08-يناير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن عزمه لطرح مسودّة دستور جديدة، تؤسّس لما وصفه بـ "الجزائر الجديدة". تُعيد صياغة نظام الحكم وإقرار إصلاح سياسي، وتُقلّص من صلاحياته بصفته رئيسًا للجمهورية وتحدّد عهداته، وتعزّز الفصل بين السلطات والتمثيلية السياسية، استجابةً لحزمة من مطالب الحراك الشعبي وضرورات المرحلة القادمة.

 لكنّ المسودّة الجديدة، تطرح تساؤلات تتعلّق أولًا بمسألة التعديلات "العميقة" التي ينادي بها الرئيس تبون، إن كانت ستمسّ "روح الدستور"، أم أنّها ستكرّس من جديد حالة جزائرية في علاقة بين الرؤساء والدساتير، تخصّ إقدام كلّ رئيس على صياغة دستورٍ على مقاسه.

اقرأ/ي أيضًا: تعديل الدستور والعجز الدائم في الجزائر

النّظام السياسي 

يعترف مختصّون، أنّ عملية تعديل الدستور، سواءً كانت بسيطة أو عميقة هي مسألة قانونية بحتة؛ تحتاج دومًا إلى إعادة النظر في بعض القوانين والمواد، تسببت في "مطبّات قانونية" مكّنت الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، من التلاعب ببعض القرارات المصيرية وتوجيهها لصالحه، كما قال المختصّ في القانون الدستوري عبد العالي مرزوق في حديث إلى " الترا جزائر".

يُشير المتحدّث، إلى أن التعديلات من المفترض أن تخلق مساحة واسعة للفعل الديمقراطي، خصوصًا أن "مسألة تنحّي بوتفليقة عن الحكم، أبرزت عدّة نقاط سوداء في الدستور الحالي، ومدى صلاحيته في قراءة الراهن السياسي/الأزمة القانونية التي وقعت فيها الجزائر، قبل وبعد استقالة بوتفليقة، وما تبعها من تأجيل الانتخابات الرئاسية لمرّتين، إضافة إلى حلحلة أيّة أزمة قانونية في أعلى هرم الدولة".

كما لفت الأستاذ مرزوق، إلى أنّ الجزائر وقعت في العديد من المشكلات؛ بسبب المسائل الدستورية وطريقة تفسيرها. هي ليست وليدة اليوم؛ فقراءة الدستور حسبه، تأخذ عدّة مناحي وتفسيرات، قد تصل إلى منحها صفة التفسيرات التي تستجيب لحلّ أزمة سياسية، أو كما يعتبرها البعض، لتجاوز روح القانون بتفسير المصلحة سياسية، وهي التفسيرات التي غالبًا ما تقمع القانون لفائدة زمرة من المنظومة الحاكمة، على حدّ قوله.

وختم الأستاذ القانوني قوله، إنّ الرئيس الجديد سيكون مدفوعًا نحو توخى "الحيطة القانونية"، إن أراد فعلًا تعديلات عميقة، على الدستور، وإشراك النخبة السياسية والقانونية في تقديم مقترحات، تنزع عن المنظومة الحاكمة. معضلاتٍ مرتبطة بالحكم والتسيير والرقابة والتنفيذ على أعلى مستوى، بحسب تعبيره.

وفي سياق حديثه، بات جليًا أن أبرز التعديلات الدستورية المرتقبة، ستخصّ موادًا لها صلة بالفصل بين السلطات، وإحداث توازنٍ بين المؤسّسات وتحرير الإعلام.

وبالنظر إلى مواد التعديلات المرتقبة، حسب مرزوق، فإنّها تتعلّق بـ "تقليص صلاحيات الرئيس، بالنظر إلى الصلاحيات التي توصف بالملكية في الدستور الحالي، حيث يعدّ الرئيس هو رئيس السلطة التنفيذية، ويملك حقّ التشريع بالأوامر الرئاسية، ويرأس المجلس الأعلى للقضاء".

يُفهم من هذه التعديلات، التوجّه نحو الفصل التام بين السلطة القضائية والتنفيذية، هنا، تؤكّد أستاذة الحقوق نورية بلقاضي، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنه تبعًا لذلك، يُرتقب أن يُصبح المجلس الأعلى مستقلًا تمامًا، ولا علاقة له بالرئيس ووزير العدل، ما يعني الفصل التام بين السلطتين المذكورتين آنفًا.

الدستور الحالي، أعطى نفوذًا قويًّا وصلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية، أو بالأحرى صار محور السلطة، فهل يُقدّم رئيس الجمهورية تبون على تعديل جوهري في الدستور، حتّى يحدّ من صلاحياته؟

الحديث عن التعديلات الدستورية، تعيدنا دومًا إلى محور النقاش الأساسي منذ سنوات طويلة، المتعلّق بالنظام السياسي بشكلٍ عام، وهو ما أشار إليه الرئيس تبّون في اجتماعه بمجلس الوزراء فيما أسماه ببناء الجمهورية الجديدة التي تستلزم إعادة النظر في نظام الحكم"، إذ نبّهت الأستاذة بلقاضي إلى أن التعديلات المنتظرة، من شأنها أن تكرّس نظامٍ شبه رئاسي يُعيد للبرلمان سلطته من خلال تعيين رئيس الحكومة من قبل الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية، وما يعقبها من توسيع سلطة المجالس المنتخبة والرقابة النيابية، والحدّ من سلطة الولاة على المجالس المحليّة المنتخبة، وتعديل قانون الانتخابات، لتشديد شروط الترشّح للمجالس المنتخبة خاصّة في علاقة بالشهادات العلمية، علاوةً على تحرير الإعلام، ليُبصح سلطة رقابية تؤدّي خدمة عمومية.

إلى هنا، يبقى سقف التوقّعات مفتوحًا، إذ من المتوقّع أن تُعزّز التعديلات مجالات الحرّيات الشخصية والسياسية، ووضع أجهزة الأمن تحت الرقابة القضائية، بينما لا ينتظر أن تمسّ التعديلات المواد المتعلّقة بالهويّة واللغة، خاصّة القضية الأمازيغية، وتجنّب المساس، بالمواد التي تتحدّث عن الدين، وكونه مصدر تشريع لتجنّب إثارة القوى المحافظة في البلاد هي القوي الغالبة.

عملية جراحية لم تكتمل

قبل الحراك الشعبي في الـ 22 فيفري/شبّاط الماضي، تزامن الحديث عن تعديل الدستور الجزائري، مع دعوة الأحزاب الكبرى وجمعيات المجتمع المدني، إلى ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، إذ أفادت بعض المصادر في تصريحات لـ "الترا جزائر"، أن الرئيس بوتفليقة، كان يحضّر لعقد مشاورات سياسية للقيام بتعديلات عميقة على الدستور، أهمّها استحداث منصب نائب الرئيس، خاصّة مع ظروفه الصحيّة آنذاك.

إضافة إلى كلّ هذا، كان الرئيس السابق يعتزم الذهاب إلى نظام حكم برلماني، يمنح صلاحيات أوسع للسّلطة التشريعية الممثّلة في البرلمان الجزائري بغرفتيه (الغرفة العليا مجلس الأمة، والغرفة السفلى المجلس الشعبي الوطني)، ومن ثمّ فهذه الأخيرة تضطلع بمراقبة السلطة التنفيذية (الحكومة)، وهذا بعد إلغاء منصب الوزير الأوّل، وإرجاع منصب رئيس حكومة، ومؤدّاه أن الجهاز التنفيذي سيخرج من دائرة الرئاسة، ومن يد صلاحيات رئيس الجمهورية.

هذه الإصلاحات التي كانت مرتقبة، تُعيد الجزائر ودستورها إلى نقطة البداية في فترة حكم بوتفليقة، الذي أقدم على عديد العمليات التي مسّت الدستور في عدة فترات، إذ أقرّ سلسلة تعديلات عام 2002 لترسيم اللغة الأمازيغية، ثم في 2008 لفتح العهدات الرئاسية، الهدف منها إمكانية الترشّح لولاية رئاسية ثالثة، قبل أن يقرّ تعديلات جديدة في 2016، تضمّنت إعادة تحديد العهدات الرئاسية بعهدتين، وإنشاء هيئة مراقبة الانتخابات.

مزاج سياسي؟

بالحديث عن تعديلات الدستور، تقفز دومًا مسألة أن الجزائر أنموذجًا واضحًا لتكريس مبدأ "لكلّ رئيسٍ دستوره"، وذلك ما تطرّق له الرئيس الحالي تبون خلال حملته الانتخابية، إذ تعهد مرارًا وتكرارًا على أنه سيُجري تعديلاتٍ عميقة على الدستور الحالي، وتعديلات في القوانين التي تنظم الحياة السياسية.

لم يشذ تبون عن قاعدة سابقيه في قصر الرئاسة بالمرادية، من خلال تقديم رؤيته حول الدستور الحالي، غير أن الصورة الفوقية للدساتير الجزائرية، تُشير إلى أنّ بلادنا عرفت دساتيرًا على مقاس كل رئيس في فترة حكمه، وهو ما يؤشّر إلى ما هو متعارف في الحقل السياسي، على أنّ "الدّستور في الجزائر بات وثيقة يُمكن أن تتغيّر مع تغيير المِزاج السياسي القائم".

 من خلال كلّ هذا، فإنّ الدستور لا يُعتبر وثيقةً أسمى في تنظيم الحياة السياسية، ولكنّه يتماشى مع الوضع السياسي والاجتماعي القائم، إذ كان الرئيس السابق بوتفليقة، أكثر الرؤساء تعدّيًا على الدستور، ونسجه على مقاسه السياسي، علاوة عن الدساتير التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال في فترتين متّصلتين زمنيًا ومنفصلتين قانونيًا.

عرفت المرحلة الأولى من 1962 إلى 1996 أربعة دساتير، إذ أقرّ الرئيس الراحل أحمد بن بلة دستور 1963، ثم دستور 1976 الذي أصدره الرئيس الراحل محمد بوخروبة (هواري بومدين)، ثم دستور ما بعد أحداث أكتوبر 1988، أصدره الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد سنة 1989، الذي أقرّ التعدّدية السياسية والإعلامية، ليأتي دستور 1996، في عهد الرئيس اليمين زروال، وتعقبها فترة حكم بوتفليقة لمدّة 20 سنة، وما تخلّلتها من تغيير في عديد المواد التي مكّنته من البقاء في السلطة لعقدين من الزمن.

في الأخير، يبقى السؤال مطروحًا، عن الكيفية التي سيصيغ بها تبون دستوره، وهل يتمّ إرساء معالمه عبر مشاورات سياسية مثل ما قام به بوتفليقة في عام 2012، بقيادة عبد القادر بن صالح، أم عبر مؤتمر وفاقٍ وطني؟ أم تكليف هيئة خبراء في هذا الحقل القانوني، وفسح المجال للمتخصّصين بدل السّاسة؟

اقرأ/ي أيضًا:

تعديل الدستور في الجزائر.. الوعد المنتظر

هل يحتاج الدستور الجزائري إلى إعادة كتابة؟