23-أبريل-2019

اختفت الهجرة غير الشرعية من الجزائر خلال أسابيع الحراك (Daily Mirror)

"لدي حلم"، الجملة التي خرجت من فم مارتن لوثر كينغ في 28 آب/أغسطس 1963، بعد مسيرة واشنطن للحرية، عندما عبر عن رغبته في رؤية مستقبل مشترك للسود والبيض في أرض الولايات المتحدة الأمريكية، لتدخل بعد ذلك هذه الجملة التاريخ لأنها عبرت بصدق وقوة عن رؤية لقيم إنسانية مشتركة.

خلال أسابيع معدودة من الحراك، اكتشف الجزائريون بعضهم، وأصبح الاحترام علامة مشتركة بين الجميع

منذ أن خرج الجزائريون في حراك 22 شباط/فبراير، وهم يحملون أحلامًا على أكتافهم وتطلعات إنسانية لهم ولأطفالهم، متعلقين بالوطن وبرايته وشهدائه وأبطاله، برموزه ومختلف مناطقه. وفي أسابيع معدودة اكتشف الجزائريون بعضهم بعضًا أكثر من ذي قبل، وأصبح الاحترام علامة مشتركة بين الجميع، بعيدًا عن جاهلية الجهويات والعصبيات والعرقيات والأيديولوجيات ومعارك الهوية البغيضة، مع التمسك بالسلمية والحضارية، والدستور والقانون ودولة المؤسسات الديمقرطية.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون يربحون أنفسهم في الحراك

"لدي حلم"، نعم لدي حلم في وطن ديمقراطي ومتنوع ومحترم وسيد وشامخ كشموخ جباله. وطن للمواطنين. وطن لا تهرب منه عصافيره إلى سماوات أكثر زرقة ورحابة، وتترك أمهاتها تعصرهن الحيرة على فلذات أكبادهن؛ فمن الأمور الإيجابية التي أعادها الحراك الشعبي للبلاد، عدم تسجيل الجهات المختصة أي محاولات للهجرة غير الشرعية، أو "الحرقة" باللهجة العامية، عبر قوارب الموت نحو الضفة الشمالية للمتوسط، بعد أن هبت رياح الأمل على المجتمع الجزائري الشاب في غالبيته باسترجاع وطنه وإعادة تنميته مجددًا.

بعد مأساة العشرية السوداء، استقبل الجزائريون الألفية الجديدة بوجه جديد، ومسحوا الدموع بمناديل مقطعة. كانوا يظنون أن عصر "المصالحة الوطنية" سيعيد لهم الثقة في بلادهم التي ضحى في سبيل استقلالها الملايين من الشهداء. لكن في السنوات القليلة الماضية، عرفت ظاهرة الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر تزايدًا مستمرًا، فآلاف الشباب من شرق وغرب البلاد ومن عاصمتها، اختاروا حل الهروب من الجزائر إلى "الإلدورادو" الأوروبي المفقود في بلادهم، رغم الإجراءات القانونية المتخذة في سبيل الحد منها، فتساءل الأوروبيون لماذا يهجر الجزائريون بلدهم الغني على قوارب الموت؟!

واعترفت وزارة الداخلية في كانون الثاني/يناير الماضي، وكان على رأسها رئيس الوزراء الحالي نور الدين بدوي، بأن الهجرة غير الشرعية شهدت تزايدًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، كما أنها اعترفت أخيرًا، بأنه ظاهرة "تبعث على القلق على جميع الأصعدة".

غير أنه، وبهذه الاعترافات، لكن لم تحاور الوزارة، ولا أي من السلطات المعنية، حراقًا واحدًا، ليحكي تجربته الأليمة، ودوافعه للهجرة بهذه الطريقة التي يحكمها الموت في كثير من الأحيان.

ثم كانت المفاجأة بأن خلصت الوزارة آنذاك، إلى سببين في الحرقة، هما كما قالت: مواقع التواصل الاجتماعي، وأغاني الملاعب! في النهاية إذًا، وفقًا للوزارة، فالحرقة ليست نتيجة فشل حكومي ولا أزمة اقتصادية ولا انعدام أمل في بلد غني بموارده الطبيعية وثرواته، وإنما المشكلة في الشباب الذي ألصق به البعض تهمًا كثيرة وطعنوا حتى في وطنيته!

أما الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، الذي يواجه اليوم مشاكل مع القضاء في اتهامات بالفساد، فرد على الظاهرة بجواب غريب، حين قال إنه لا يفهم سبب الحرقة، لأن في البلاد "قطاعات اقتصادية تطلب يد عاملة، ولكنها لم تجد عمالًا"، على حد قوله، وهو الذي ترأس بنفسه أربع حكومات منذ التسعينات، مع الرئيسين السابقين زروال وبوتفليقة.

 أعاد الحراك السلمي شيئًا من الأمل للشاب الجزائري، بأن يبقى في بلده لمرحلة يأمل فيها البناء والتشييد والتطوير والتنمية

على كل ذهب هؤلاء، وإن كان بدوي لا يزال باقيًا مع مطالب واسعة برحيله. وأعاد الحراك السلمي شيئًا من الأمل للشاب الجزائري، بأن يبقى في بلده لمرحلة يأمل فيها البناء والتشييد والتطوير والتنمية، وتحسين الأوضاع المعيشية، بما يتوفر عليه بلده من مقدرات طبيعية وبشرية، تسمح له بالبقاء صامدًا، وهو يعلم ذلك تمامًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر جمهورية وليست ملكية!

شباب جزائريون هاجروا إلى فرنسا.. ما أجمل الجوّ هنا!