24-مارس-2021

مشهد من زلزال ولاية ميلة (فيسبوك/الترا جزائر)

يتّفق مختصون بأن المغرب العربي والجزائر منطقة نشاط زلزالي، وستشهد المزيد من هذه الظاهرة الطبيعية في السنوات المقبلة، بسبب التقارب الجيولوجي اليومي المستمر بين القارة الإفريقية والأوروبية، ما يجعل خطر حدوث هزات وزلازل مدمّرة، بل حتى تسونامي في البحر الأبيض المتوسط متوقعًا حسب خبراء الجيولوجيا ونشاط الكرة الأرضة.

عدد البنايات الهشة المهدّدة بالانهيار عند حدوث أي زلزال بشدّة عالية سيكون مهولًا بحسب الأرقام الرسمية

ووسط هذه التنبؤات العلمية، يتبادر التساؤل في الجزائر إن كانت السلطات الرسمية تأخذ هذه المعلومات بعين الاعتبار في رسم سياستها المستقبلية، لحماية سكانها والتكيف مع أيّ ظرف طبيعي قد يحدث بسبب هزّات أو زلازل أرضية غير مستبعدة، بالنظر إلى أنّ التجارب أثبتت أن تفاعل السلطات مع هذه الكوارث الطبيعية يبقى مجرّد ردّ فعل لا يبعث الاطمئنان وسط المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: زلزال بجاية: إحصاء أزيد من 300 بناية متضررة

إنذار بجاية

ذكّر الزلازل الذي شهدته ولاية بجاية قبل أيام، وبلغت شدّته 5.9 درجات على سلم ريختر، الجزائريين بأن بلادهم تبقى منطقة نشاط زلزالي تستدعي أخط الحيطة والحذر، خاصّة وأن سكان 12 ولاية  أحسوا الأربعاء الماضي بارتجاج الأرض في الجزائر، حسب ما أعلنته الحماية المدنية.

وتسبب زلزال بجاية في تضرر أزيد من 300 بناية، ما بين بنايات فردية وجماعية وهياكل عمومية، بدرجات متفاوتة الخطورة عقب الزلزال، وفق الحصيلة غير المكتملة للهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء.

في صبيحة الثلاثاء الماضي، أي بعد مرور أسبوع من وقوع الزلازل، شهدت ولاية بجاية انزلاقًا صخريًا كبيرًا بموقع رأس كربون، غير بعيد عن المنطقة التي وقع فيها الزلزال.

وقالت الحماية المدنية إن صخورًا كبيرة وقعت من أعلى الجبل بقوّة غير معتادة، مما تسبب في أضرار في الطريق المعبد الواقع في الأسفل وقطع الطرق المؤدّية للمكان المسمى مفتاح، مع العلم أن هذا الانهيار الصخري ليس الوحيد منذ وقوع الزلزال، فقد كانت هزّاته الارتدادية الممتدة على طول أسبوع تتسبب كل مرة في سقوط الحجارة والصخور.

وقبل بجاية شهدت ولايات جيجل وسكيكدة وقسنطينة هزّات زرعت الهلع وسط سكان هذه الولايات، كما سجّلت أضرارًا بسيطة بولاية جيجل المجاورة لبجاية شرق البلاد.

ورغم وعود السلطات بالتكفل السريع بالسكان المتضرّرين، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لطمأنة الجميع بالنظر إلى التجارب السابقة التي عاشها الجزائريون مع تبعات الهزات والزلازل الأرضية، آخرها الهزة الأرضية التي شهدتها ميلة التي لازال المتضرّرون منها إلى اليوم غير مقتنعين بطريقة معالجة السلطات لملفّ التكفل بهم.

ورغم مرور سنوات عن زلزال بومرداس الذي وقع في أيار ماي 2003، وزلزال الأصنام بولاية الشلف عام 1980، إلا أنه حتى الآن لا يزال العديد من المواطنين يشكون عدم تسوية وضعيتهم، ويطالبون بترحيلهم من شاليهات بُنيت بالأميونت منذ 40 سنة.

سكنات هشة

يرفع النسيج العمراني للجزائر في معظم الولايات من الأضرار المترتّبة عن الكوارث الطبيعية ومنها الزلازل، فوزارة الداخلية تعترف في موقعها الرسمي بأن الوضعية الهشة التي توجد بها عديد البنايات بالجزائر تزيد من أخطار الكوارث.

هنا، تقول وزارة الداخلية "بحكم موقعها الجغرافي بقى الجزائر معرّضة لعدد من الأخطار الكبيرة كالزلازل والفيضانات التي تستلزم تسييرًا مناسبًا للأزمة، كما أن هشاشة مدننا وأحيائنا حيال هذه الكوارث تفاقمت بسبب تمركز المدن الكبرى، ظاهرة تطورت بشكل فوضوي و بالقرب من الأقطاب الصناعية الكبيرة".

وقال وزير السكن السابق كمال ناصري في شباط فيفري الماضي، إن السلطات أحصت أكثر من 40 ألف وحدة سكنية أو عقار من البنايات الهشة بخمس مدن فقط هي العاصمة ووهران وسكيكدة وقسنطينة وعنابة، ما يعني أن الرقم الوطني لعدد البنايات الهشة المهدّدة بالانهيار عند حدوث أي هزة أو زلزال بشدة عالية على سلم ريختر سيكون مهولًا.

ورغم القوانين المشددة التي تم سنها بشأن الوقاية من خطر الزلازل بعد زلزال 21 ماي 2003 ببومرادس، إلا أن الواقع يؤكد في كل مرة أن خروقات وتجاوزات كبيرة لا تزال ترتكب في حق الجزائريين بتقديم بنايات مغشوشة لهم وحتى من تلك التي تسلمها السلطات الرسمية، وبل الصيغ السكنية من الاجتماعية حتى الترقوية، ولعل أبرز مثال انجراف التربة الذي عرفه موقع فوكة لسكنات عدل مؤخرا.

غياب مخطط

ينتقد مختصون عدم حرص السلطات على وضع مخططٍ واضح للتعامل مع الزلازل، بما أن الجزائر ستشهد دائمًا نشاطًا زلزاليًا، وفي مقدمة هؤلاء رئيس نادي المخاطر الكبرى شلغوم عبد الكريم، الذي ينادي منذ سنوات بوضع سياسة وقائية من الكوارث الطبيعية، ومنها الزلازل، كعدم البناء على ضفاف الوديان وفي التربة الهشّة، مع احترام خرائط المخاطر المتعلقة بكل بلدية وولاية بمراعاة ما جاء فيها عند إنجاز أي مشروع.

وعلى الرغم من عدم افتقار الجزائر لمختصين في مجال الزلازل والجيولوجيا كباقي المجالات الأخرى، إلا أن استعانة السلطات بالكفاءات العلمية، وتطوير البحث في هذا المجال يبقى متأخرا، إضافة إلى أن توفير المعلومة بشأن النشاط الزلزالي تظل متأخرة حتى ولو تحسنت مقارنة بالسنوات الماضية، ولعل أبرز مثال يلاحظه الجميع هو أن التعرف على شدة الهزة يكون في حينه عند الاستعانة بمراكز عالمية متخصصة كالمركزين الأوروبي والأمريكي لرصد الزلازل، في حين يحتاج مركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء الجزائري إلى 10 دقائق على الأقل لتحديد قوة الهزة الأرضية وتحديد مكان وقوعها.

ودعا شلغوم الحكومة في مرات عدة إلى إجراء دراسة حول حجم المخاطر المتوقعة ووضع آليات التعامل معها، مشددا في  الوقت ذاته على "فتح المجال أمام الكفاءات الجامعية المهمشة، وتجاوز الخطاب التقليدي السائد منذ زلزال بومرداس عام 2003، في التعامل مع الكوارث".

يتأكّد أن الجزائر بلد زلزالي بامتياز يتطلّب من المواطنين التكيف مع هذا الواقع

وبالعودة إلى تصريحات المختصّين والرسميين، يتأكّد أن الجزائر بلد زلزالي بامتياز يتطلّب من المواطنين التكيف مع هذا الواقع، لكن قبل ذلك، يتوجّب على السلطات العمل أولًا على اتخاذ التدابير اللازمة للتقليل من حجم هذه الظاهرة الطبيعية، وتوعية المواطنين وتعليمهم كيفة التعامل معها عند وقوعها، إضافة إلى توفير مختصّين في هذا المجال من كل النواحي لزرع ثقافة التعامل مع الكوارث الطبيعية، وهي العملية التي تنطلق من المناهج التعليمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسؤول بالداخلية: لا وجود لخطر تسونامي بعد زلزال بجاية

بقوة 5.9 درجات.. زلزال ببجاية شعر به سكان 12 ولاية