03-أغسطس-2022
احتجاجات شباب بطال في الجزائر العاصمة (تصوير: فارق باتيش/أ.ف.ب)

احتجاجات شباب بطال في الجزائر العاصمة (تصوير: فارق باتيش/أ.ف.ب)

لا تختلِف المؤسّسات العمومية والخاصة في الجزائر في شروط التوظيف كثيرًا، إذ تتقاطع بعضها في مطلب السنّ والتخصّص، فيما يتباعد بعضها فيما يتعلّق بحجم الساعي للعمل وطريقة التعامل مع الموظّف من حيث الأجور والعِلاوات بينما تتفق أغلبها في شرط واحد ألا وهو  الخِبرة فكلّ مؤسّسة حسب استراتيجيتها العامّة تحتاج للخبرات لتدعّم طاقمها المهني، أكثر ماهي بحاجة لموظّف تستهلك وقتا ومالا من أجل تحضيره للعمل وتكوينه.

في طابور الانتظار لإجراء مسابقة توظيف الأساتذة الجامعيين، تساءلت سليمة ساري ذات الـ 34 سنة سؤالًا جوهريًا، مفاده: كيف يمكن الحصول على خِبرة سابقة إن كانت غالبية الوظائف تطلب خِبرة سابقة؟

مُراكمة سنوات العمل

سؤال منطقي في جلسة جمعت عددًا من الحاصلين على شهادات عليا، من المقبِلين على وضع ملفّات مسابقة التّوظيف دامت أكثر من أربع ساعات، وجعلها جلسة خفيفة جدًا، إذ تعرّض أغلب الحاضرين من المتوّجين بالشهادات لهذه النقطة المفصلية من أي ملف حتّى يُقبل للدّراسة من قِبَل لجنة مسابقات التوظيف وخاصة منها المقابلة الشّفهية.

يتساءل كثيرون عن معنى التي تطلبها المؤسّسات في الجزائر لتوظيف العمال، ولماذا يعتبر البعض الخبرة من الشروط التعجيزية؟

بكلّ بساطة: ما معنى الخِبرة التي تطلبها المؤسّسات في الجزائر لتوظيف العمال؟ ولماذا يعتبر البعض هذا الشّرط من الشّروط التّعجيزية التي يجدها المتخرِّجون حديثًا من الجامعات كعائق أساسي لبلوغهم هدف التوظيف؟ وهل الخِبرة هي مكتسبة مع الممارسة منذ الحصول على الشّهادات العليا أم هي مكتسبة في تجربة سابقة حتى وإن كانت في مؤسّسات متفرقة يهدف البعض تكدسيها للتقدّم لوظيفة أعلى وأفضل؟

أسئلة وغيرها كثير يتعلّق بالخِبرة والتّجربة، إذ هي خلطة سحرية يريد أن ينالها أصحاب المؤسّسات، إذ شدّدت سمية زيّاني أستاذة علوم الطبيعة والحياة المتخرّجة من المدرسة العليا للأساتذة بالقبّة بالعاصمة الجزائرية، أنّها سبق لها وأن جربت التعليم في المؤسسات التربوية في مصاف أستاذة مؤقّتة أو مستخلفة، لافتة في تصريح لـ" الترا جزائر" بأن "المسألة ليست سهلة كما كنّا نعتقِد"، فالتّجربة جد متميزة في التعليم أو في صياغة ما تعلمناه في الجامعة في شكل دروس نقدمها للتلاميذ، إذ اختارت في الأخير أن تتعلّم بالممارسة وتكسب خبرة على حساب المال.

وبالرغم من الإكراهات التي خاضتها هذه الأستاذة إلا أنها تعتقد أن الخِبرة التي اكتسبتها لا تقارن مع التّجربة الأولى في التدريس، إذ تنقلت بين المدارس في مختلف المناطق في ولايتها وحتى خارج الولاية، فضلا عن تقديم الدّروس الخصوصية التي وجدت فيها المنفذ والمنقذ في آن واحد، ما أكسبها القُدرة على تقديم الدّروس بطرق مختلفة والتوجّه نحو الوسائل الحديثة في التعامل مع التلاميذ وطرق التدريس الأنجع في عالم متغيِّر.

العمل والحركة

لسنوات طويلة، توجّه البعض منهم إلى العمل الخاصّ أو التّسجيل في منصة العمل عن طريق ملفّات عقود ما قبل التّشغيل، وهو الحلّ السحري الذي وجده الآلاف من الشباب في تكوين خِبرة وأخذ تجربة وتعلّم مهنة والتوجّه نحو آفاق أخرى قد تكون أوسع وأرحب.

هذه العقود التي سطّرتها الحكومة الجزائرية تستهدف فئة واسعة من البطالين والمتخرجين من الجامعات ومراكز التكوين المهني، إذ فتحت الباب أمام الآلاف لاكتساب خبرات وتحضيرهم للعثور على وظيفة ثابتة، أو ترسيمهم في الوظائف التي تمرنوا فيها طيلة الأعوام، وهناك من طالت مدة اشتغاله في إطار عقود ما قبل التشغيل العشر سنوات وأكثر.

الخِبرة بالنسبة للموظّفة حاليًا في المركز البريدي بمنطقة رويسو بقلب العاصمة الجزائرية (سعاد. ع) خطوة نحو الولوج إلى عالم الشغل خاصة وأنها ّ ذاقت من هذا الكأس طيلة ثماني سنوات بين العمل في شركة استيراد وتصدير، ومحلات تجارية وفي روضة أطفال إلى أن استقرّ بها العمل بفضل شهادتها الجامعية، وسنوات الخِبرة التي اكتسبتها في الإدارة والمعاملات التجارية والأموال ساعدتها كثيرًا اليوم.

وفي هذا الإطار تعتبر محدّثة "الترا جزائر" أنّ الخبرة والتّوظيف وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن فصلهما من ناحية الوثائق التي تسهّل الطريق نحو التّوظيف، وبين التّجارب المكتسبة من الميدان، وتأهيل العامل إلى الدخول إلى عالم الوظيفة من خلفية تكديس الخبرات والتواصل الفعال والدائم مع مختلف فئات المجتمع، مشيرة إلى أن الكثيرين كسبوا الوظائف سبق لهم أن تمرّسوا في مؤسّسات سابقة، أو كان لديهم الحظّ في ممارسة المهنة في شتى المجالات.

يعتبر البعض رحلة البحث عن وظيفة في مؤسّسة حكومية، هو عبارة عن استهداف "الأمان الوظيفي" بحسب الخبير في الاقتصاد عبد الله مزهود، مشددًا على أن " الكثيرون يفضّلون هذا الطّريق الآمن، قوامه أجرة شهرية وترسيم نهائي في الوظيفة"، بينما يحاول البعض الغوص في مضمار وعر اسمه العمل الحرّ واكتساب مهارات لا حصر لها ولا حدود لوقت الدخول والخروج من وإلى المؤسسة، بصريح العبارة:" تشتغل عند نفسك أو أنت مديرك".

التحرّر من الوظيفة هو الحلّ

في عالم متغير من حيث التكنولوجيا برزت العديد من المهن المرتبطة أساس بالاتصال عن بعد، وتمكين الكثيرين من الولوج إلى عالم المال والأعمال بأفضل الطرق وأسهلها، وهو ما أتاح للبعض للخروج من محيط مغلق أو دائرة الأمان كما سبق أن ذكرناها، والتحوّل منها نحو ما أطلق عليها الخبير في مجال التسويق أحمد سلامي بــ "تجارب المهن المعاشة".

وفي هذا الموضوع، أكّد سلامي لـ"الترا جزائر" أنّ هذا المجال يعتمِد على الحرية في المهن والتعامل معها بالتعلّم أثناء الممارسة، ما يسهم في تعلّم الحرفة وصقل التجارب لتصبح بدورها معارف حول المِهنة وتتراكم الخِبرة، مشيرًا إلى أنّ الخروج من منطقة الراحة وعقلية الموظّف وأجرة نهاية كلّ شهر ستفتح الأبواب أمام الإبداع في عديد المهن التي تزدهر شيئًا فشيئًا في الجزائر مع التطور التكنولوجي ومع سنّ قوانين تحفظ للجميع حقوقهم.

ليست كل الوظائف بحاجة إلى خبرة سنوات طويلة ولكنها بحاجة إلى تجربة بسيطة فقط

وفي إطار شرط الخِبرة دائمًا، علق قائلًا أن " الخبرة مهمة في الكثير من الوظائف لكنها ليست كلّ شيء أحيانًا التجربة البسيطة تكسب الكثيرين حرفية في آداء مهنهم، بينما هناك وظائف تحتاج لخبرات السنوات وهي وظائف حساسة أو في مجال التسيير أو في قطاعات معقدة ذات صبغة توليدية للثّروة.