01-يوليو-2022

(تصوير: هانيبال هانشكي/أ.ف.ب)

منذ عامين تقريبًا تشهد الدّبلوماسية الجزائرية تطوّرًا لافتًا في التّعاطي مع القضايا السياسية الخارجية، إذ تواجه الجزائر العديد من الأزمات بجرأة وصدامية في بعض الأحيان، في خطوة يرى متابعون أنها ستكلف الجزائر الكثير من الخُصوم، فيما ذهب البعض إلى وصفها بمنطق ضروريًا ولا بدّ منه وتمشي وجب سلكه إذ سيفرِز الصّديق من العدوّ، ولا وجود فيه لمنطقة رمادية.

أستاذ العلاقات الدولية ياسين سلاحي: الجزائر لا يمكنها أن تبقى في رواق المتفرّج، خصوصًا وأنها محاطة بخطوط النّار من دول غير مستقرة سياسيًا وأمنيًا

تظلّ مسألة إدارة العلاقات الخارجية، مسألة متحرِّكة ومتغيِّرة تحتكم إلى ظروف الواقع ومستجدّات الأوضاع، خاصة منها الجهوية ثم الإقليمية فالدولية، إذ ذكر أستاذ العلاقات الدولية ياسين سلاحي في إفادة لـ" الترا جزائر" أن السياسة الخارجية أو الدولية مرهونة بمدى تجسيد إرادة ومصلحة الفاعل الأقوى عبر مختلف سير العلاقات الدولية باستمرار، معتبرًا أن السائد دومًا هو فرض إرادة الأقوى (الواقع الدولي) واحتكامه لمنطق المصلحة، وما ينجر عنها من استتباعات في تلك العلاقات.

وقال إن الجزائر لا يمكنها أن تبقى في رواق المتفرّج، خصوصًا وأنها محاطة بخطوط النّار من دول غير مستقرة سياسيًا وحتى أمنيًا في إشارة منه إلى حالة عدم استقرار في الجنوب في دولتي مالي والنيجر وأزمة الاستقرار الأمني في هذين البلدين فضلًا عما انجرّ عنه من انتشار ظاهرة الهجرة غير الشّرعية ومخاوف من ترويج السلاح بين أيدي المجموعات الإرهابية، وهو ما يستدعي مراقبة الحدود وتحصينها، والدفع بمقاربة أمنية تنسجم مع رؤى الجزائر في محاربتها للإرهاب مثلًا وتأمين جغرافيتها في تلك المنطقة.

وعلاوة على ما سبق، يشتغل العقل الدبلوماسي الجزائري على عدة خطوط بداية من أزمة ليبيا وتداعياتها وتجاذباتها بين عديد القوى، إذ لازالت لحدّ اللّحظة تشهد صراعات داخلية وانقسامات في الرؤى والتوجّه وتعدّد القرارات أيضًا، فضلًا عن حالة التوتّر السائدة مع المغرب وإسبانيا.

دور فاعل

ومن هذا المنطلق، فهناك مصالح تدار في بعض الدول، والجزائر لا يمكنها أن تلعب دور المتفرّج، كما قال الأستاذ سلاحي، مشدّدًا على أنّها تبقى معنية بهذه الأزمات لاعتبارات تخصّ الأمن القومي وحماية حدودها.في هذا السياق، وبالعودة إلى ما سبق، يُمكن طرح سؤال جوهري مفاده: هل الجزائر جاهزة لهذه التوتّرات الإقلِيمية؟ وهو السّؤال المحوري الذي تلعب على وتره الدبلوماسية الجزائرية المندفعة نحو اتخاذ مواقف لم تكن في السّابق منحاها، وهو ما يعني أن هناك محدّدات جديدة أو مستجدّة طرأت في السّاحة الدولية، وتغيير دفة النظرة والقرار السيادي للجزائر.

ومن هذا المنظور سبق للباحث وأستاذ العلاقات الدولية إسماعيل دبش أن تطرق في أحد مداخلاته الأكاديمية بجامعة الجزائر إلى فكرة أن الجزائر تحاول أن تعمل على ما يسمى بـ"تثبيت استقلالية القرار في مواجهة الضغوطات والتأثيرات الدولية"، وهو القرار الذي جعل منها طرف في فك بعض النزاعات، ومنها ما هو مازال لحدّ اللحظة نقطة تقدير واحترام العديد من الدول.

مواقف تاريخية

تاريخيًا، لطالما تشبّثت الجزائر بما يسميه بهدوء وصرامة حلحلة بعض الأزمات الدولية، إذ في جرد لبعض المواقف التاريخية للدبلوماسية الجزائرية يمكن كشف تمكنها من رصّ الصف العراقي والإيراني وإعادتهما إلى الحوار والجلوس إلى طاولة واحدة وهو ما أسفر عن توقيع اتفاقية الجزائر الخاصة بترسيم الحدود بين البلدين في آذار/مارس من العام (1975).

وفي العام نفسه تمكنت القبضة القوية للجزائر في حلّ أزمة الرهائن الأميركيين في العاصمة الإيرانية طهران، وإنقاذ وزراء  منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" من يد إيليتش راميريز سانشيز "كارلوس" عام 1975 أيضًا، كما أسهمت الجزائر في الدفع باتفاق الطائف في لبنان (1989)، وبالإضافة إلى ذلك أسهمت الدبلوماسية الجزائرية في التوصّل إلى اتفاق السّلام بين إثيوبيا وإريتريا، علاوة على كونها وسيطا للسّلام في مالي.

واستمرت الجزائر في نهجها الهادئ بالدّفع للسلام في عديد الدول وإيجاد حلول سياسية للأزمات دون الخوض في الشؤون الداخلية للبلدان، غير أنها تشهد تحولًا في ضبط اتجاهها بقاعدة جديدة عنوانها الأكبر: "لا تردد ولا صمت"، وهو ما أفضح عنه الرئيس الجزائري في أحد اللقاءات التلفزيونية للإعلام المحلي قائلًا: "لن تتسامح الجزائر مع أي تدخل خارجي وسنتعامل الندّ بالندّ" .

فعل وردّ الفعل

تصريحات الرئيس تبون وبعض المواقف المتخذة، برأي المهتمين بالشأن الدبلوماسي، يعتبر خطوة فيما يوصف بـ"الانقال الدّبلوماسي من دبلوماسية هادئة إلى دبلوماسية أكثر جرأة وصِدامية"، رغم أن الخارجية الجزائرية لازالت تحافظ على عدم تدخّلها للشّؤون الداخلية للدول ورفض تدخّل الآخرين في الشّؤون الداخلية للجزائر، معتبرةً أن التدخّلات الدولية أدت للتوتر والصراعات والانقسامات.

وفي هذا الإطار تدعم الجزائر توجهات السياسات المصالح المتفق عليها في المجال الجيوسياسي أو الإقليمي، إذ يعتقد أستاذ العلاقات الدولية حسين بلواد أن هذا الانتقال أو إن "افترضنا أنه انتقال من حالة السّكون إلى حالة الفعل وردّ الفعل، في حدّ ذاته سيعري بعض المواقف التي اتخذتها بعض الدول، ولكن في السياق نفسه القاعدة العامة في الدبلوماسية الدولية:" لا صديق دائم ولا عدو دائم ولكن هناك مصالح"، هي قاعدة بحسب محدّث "الترا جزائر" ممكنة في كلّ زمان وحول كلّ قضية، إذ الاهتمام بالمصالح هو نوع من القوة التي تفرضها الجزائر على الآخر دون المساس بالاتفاقيات الدولية.

السياقات تتغيّر

التّعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية وتناول بعض قراراتها المستجدة دائمًا، برأي البعض يحتاج إلى وضع تخطيط ضمن تصوّر واضح ويأخذ بعين الاعتبار كافّة المعطيات الداخلية والخارجية، وهو ما يراه الأستاذ بلواد يدخل ضمن المقاربة الجزائرية الإقليمية والدّولية التي توصف دوما بأنّها ذات مرجعية تاريخية بصرف النّظر عن الاختلاف في المناهج المستخدمة في تسيير بعض الأزمات، وتباين أسلوب التفاعل معها، علاوة على الاختلاف في المراحل والسياقات أيضًا.

وكمثال على ذلك، ففي تسوية الأزمة الليبية، اتخذت الجزائر موقفًا حازمًا في الدفع باتجاه مصالحة وطنية بين الفرقاء السياسيين وإبعاد مختلف التدخلات الإقليمية والدولية التي كانت سببًا مباشرًا للأزمة.

تؤدي التدخّلات والحروب المباشرة أو بالوكالة نحو تأزيم الوضع مهما كان هدف ومبرّر العمل المسلح والتدخل العسكري الدولي

ومن منظور العقيدة الدبلوماسية الجزائرية، لفت البعض إلى أنّ تسوية الأزمات في المنطقة سلميًا هو الحلّ نحو إيجاد مخارج لها، تقي أي بلد من الدخول في تناحر وصراع، فيما تؤدي التدخّلات والحروب المباشرة أو بالوكالة نحو تأزيم الوضع مهما كان هدف ومبرّر العمل المسلح والتدخل العسكري الدولي.