01-مايو-2022
أطفال يلعبون

قبل أيام قليلة، أثار الحفل الغنائي في قرية أمشدالة جدلًا واسعًا على مواقع السوشيل ميديا، وتداولت مقاطع مصورة قصيرة تظهر إمام المسجد وهو يطالب عبر مكبر الصوت القائمين على الحفل بالتوقف ومراعاة حرمة المسجد وشهر رمضان، وفي كلمة انتقد الإمام الحضور والمنظمين بقوله " تبًا لكم... اللعنة على من انتهك حرمة هذا المكان... سحقًا لكم ... يا من لا خلاق لكم... رعاع.. سفلة".

قد تكون حادثة أمشدالة مناسبة وفرصة إلى مناقشة طبيعة الخطاب المسجدي والمؤسّسة الدينية في الجزائر

قد تكون حادثة أمشدالة مناسبة وفرصة إلى مناقشة طبيعة الخطاب المسجدي والمؤسّسة الدينية عمومًا في الجزائر، والنظر في ماهية تكوين الأئمة والوعاظ، السياق يمليه أيضًا دخول لاعبين جدد على الساحة الدعوية والدينية دون معرفة التأهيل المعرفي والخلفيات الأيدلوجية، في ظلّ توفر منصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب والاعلام الجديد، أصبحت المنصات أوسع وأكثر، فقد تم إسقاط الاحتكار على المنابر المسجدية في مخاطبة عموم الناس، وبالتالي فإن فتح الحوار ورصد الخطاب الديني وفاعليه، أمسى من أولويات مؤسّسات الدولة والنخبة الأكاديمية والمعرفية ورجال الدين.

تجدر الإشارة أن الخطاب المسجدي والديني كان في فترات مضت رهينة العقل السياسي الحزبي، وأُقحمت المؤسّسة الدينية في صراعات وصدامات بين أطراف كافة  التيار  الإسلام السياسي والإصلاحي، فقد سَعت كل فئة إلى الاستحواذ على المنابر الدينية، على غرار تيار الإخوان المسلمين والتيارات السلفية المتعددة والمتنوعة.

في مقابل ذلك، حاولت الجهات الوصية المتمثلة في وزارة الشؤون الدينية تأطير وتوظيف القائمين على الإمامة والخطابة، وتسيي دعم الجهات الرسميةفي حوادث كثيرة من اعتداءات جسديًا على الائمة، وتحريض أبناء الأحياء على طرد الإمام المعين من طرف الوصاية، و قد نتج عن ضعف الرقابة والتأطير من طرف مؤسّسات الدولة أن سيطرت أصوات متطرفة تدعوا إلى العنف المسلح والتمرّد على الدولة ببعض المناطق الوطن، وكان الحلّ حينها التعامل الأمني والغلق الإداري والفوري من طرف السلطات السياسية والإدارية.

واليوم نحن في أمس الحاجة إلى الاهتمام بالخطاب المسجدي ومن زواية متعددة تتعلق بالأمن القومي والأمن الفكري-الروحي والأمن الثقافي والهوياتي، وهذا نظرًا إلى التحولات المجتمعية الجذرية والبيئة الدينية المنفتحة على التيارات والمناهج التي باتت تخدم المصالح الجيو سياسية والجيو إقليمية، ومحاولة إعادة تمركز بؤر العنف المسلح في الساحل الأفريقي.

وبناء على ذلك فإنه بات من الضروري على المؤسّسة الدينية والمسجدية تجاوز الطابع التراثي والعقل الفقهي في علاقاتها المجتمعية، وتجاوز الحساسيات السياسية الضيقة وعدم الانخراط في السجالات الهامشية والثانوية التي تتناولها وتفرضها المواقع التواصل الاجتماعي، وعليه لا بدّ من العبور إلى أداء أدوار هامة ومركزية تعمل على تعزيز التكوين الروحي والنفسي للمجتمع، وتغذي التسامح والاعتدال ومنصة الواسطية والاستقامة، وتعمل المؤسسة المسجدية على ضمان الأمن الروحي والقومي والفكري، والمحافظة على انسجام المجتمعي بدل التصنيف والتمزيق والتفسيق والتكفير.

لابدّ من وضع استراتيجية جديدة ترتقي بالمؤسسة الدينية والقائمين عليها

إن الأوطان تعيش تحديات كثيرة، والاعتدال الديني لا يقل أهمية عن الاقتصاد والأمن والغذاء، وقد شهدنا كيف أن التطرف كان وسيلة من وسائل تدمير الأوطان كانت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية مستقرة، ولابدّ من وضع استراتيجية جديدة ترتقي بالمؤسسة الدينية والقائمين عليها، من ناحية تدعيم وتعزيز التكوين المعرفي والديني والفقهي والثقافي، وتُسلح بالمؤهلات الخطابية وأدواتها اللغوية والمصطلحية، وحتمية فتح المنابر أمام أهل الاختصاص في مجالات متنوعة، والحرص على الإصلاح والتجديد في المكون الديني والمرشد الدعوي، ما يأهله إلى أداء أدوار متوازنة تعكس النظرة إلى المستقبل.