شَكّل الاهتمام بالقارة الأفريقية أحد أبرز محاور الدبلوماسية الجزائرية في عام 2024، وهو ما يعكس استمرار سياسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالتوجه نحو العمق الأفريقي.
ضمن جولة أفريقية شملت عدة دول زار وزير الخارجية أحمد عطاف إثيوبيا وأنغولا وأوغندا وبوروندي.
وواصل الرئيس تبون العمل على تعزيز عودة البلاد إلى عمقها القاري حتى نهاية العام، في ظل التحديات والرهانات التي تواجهها، خاصة في منطقة الساحل.
ما يميّز نظرة الجزائر الجديدة إلى أفريقيا هو تحول تركيزها من الدبلوماسية السياسية إلى توسيع التعاون في مجالات الاقتصاد، والمجتمع، والعمل الإنساني، مما أصبح أساسيًا لتعزيز العلاقات مع الشركاء الدوليين في مختلف المجالات.
زيارات متوالية
حتّى الأيام الأخيرة من 2024، بقيت أفريقيا في قلب اهتمامات الدبلوماسية الجزائرية. ففي وقت قريب، حل وزير الاتصال محمد مزيان بداكار كمبعوث للرئيس عبد المجيد تبون، حيث سلم رسالة خطية إلى نظيره السنغالي.
حملت الرسالة تأكيد تبون على تطلعه لتعزيز العلاقات الأخوية والتعاون المثمر بين الجزائر والسنغال.
كما أكد وزير الاتصال خلال لقائه الرئيس السنغالي على الإرادة المشتركة لتعميق التنسيق و التشاور في مختلف المجالات، وبالخصوص القضايا الإفريقية ذات الاهتمام المشترك.
جاءت زيارة وزير الاتصال لداكار ضمن جولة أفريقية شملت عدة دول، حيث كان يتقدمها وزير الدولة وزير الخارجية أحمد عطاف، الذي زار إثيوبيا وأنغولا وأوغندا وبوروندي. كما قام وزير الصحة عبد الحق سايحي بزيارة زيمبابوي ومالاوي وزامبيا، في حين زارت كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الأفريقية، سلمى بختة منصوري، بوركينا فاسو وسلمت للرئيس البوركينابي رسالة من الرئيس تبون.
وتُعتبر هذه الجولة جزءًا من سلسلة زيارات مماثلة لوزراء جزائريين إلى دول أفريقية هذا العام. فعلى سبيل المثال، زار عطاف السنغال في مايو، بينما قام وزير الطاقة محمد عرقاب بزيارة نيامي في أغسطس، مما ساهم في إنهاء الخلافات بين الجزائر ونيجيريا، وهو ما تأكد بعد زيارة الوزير الأول النيجري إلى الجزائر في النصف الثاني من 2024.
كما شملت الزيارات الرئاسية للرئيس تبون إلى موريتانيا وتونس ومصر، مع توقع زيارة دول أخرى في المستقبل القريب. إضافة إلى ذلك، شهدت الجزائر زيارات متعددة من وزراء ورؤساء أفارقة خلال العام، مما يعكس الزخم الذي تعيشه العلاقات الجزائرية مع شركائها الأفارقة رغم التحديات القارية.
الاهتمام بدول الجوار
رغم تعقّد الأوضاع في عدة دول من البلدان المجاورة للجزائر، إلاّ أن الدبلوماسية الجزائرية تحاول أن تحافظ على وجودها في قلب الأزمات التي تعرفها دول المنطقة، بتقديم المساندة والعتاب اللازم لكل بلد جار، من منطلق أن هذه الدول تشكل العمق الأمني للبلاد.
ولعل أعقد ملف واجهته الجزائر في 2024، هو الخلاف الذي اشتد مع الحكام العسكريين في مالي، وبالخصوص بعد أن قرر عسكر بماكو التنصل من بنود اتفاقية الجزائر 2015 للسلم والمصالحة في مالي، وهو الخلاف الذي امتد لفترة وعبرت فيه الجزائر عن امتعاضها من هذه الخطوة غير المدروسة، وبالخصوص بعد الاتهامات غير المعقولة وغير المبررة التي وجهها حكام بماكو الجدد لجارتهم الشمالية، إلا أن تعيين الجزائر سفيرا جديدا لها هناك يعني أن هذه السحابة السوداء التي غيمت على العلاقات بين البلدين في طريقها إلى الانقشاع، رغم التعقيدات الكبيرة التي تواجهها جرّاء قصر نظر السلطة الحاكمة الجديدة في بماكو.
الرئيس تبون أعلن في شباط/ فبراير 2024 عن إنشاء مناطق تجارية للتبادل الحرّ مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر وتونس وليبيا
أمّا بالنّسبة للعلاقات مع نيامي، فقد شكّلت الزيارة التي أداها الوزير الأول وزير الاقتصاد والمالية لجمهورية النيجر علي محمد لمين زين إلى الجزائر شهر أغسطس أوت الماضي انطلاقة جديدة للعلاقات بين البلدين، إثر خلاف حول ملف المهاجرين السريين في الجزائر.
وأكد زين عقب استقباله من قبل الرئيس تبون أنّ "النيجر اختار الطريق الذي يعبر من خلاله عن غيرته الشديدة عن سيادته" وهو "يتبع موقف الجزائر الثابت الرافض دوما للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية"، موضحا أنه تمت "مناقشة كل هذه المواضيع خلال هذا اللقاء".
وتابع رئيس حكومة النيجر قائلا "كان من الضروري إعادة تنشيط هذه العلاقات التي تأثرت منذ أحداث 26 تموز/ جويلية 2023".
وساهمت عودة العلاقات بين البلدين في الاتفاق على وضع جدول زمني محدد لتطوير حقل كفرا شمالي النيجر الذي تديره سوناطراك، وتسريع الوتيرة ليدخل مرحلة الإنتاج الفعلي، إضافة إلى المشاريع التي يمكن أن تنفذها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي هناك.
وبرز اهتمام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع دول الجوار في الزخم الذي تعرفه العلاقات مع موريتانيا التي زارها الرئيس تبون نهاية السنة، والتي تعد الأولى لرئيس جزائري منذ 37 سنة، بالرغم من أن العلاقات بين البلدين كانت على الدوام على وفاق، غير أن هذه الزيارة هي ترجمة للتعاون المتنامي بين الجارين الذي يترجم في منطقة التبادل الحر بين البلدين، والمعبر الحدودي تندوف – زويرات.
ولتطوير العمل المغاربي، رحبت الجزائر بتعيين تونس؛ لطارق بن سالم أميناً عاماً جديدا لاتحاد المغرب العربي، خلفا للطيب البكوش الذي تسبب في تقويض عمل هذه التكتل المغاربي المجمّد أصلا.
وقال وزير الخارجية أحمد عطاف في يوليو الماضي إن الجزائر ستمد يد العون لبن سالم في أداء مهامه، خدمةً لتطلعات ومصالح الشعوب المغاربية.
وبالنظر لجمود الاتحاد المغاربي، أطلق الرئيس تبون في بداية آذار مارس الماضي على هامش منتدى الدول المصدرة للغاز الذي احتضنته الإطار الثلاثي المغاربي الذي يضم الجزائر وتونس وليبيا.
ونجح الإطار الثلاثي في تحقيق نتائج ملموسة بتوقيع الدول الثلاثة اتفاقا مشتركاً لإدارة المياه الجوفية المشتركة بالمناطق الحدودية بينها خلال اجتماع عقد بالجزائر، إضافة إلى التعاون فيما يبنهم لمواجهة ظاهرة الهجرة السرية.
تركيز على الاقتصاد
حوّلت الجزائر نظرتها في السنوات الأخيرة تجاه التعاون الاقتصادي مع شركائها الأفارقة، بعدما كانت قد ركزت في الماضي على الجانب الأوروبي.
وقد تجسّد هذا التوجّه الجديد بشكل واضح في 2024، حيث أصبحت الجزائر في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر أصبحت الجزائر عضوا كامل العضوية في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، بعد تصديقها على الاتفاق في 2021. يهدف هذا الانضمام إلى تعزيز المبادلات التجارية والاستفادة من المزايا التي توفرها المنطقة التي تضم 54 دولة وتملك ناتجًا محليًا إجماليًا يقدر بحوالي 3.4 تريليون دولار.
وما يشجّع على تعزيز هذا التوجه، الأرقام المسجلة، إذ صدرت في 2023 ما قيمته 2.70 مليار دولار إلى الدول الإفريقية، بينما استوردت ما قيمته 1.87 مليار دولار من هذه الدول.
ولتعزيز التجارة البينية مع دول القارة، كان الرئيس تبون قد أعلن في شباط/ فبراير 2024 عن إنشاء 5 مناطق تجارية للتبادل الحر مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر وتونس وليبيا، حيث تم تدشين منطقة التبادل الحر مع موريتانيا في ولاية تندوف الحدودية.
في ظلّ التنافس العالمي على القارة الأفريقية، تسعى الجزائر لتعزيز حضورها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، وذلك عبر تنظيم مؤتمرات نحو: "المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة" و"مسار وهران"، فضلا عن تعزيز الشراكة مع دولة جنوب أفريقيا.
ومن خلال ما سبق؛ فالدبلوماسية الجزائرية تُركّز بشكل كبير على الملف الأفريقي، مع السعي للحفاظ على المبادئ التقليدية، في مواجهة التحديات الجديدة في المنطقة، في مقابل تعزيز موقعها الاقتصادي والتجاري.