمة الدستورية أي استمرارية الخدمة العمومية وحرية المقاولة وحرية العمل".

ومع أن التشريع الجديد يكرس فكرة الحق في الإضراب كحقّ أساسي، فقد تم التشديد على ممارسته "قصد وضع حد للاستعمال غير القانوني لهذا الحق وإخراج عالم الشغل من دوامة الإضرابات العشوائية والمفاجئة التي لها عواقب ضارة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد"، توضح الحكومة.

متابعات وعقوبات ضد المضربين

ويمارس الإضراب حسب مفهوم الحكومة "وفق شروط وكيفيات يجب أن تكون متطابقة مع متطلبات المؤسسة واستمرارية الخدمة العمومية، بمجرد استنفاد وسائل تسوية النزاع، الاتفاقية أو القانونية".

ويترتب على ذلك أن أي توقف جماعي عن العمل "لا ينطبق عليه التعريف السالف الذكر، يعتبر إضرابًا غير قانوني" وتترتب عن ذلك "متابعات وعقوبات إذا كان يهدف إلى تلبية مطالب سياسية، أو لمدة غير محددة، مفاجئ أو متقطع أو تضامني، أو له غرض أجنبي عن المصلحة المهنية للعمال، أو الذي تتم ممارسته دون احترام للإجراءات القانونية والاتفاقية".

ووفق مفهوم الحكومة أيضًا، فإن الإضراب غير القانوني هو كل "ما ينتج عنه أعمال عنف واعتداءات وتهديدات ومناورات احتيالية بهدف المساس بحرية العمل أو تحريض العمال الأجراء غير المضربين على الانضمام إلى توقف عن العمل متفق عليه". وتوضع النقابة التي تبادر إلى تنظيم غير قانوني إلى عقوبة الحل بموجب أحكام المادة 46 من المشروع.

كما شددت الحكومة أنه "يعد إضرابًا غير قانوني في حالة مخالفة لاتفاق مصالحة أو وساطة أو حكم تحكيمي واجب النفاذ".

وتنصّ المادة 44 مثلًا على أنه عندما يتفق طرفا النزاع الجماعي (رب العمل والنقابة أو ممثلي العمال) على عرض نزاعهما على التحكيم "يعلق وجوبًا اللجوء إلى الإضراب أو يوقف في حالة اللجوء إليه".

ووضع مشروع القانون الجديد في مادته 48 قواعد جديدة تتعلق بممارسة حقّ الإضراب، إذ ينصّ على أن قرار الإضراب يجب أن يتخذ عن طريق التصويت السري، بالأغلبية المطلقة للعمال الحاضرين في جمعية عامة تضم ثلثي 3/2 العمال الذين يتكون منهم العمال المعنيين على الأقل، على أن يثبت بمحضر محضر قضائي وبحضور ممثلي المستخدم أو السلطة العمومية المختصة.

قانون النقابات

ويلزم مشروع النص في مواده 49، 50 و51 لأول مرة بإلزامية الإشعار بالإضراب من أجل وضع حد للإضرابات الفوضوية، وفي هذا الإطار يجب أن يتضمن الإشعار اسم المنظمة النقابية التمثيلية أو أسماء ممثلي العمال المنتخبين في حالة عدم وجود تمثيل نقابي، وكذا لقب واسم وصفة عضو هيئة القيادة أو الإدارة للمنظمة النقابية التمثيلية، أو ممثل العمال المنتخب الموقع على الإشعار، ومدة الإضراب وسببه ومكانه وتاريخ الشروع فيه وتوقيته.

وفي السياق ذاته، ينص المشروع "على أنه باطل وعديم الأثر، أي إشعار لمنظمة نقابية لم يتم إثبات وجودها القانوني أو تمثيليتها (المادة 52)، وأن الإشعار يبدأ من تاريخ إيداعه لدى المستخدم ومفتشية العمل المختصة إقليميًا، مقابل إشعار بالاستلام".

أما مدة الإشعار المطلوبة، قبل البدء في الإضراب، فقد تم رفعها من ثمانية أيام إلى عشرة أيام عمل وإلى خمسة عشر يوم عمل في قطاعات الأنشطة الأساسية طالما أن الإضراب قد يتسبب في ضرر بليغ بالمجتمع، حسب المشروع.

قانون النقابات

إجبارية ضمان الحد الأدنى من الخدمة

وكرس التشريع الجديد ممارسة الاقتطاعات المالية من الأجرة، مشددًا في المادة 55، أن أيام الإضراب لا تؤدي إلى أي تقاضي للأجر بسبب غياب الخدمة نتيجة ذلك. في مقابل ذلك يمنع أي انتداب استخلاف العمال المضربين ما عدا في وجود تسخير من السلطات العمومية في حالة رفض العمال ضمان الحد الأدنى من الخدمة المنصوص عليها في التشريع.

وقيد الإضراب في بعض الأنشطة التي يمكن أن يعتبر انقطاعها التام استمرار خدمات أساسية أو يمس الأنشطة الاقتصادية الحيوية لا سيما تموين المواطنين بالمنتجات الغذائية والصحية والطاقوية أو المحافظة على المنشآت والممتلكات الموجودة.

وأحال التشريع تطبيق أحكام هذا البند المنصوص عليه في المادة 62 على التنظيم إذ تحدد قائمة قطاعات النشاط ومناصب العمل التي تتطلب تنفيذ قدر أدنى إجباري من الخدمة عن طريق التنظيم.  على ألا يقل الحد الأدنى في القطاع الاقتصادي عن 30 بالمائة من العمال المعنيين بالإضراب.

حظر الإضراب في الأمن والدفاع الوطني

منع مشروع القانون في مادته 67 "المطاطية" اللجوء إلى الإضراب في ميادين الدفاع والأمن الوطنيين، وللمستخدمين الذين يمارسون وظائف السلطة باسم الدولة في القطاعات الاستراتيجية والحساسة السيادية وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للأمة، والتي قد يؤدي توقفها إلى تعريض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر أو من المحتمل أن يؤدي الإضراب من خلال أثاره إلى أزمة خطيرة على أن يحدد التنظيم قائمة القطاعات والمستخدمين والوظائف المعنية بمنع اللجوء إلى الإضراب بما يتيح للسلطات، هامشًا واسعًا للمناورة ، لكن من المتوقع أن تصطدم هذه الرغبة بمقاومة أعضاء البرلمان بالنظر إلى تبعات ذلك على حقوق ملايين من المنتسبين إلى قطاعات قد تعتبرها السلطات قطاعات دفاع وأمن.

بموجب المادة 68 تخضع النزاعات الجماعية للعمل التي يكون طرفًا فيها العمال الخاضعين لأحكام المادة 67 أعلاه، لإجراءات التسوية الإجبارية، وعند الاقتضاء، للدراسة من طرف اللجنة الوطنية أو اللجنة الولائية للتحكيم المنصوص عليها في أحكام المواد 71 إلى 76 أدناه.

التشريع الجديد كرس ممارسة الاقتطاعات المالية من أجرة العمال المضربين 

عمومًا، يتوقع أن يثير قانون تنظيم الإضرابات في الجزائر جدلًا واسعًا خلال قادم الأيام، بسبب تكريس المزيد من التضييق في مشروع القانون الجديد، وتقييد الحركات النقابية بقوانين "مبهمة" لا تسمح لقطاعات عمالية واسعة بالمطالبة بحقوقهم الاجتماعية والمهنية.