26-مايو-2021

القوائم المستقلة تفوقت عدديًا على القوائم الحزبية في التشريعيات (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

تخوض الأحزاب السياسية والمرشّحون الأحرار حملتهم الدعائية للانتخابات التشريعية، في ظل منافسة انتخابية تختلف عن آخر انتخابات برلمانية نظّمتها الجزائر سنة 2017، بناءً على أربع مستويات منها ما هو سياسي وما هو قانوني، ومنها ما هو اجتماعي وما هو تنظيمي. 

يحاول قادة الأحزاب السياسية في تجمعاتهم الانتخابية التواصل مع المواطنين رغم تداعيات الأزمة الصحيّة والغليان الاجتماعي

ومع بدء الحملة الانتخابية، التي انطلقت يوم الخميس الماضي، يُحاول قادة الأحزاب السياسية في تجمعاتهم الانتخابية أو الترويجية لمرشحيهم وبرامجهم السياسية، التقدم بالمشاريع واللقاء المباشر مع المواطنين، رغم تداعيات الأزمة الصحيّة والغليان الاجتماعي. 

اقرأ/ي أيضًا: مواقع التواصل والتشريعيات.. ملاذٌ دعائي واقتصادي للمترشّحين الشباب

العملية السياسية ظاهريًا

الملفت للانتباه أن المترشّحين سيخوضون الحملة الانتخابية في تجربتهم الأولى من نوعها تحت سلطة وطنية مستقلة للانتخابات، والتي نظمت استفتاء الدستور في نهاية السنة الماضية، بعدما كانت تتحكم في دواليب مقاعد البرلمان وزارة الداخلية والإدارة غير المستقلة عن الفواعل السياسية الموجودة قبل هذه الفترة، وتحت مِظلّة دستور جديد وقانون انتخابي جديد. 

العوامل السابقة، تبقى الحاضنة الكبرى لأيّ استحقاق انتخابي، من حيث الشكل، لكن في المقابل لو اتبعنا هذا المسار منذ إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن حلّ الغرفة السفلى للبرلمان، واستدعاء الهيئة الناخبة لإجراء انتخابات برلمانية، نجد أنّ هذه الأخيرة أكثر الاستحقاقات تعقيدًا وصعوبة من منظور كميّ ومن منظور إجرائي في الميدان، ومن ناحية استيعاب الناخبين وكسب ثقتهم. 

أوجه الحملة  

سياسيا، تعتبر التشريعيات من أهم الانتخابات التي تقوم عليها المنظومة السياسية، بإفرازها النخبة التشريعية في الجزائر، ووسيلة لجسّ نبض المكّونات السياسية لمدى انتِشارها في الساحة السياسية الجزائرية وحيازتها على قاعدة شعبية، تحسبًا للانتخابات المحلية المنتظرة قبل نهاية السنة.

هذه المرّة سيكون للانتخابات طعم آخر من حيث التمثيل والتقبّل في الميدان؛ أولًا على المستوى التنافسي فيما بين الأحزاب السياسية التي دخلت غمار التشريعيات، إذ يعتقد المتابعون للشأن السياسي في الجزائر أن المنافسة فيما بين الأحزاب ستكون "شديدة من جهة وحادة تارة وصعبة تارة أخرى"، بسبب مستجدات الوضع السياسي في الجزائر ما بعد حراك الـ22 فبراير/ شباط 2019، الذي أسهم في تغيير الخارطة السياسية عمومًا. 

وفي علاقة مع المعترك الانتخابي، يرى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية كريم بوزناد أنه من خلال متابعته لمواقف الأحزاب السياسية في الجزائر خلال العشرين سنة الأخيرة، كانت هذه الكيانات السياسية تتخذ خطوة للأمام وخطوات للوراء، " صحيح أن السياسة هي فنّ الممكن، لكنها غالبا ما تشارك بقوة في أي استحقاق سواء على مستوى الغرفة التشريعية أو في الانتخابات البلدية والولائية، معتقدًا في حديثه لـ "الترا جزائر" أن هذه الخطوات تستعجل دومًا "حجز مكانة أو مقعد أو تمثيل على نطاق مركزي في الغرفة السفلى في البرلمان، ونطاق محلّي بالقرب من المواطن. 

وشدّد المتحدّث على أن الأحزاب على اختلاف توجهاتها ستكون المنافسة حادة فيما بينها من ناحية "البرامج المعروضة لاستقطاب الناخبين، خاصّة أنها في وقت سابق أي قبل الحراك الشعبي كانت تقتسم الميدان من حيث التمثيل الشعبي وانخراط المواطن معها، وتخندق العديد منها في دعم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

هذا الجانب في نظر المتحدّث؛ يجعل الأحزاب على قدم مساواة فيما تعلق بـ" مُضاعفة الجُهد لإقناع المواطنين، لأنها أحد صور المنظومة السياسية السابقة وجهاز من أجهزتها، خاصة وأنها اليوم تتحمّل تراكمات سلبية والاتّهامات التي طالتها بضلوعها في الفساد"، على حدّ قوله. 

ورطة أحزاب المولاة 

من جانب آخر، تظلّ حزاب الموالاة اليوم تتخبط بين تبييض صورتها وتخفيف ديونها من تركة الرئيس بوتفليقة، وهو ما جعلها تتوجه نحو تشكيل قوائمها بوجوه جديدة، وغير معروفة ولا علاقة لها بالحزب حتى، وهو ما نلاحظه من خلال المعلنة اليوم.

ويأتي هذا الرأي، حسب المسؤولين في تلك الأحزاب نحو ّجبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" وحزب "أمل الجزائر"، كتوجه نحو " التشبيب" و" التجديد" على حدّ تعبيرهم، رغم أن "البرامج والخطابات السياسية لقيادييها مازالت تتخذ من القديم جديدا، باستعمال عبارات تعوّد عليها المواطن في فترة حكم بوتفليقة". 

 سياسيًا دائمًا، هناك مُستوى ثاني من المشهد العام خِلال الحملة الانتخابية، قطاع من المكونات السياسية من الأحزاب المحسوبة على المعارضة السياسية والمعارِضة للمسَار الانتخابي ككلّ، فالأولى وجدت نفسها منخرطة في العملية السياسية وكسبت نقطة لصالحها بينما الثانية قررت عدم المشاركة في الانتخابات جملة وتفصيلا. 

ويعتقد الناشط فريد عمراني أن "الطبقة السياسية متشظِّية ومنقسِمة عل نفسها"، خصوصا وأن "اللّعبة السياسية باتت مفضوحة بعد الحراك الشعبي، فبقاء المعارضة التي تشارك في الاستحقاقات، لا يمكن لها أن تعيد رسم الخارطة السياسية من جديد، أمام حالة فقدان الثقة للمواطن" كما قال.

مقاطعة الانتخابات

وما يُعزّز هذه الرؤية، أضاف الحقوقي عمراني في تصريح لـ "الترا جزائر" أنّ الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن تبنِّي الدّستور، بنتائج رقمية ونسبة تُظهر مدى ابتعاد النّاخبين عن "السياسة من منظور هيكلي وانتخابات من منظور تنظيمي لتفعيل مؤسسات جديدة" حسب قوله.

وواصل قائلًا أن هذا الابتعاد عن العملية الانتخابية مرده أسباب كثيرة أهمها تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي سيعمّق الهوة بين السياسيين من مترشحين وأحزاب والمواطن، إذ يظلّ السؤال المطروح مفاده: "كيف يمكن تجسيد تلك الوعود التي تقدمها الفئة المترشحة للبرلمان، وكيف يمكن إقناع قطاع كبير من الجزائريين للذهاب إلى مراكز الاقتراع؟، على حدّ قوله. 

تمييع المشاركة؟  

بينما يظلّ المستوى الثالث هو الظّاهر هذه المرة، إذ تفوّقت القوائم المستقلة كميًا على الأحزاب، بسبب معطيات عديدة، ذكرها الأستاذ عمراني، أهمّها دستور جديد، وقانون انتخابي جديد فرض العديد من الإجراءات التي منعت قانونيًا عديد الوجوه من تكرار الترشح للبرلمان، فضلا عن فرض قانون المناصفة بين النساء والرجال وتشجيع الشباب لخوض المنافسة الانتخابية. 

إن التدقيق في مسار الانتخابات في الجزائر، يحيلنا إلى الحديث عن مدّ وجزر في العملية برمّتها، وهو المستوى الرابع من المشهد العام للحملة الانتخابية، فالمتغيرات السياسية الحاصلة تؤدي بنا إلى الاعتقاد أن الانتخابات ستكون طبيعية، وهو الطرّح الذي لفتت إليه الناشطة الحقوقية والاستاذة بكلية العلوم القانونية بجامعة باتنة شرق الجزائر زهية عرامة.

 وفي قراءتها لشرط الانتخابات المتعلق بالمناصفة من خلال المادة 317، ترى الناشطة عرامة في تصريحها لـ "الترا جزائر"، أنّ القوائم المعروضة على الناخبين اليوم أغلبها من المترشّحين سواءً تحت غطاء حزبي أو قوائم حرة، "لم يبذلوا جهدًا كافيًا لإشراك المرأة في النشاط السياسي وتكوينها تكوينًا قائمًا على قواعد العملية السياسية"، وهو ما يُضمِر حسب رأيها "نظرية ملء الفراغ بوجوه لم يسبق لها أن تكوّنت سياسيًا أو دون مشروع في الأفق". 

قانون الانتخابات الجديد فرض العديد من الإجراءات التي منعت قانونيًا عدّة وجوه من تكرار الترشح للبرلمان

وفي انتظار تفكيك برامج المرشّحين خلال أيّام الحملة الانتخابية، ينظُرُ هذا الموقف، بعين أوّلية لبعض الأسماء والوُجُوه التي تصدَّرت واجهات القوائم، وكأنّنا أمام "ديكور وقتي أو ظرفي، نعتمد عليه في الاستحقاق التشريعي، دون محتوى فعلي، يؤسّس لأعضاء المجلس الشعبي الوطني والتشكيلة البرلمانية لهيئة التشريع في الجزائر" على حدّ تعبيرها.