06-أبريل-2020

الوزير الأوّل عبد العزيز جراد (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

رافق تشكيل الحكومة الجزائرية موجة غضب واسعة في الشارع الجزائري، الذي كان متمسكًا بمطالبه في الشارع، ورافض للانتخابات الرئاسية، ولكن الرئيس عبد المجيد تبون، في الخامس كانون الثاني/جانفي الماضي بالرغم من ذلك، أعلن عن تشكيل أول حكومة في عهدته الرئاسية الأولى، ضمّت وزراء وأساتذة جامعيين وخبراء وكفاءات، وضع على عاتقها مساعدته في تنفيذ خطته للإصلاح السياسي والدستوري حتى إجراء الانتخابات البرلمانية، التي تعهد الرئيس بتنظيمها قبل نهاية السنة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية عاجلة ومواصلة مكافحة الفساد، وإن أبدى بعض الوزراء جدّية في قطاعاتهم الوزارية، فإن قطاعات أخرى كانت انطلاقتها بطيئة نتيجة عوامل متعدّدة. 

بقدر ما صعبت هذه الأزمات من عمل الحكومة في بدايتها، فإنّها وفرّت لها في المقابل فرصة ثمينة لكسب الثقة

بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة الجزائرية الجديدة برئاسة عبد العزيز جراد، يُواجه طاقمها اليوم مجموعة من التحديات الطارئة، فلم تكد الحكومة تتجاوز الشهر الأوّل حتّى كانت أزمة النفط تطفو إلى السطح، بكل ما تحمل من تداعيات اقتصادية واجتماعية، ولم تكد الحكومة تبدأ تدابير شدّ الحزام والتقشّف حتى استشرت الأزمة الوبائية في البلاد، أزمتان قاسيتان في وجه حكومة فتية تواجه أيضًا، أزمة ثقة عميقة هي جزءٌ من مخلفات المراحل السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر وانهيار أسعار النفط.. الحكومة بين طبع النقود والاستدانة الخارجية

 

فرصة ثمينة 

 لكن هذه الأزمات كلّها وبقدر ما صعبت من عمل الحكومة في بدايتها، فإنّها وفرّت لها في المقابل فرصة ثمينة لكسب الثقة واسترجاعها مع الجزائريين، وإبراز القدرة السياسية للطاقم الحكومي الجديد على رفع التحدّي والتكيف مع وضع الأزمة ووضع حلول عاجلة، تطمئن الجزائريين بشأن خيارات الحكومة والسلطة السياسية الجديدة ، خاصّة وأن الحكومة تضمّ مجموعة من التكنوقراطيين، الذين ينتظر منهم تطوير أداء قطاعاتهم الوزارية، وإحداث القطيعة مع السياسات وأساليب التسيير المنتهجة في المراحل السابقة، إضافة إلى أن مجموع القوى السياسية والمدنية أخلت الساحة وعلق الحراك مظاهراته وفعالياته الاحتجاجية، لمنح الفرصة للحكومة لمواجهة أزمة كورونا.

في الوقت الحالي وأكثر من أيّ صعوبات أخرى، تمثّل الأزمة الوبائية بحسب الناشط السياسي المحامي عمار قردود "امتحانا مركزيًا تعمل الحكومة الحالية على تخطّيه، في وقت انتشار فيروس كورونا، والآثار والتداعيات المتعدّدة الناجمة عن الأزمة والتدابير الحكومية لمواجهتها"، موضحًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الوباء "سيترتب عليه رضا الجزائريين بأداء الحكومة من عدمه"، خاصّة وأن بعض الانتقادات بدأت تطال الحكومة بسبب الإخفاق في التأخّر في فرض واتخاذ التدابير المبكّرة لمواجهة الأزمة.

كما لاحت في يوميات بدء فرض الحجر الصحّي وتفشّي الفيروس في 42 ولاية جزائرية، نقائص على المستوى الصحّي، كنقص المعدات الصحية وشكاوى الأطباء والسلك الطبي عمومًا، من عدم توفر أدوات السلامة لمباشرة عملهم اليومي، فضلًا عن أزمة السميد، التي خرجت للعلن، وهي الأزمة التي تحاول وزارة التجارة التحكّم فيها مع تزايد المضاربين في للأسواق وندرة في بعض المواد الأساسية. 

وخلال زيارته، إلى ولاية البليدة أعلن الوزير الأول بأن الأزمة صحية وليست تموينية، مطمئنًا الجزائريين أن الدولة ستتكفل باحتياجاتهم، إذ زار يومها مخازن الحبوب بولاية تيبازة، معلنًا توفر المادة الأساسية التي أحدثت ضجّة في الشارع الجزائري.

وإضافة إلى ما سبق، وجّه جراد دعوات رسمية للالتفاف المواطنين والتعاون مع المسئولين في الولايات وتنصيب ممثلين عن الأحياء في جميع البلديات، لتسهيل مهمة إحصاء الأسر المعوزة عبر الأحياء، وتمكينها من الضروريات في الحياة اليومية، خلال هذه الفترة.

 وجوه فتية في قلب الأزمة

في مقابل ذلك، هناك بعض النجاحات التي تُحسب للحكومة الحالية، يقول المختص في الاتصال، الأستاذ محمد عمراني، إذ عدد لـ"الترا جزائر" أهم النقاط التي تعوّل على الحكومة الاستمرار فيها ، إذ تمكنت وزارة التجارة من  ضبط الأسعار ومحاربة المضاربة، التي" لا يمكن أن نغضّ الطرف عنها في الداخل الجزائري، عقب حالة الهلع وسط المواطنين "، علاوة على "تحسّن الأداء الاتصالي على مستوى وزارة الصحة وتفرد اللجنة العلمية  لرصد ومتابعة الوباء، وتحسّن السياسيات التواصل عبر القنوات، من خلال إطلاق القنوات العمومية والخاصة برامج تعليمة، من شأنها مرافقة التلاميذ في فترة العطلة الإجبارية، بسبب " كورونا"،  علاوة على  تسيير حسن لأزمة العالقين  في الخارج رغم مختلف الانتقادات التي وجهت إليها.

على الأرض، ما يقوم به وزير التجارة كمال رزيق في متابعة مختلف الهيئات التابعة لدوائره القطاعية، تعدّ خطوات إيجابية بحسب متابعين، في محاولاته الحثيثة، لتقييد عمليات المضاربة، رغم صعوبة التحكم فيها، في ظل الوضع الحالي، فيما غابت بعض القطاعات الوزارية رغم أهميتها، وتباطؤ مواجهة الأزمة منذ إعلان العطلة في قطاع التربية والجامعات، أمام نقص فادح في استعمال المنصات التعليمية وعدم توفرها لجميع التلاميذ والطلبة، خصوصا في المناطق الداخلية. 

كما نلحظ مع هذه الأزمة، غياب القطاعات الضرورية، كتوفير خدمات الإنترنيت على كل الأصعدة، فالقاعدة الرقمية مازالت لا تشتغل في جميع القطاعات، بالإضافة إلى التأخّر الذي شهدته وزارة التضامن في التفاعل مع الأزمة بحسب تصريح الباحث في علم الاجتماع عبد النور سعدي لـ "الترا جزائر"، فإن "تأخّرها في اقتراح بدائل تكافلية مع العائلات الفقيرة والمناطق الفقيرة للتضامن معها"، فضلًا عن " مواكبة وتأطير المبادرات التضامنية التي قوم بها الجمعيات الأهلية المحلية".

غياب الظّاهر لوزارة التضامن في بدايات الأزمة، دفع بتدخّل عديد القطاعات في العملية، خاصّة على مستوى جمع التبرّعات، وإيجاد مخارج لحماية الأشخاص بلا مأوى في الشوارع من طرف متطوّعين، من جمعيات خيرية وطبية وبيئية في ظلّ تفشي الوباء.

في قلب الأزمات 

يفسّر كثير من خبراء تسيير الأزمات أن بعض الإخفاقات، هي تحصيل حاصل لتراكمات السنوات السابقة أولًا، كما قال الأستاذ في الاقتصاد محمد الطاهر لحول في حديث إلى "الترا جزائر"، معبرًا عنها بالقول إنها تشبه: "من يريد أن يرمم بيتًا على تصميم خاطئ، ويعيد بناء البيت على مساحة ضيقة"، موضحًا أنّ تسيير الأزمات من هذا النوع خصوصًا، هو شغل السنوات والتعامل مع أزمة مستجدة يحتاج لعديد من لفواعل من المواطن إلى المسئول، خصوصًا أنها تتعلّق بذهنية الجزائري الذي لا زال لحد اليوم يخرج للأسواق ويدخل التجمّعات.

ثانيًا، بعض الإخفاقات المسجّلة،" تعود لكون بعض الوزراء جُدد ولم يسبق لهم أن سيروا إدارات، بحجم وزارة، حسب المتحدّث، إذ  "لم تكن الفترة الماضية كافية لتحقيق الانسجام والتكامل بين القطاعات الوزارية".

إنه من المبكّر الحكم على أداء الحكومة الحالية، في ظلّ الأزمة الوبائية،  لكون الفترة غير كافية لذلك

إنه من المبكّر الحكم على أداء الحكومة الحالية، في ظلّ الأزمة الوبائية،  لكون الفترة غير كافية لذلك، لكن على الحكومة ألا تضيّع هذه الفرصة لاسترجاع ثقة الجزائريين، ففي حال ما إذا نجحت في تسيير الأزمة بأقلّ كلفة، مثل تجهيز  المستشفيات، وتحفيز الكوادر الطبية، و ضبط الأسعار وضمان تموين السوق بهدف تزويد الجزائريين بحاجياتهم، إضافة إلى الاشتغال على تطوير السياسات الاتصالية والأداء الإعلامي، يُمكن أن نبني تبعًا لها، إدارات المخاطر وتسيير الأزمات، وتحسين الأداء على المستوى الشعبي في التعامل مع أي طارئ. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

دول "أوبك" تمدّد اتفاق خفض الإنتاج جرّاء "كورونا"

فيروس كورونا يجبر "أوبك" على خفضٍ جديدٍ للإنتاج