بدأت الحكومة الجزائرية بالعمل وفق خطّة تنظيم محليّ، تتعلق بلجان الأحياء في المدن والقرى والأرياف، تهدف إلى إحصاء العائلات المعوزّة التي تحتاج إلى المئونة والمساعدات الاجتماعية في خضم الأزمة الوبائية، وضمان توجّه هذه المساعدات إلى مستحقيها، بعد فشل مجموع المبادرات والأساليب التي انتهجتها الحكومات السابقة في توزيع المساعدات.
نصّبت البلديات ممثّلًا ينوب عن جمعيات الأحياء أو عن لجان تمثل التجمعات السكنية في المدن
إدارة محلية لكورنا
من جهتها، نصّبت البلديات ممثّلًا ينوب عن جمعيات الأحياء، أو عن لجان تمثل التجمعات السكنية في المدن وممثلين وأعيان عن كل قرية في الريف، يتكفّل بتقديم قائمة عن العائلات المعوزّة، في كل حيّ وقرية وحاجياتها الأساسية، بحكم معرفته لهم ومعايشتهم عن قرب، والتواصل مع السلطات المحلية لتنظيم عملية التموين وتوزيع المساعدات، كما نُصّبت خلية في كل بلدية "لليقظة ومتابعة أزمة فيروس كورونا، تقوم بالتنسيق مع الممثلين ومع هذه اللجان الشعبية ، والتعاون مع الجمعيات الأهلية الناشطة في مجال التضامن ومكاتب الهلال الأحمر الجزائري وأفواج الكشافة الإسلامية الجزائرية.
اقرأ/ي أيضًا: بسبب كورونا.. تسهيلات جديدة لتأسيس الجمعيات في 10 أيّام
يأتي هذا، تطبيقًا لتعليمة كان وجهها الوزير الأوّل عبد العزيز جراد إلى الولاة ورؤساء الدوائر، تطلب الإسراع في تعيين ممثلين ومسئولي لجان شعبية على مستوى كل حيّ و قرية أو تجمع سكني، من المواطنين الذين يقيمون بها،على أن يكون المعينون يحظون باحترام السكان، لمساعدة السلطات في إحصاء الأسر التي تحتاج إلى المساعدات خلال فترة الحجر الصحّي، ونقل انشغالات السكان واحتياجاتهم إلى السلطات المحلية، ومساعدة السلطات العمومية على القيام بالعمليات الموجّهة لصالح لسكان.
تأطير التضامن والهبات
وتنطلق خطة التنظيم الأهلي في الأحياء والقرى، من تجارب ناجحة ومبادرات شهدتها مناطق عدة في الجزائر قد بادرت إلى هكذا تنظيم محلي وذاتي لإحصاء العائلات الفقيرة، وتوزيع المساعدات، إذ اعتبر الناشطون في الجمعيات الخيرية، أن الخطة هي خطوة لإنجاح العمليات التضامنية، في جميع المدن، مثلما يقول الناشط في جمعية "سواعد الخير" بولاية الشلف محمد سعدون لـ "الترا جزائر" لافتًا إلى القرى في المدن الداخلية، هي أهم ّحلقة يجب الوصول إليها، من جانب عملية التوعية والتحسيس من مخاطر وباء كورونا من جهة، وتقديم مساعدات وإيصال المؤونة إليها في ظلّ ظروف الحجر الصحّي، من جهة أخرى.
واعتبر الناشط على مستوى بلديات الشلف غربي البلاد، أن لجان الأحياء هي خطوة في ظلّ الأزمة الحالية، يمكن لها أن تستمرّ في باقي الأيام في ظروف أخرى، ومن شأنها أن تخلق هياكل تهتم بالشأن الخاصّ لكل منطقة وحلقة وصل بينها وبين رؤساء البلديات والولاة.
وتنقلت هذه الجمعيات، عبر عديد المدن الجزائرية خلال هذه الأزمة الوبائية إلى عدّة أحياء ومناطق من أجل تقديم المساعدات الغذائية وتوفير وسائل الوقاية لدى المعوزّين، تقول عضوة جمعية "ناس الخير" بولاية سكيكدة نوال سياري لـ "الترا جزائر"، مؤكّدة أن "لجان الأحياء هي وسيلة لتخفيف الضغط على المسؤولين في احتواء الوضع الصعب خلال الأزمة الوبائية".
تسهيلات في زمن الوباء
تسهيلًا لمهمّة هذه الجمعيات وتكّيفًا مع الوضع الراهان، وضعت وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ستة تسهيلات أمام المواطنين من أجل تأسيس جمعيات بلدية ذات طابع خيري وتضامني ولجان الأحياء والقرى والتجمّعات السكانية، وذلك تثمينًا للهبة التضامنية التي أبان عنها الجزائريون خلال أزمة كورونا "كوفيد- 19".
وأفاد بيان صادر عن وزارة الداخلية، مطلع الشهر الجاري، أنه "تثمينًا للهبة التضامنية للشعب الجزائري التي أبان عنها خلال أزمة كورونا، تُعلم الوزارة كافة المواطنات والمواطنين الراغبين في ممارسة العمل الجمعوي، بأنه يمكنهم تأسيس جمعيات بلدية ذات طابع خيري وتضامني ولجان الأحياء والقرى والتجمعّات السكانية، لتسهيل التواصل معها ومرافقتها في نشاطاتها من قبل السلطات العمومية، الأمر الذي من شأنه إرساء قواعد جديدة في تسيير الشؤون المحليّة".
ومن بين التسهيلات التي منحتها وزارة الداخلية للجمعيات الخيرية، هي دراسة ملفاتها في أجل لا يتعدّى 10 أيّام، إضافة إلى إسقاط شرط إثبات ملكية أو إيجار مقرّ للجمعية على المؤسّسين، والاكتفاء بإثبات محلّ يوضع تحت تصرفها، بناء على تصريح شرفي لصاحبه، إضافة إلى وضع قاعة اجتماع من قبل البلدية تحت تصرف الأعضاء المؤسّسين لعقد جمعيتهم العامّة، بحسب بيان الداخلية.
تأصيل لنماذج
تعتمد الخطة أيضًا، على نجاح واستمرار نماذج من نظام "تاجماعت" المتأصّل في منطقة القبائل والتي تشرف على إدارة الشؤون الاجتماعية وتنظيم المناسبات الخيرية وتوزيع المساعدات، في مختلف المناسبات، إذ عكف بعض الشباب في قرى تيزي وزو، على تنظيم فرق للمراقبة وتقديم المساعدات للأهالي في هذا الظرف وكذا أنموذج نظام الأحياء والعزابة في منطقة غرداية في الجنوب الشرقي البلاد، الذي يحرص على قضاء حوائج العائلات خاصّة منها الفقيرة.
وتتيح عملية التنظم المحلّي هذه، للحكومة بوضع بطاقية وطنية، وإحصاء للعائلات الفقيرة التي تحتاج الى المساعدات في المناسبات الدينية أو الدخول المدرسي، خاصّة وأن وزارة التضامن فشلت في وضع هذه البطاقية الوطنية، بسبب مشكلات لوجيستية وفساد مالي كان يمسّ بعمليات توزيع المساعدات المالية، أو العينية في السنوات السابقة، خاصّة ما عرف بـ "قفة رمضان" والاتهامات التي طالت بعض رؤساء البلديات في هذه العملية.
هنا، يرى متابعون للشأن العام في الجزائر، أن خطوة الحكومة لتنظيم الأحياء من طرف ممثلين عنها، هو اعتراف بفشل المؤسّسات الحكومية والمحلية في تحديد قائمة للعائلات الفقيرة خصوصًا في السنوات الأخيرة، بحسب الناشط الحقوقي محمد بودهان، كما أنه اعتراف بدور اللجان الأهلية والعودة إلى تمثيلية شعبية قاعدية المجتمع المدني، حسب قوله.
بودهان: تحوّلت بعض الجمعيات إلى جهاز للاستغلال السياسي في المناسبات السياسية والانتخابية
وأَضاف بودهان لـ "الترا جزائر"، أن اللجوء إلى الجمعيات إقرار بأهمية دور المجتمع المدني والحاجة إلى تنظيمه ليصبح أكثر فاعلية، بعدما شهدت ساحة العمل الجمعوي فوضى كبيرة خلال السنوات الماضية، نتيجة تحوله عن خطه الأساسي، وأهدافه، بل وأكثر من ذلك" تحولت بعض الجمعيات إلى جهاز للاستغلال السياسي في المناسبات السياسية والانتخابية فقط".
اقرأ/ي أيضًا:
مساعدات للمتضّررين من إجراءات الحجر.. "قفة رمضان" في نسختها الثانية؟
"سيلفي" مع المساعدات الإنسانية.. تشجيع على التبرّع أم تشهير بالمحتاجين؟