26-فبراير-2020

من صحراء ولاية تندوف (تصوير: ستيفن مونتسي/Getty)

رغم كل ما قيل عن التلفزيون الرسمي في الجزائر من عيوب، إلا أنه ما يزال يؤثّر على قطاع كبير من الرسميين وغير الرسميين، وفي وقت يتحدّث كثيرون عن فشله في مواكبة التغييرات الجديدة، استطاع في المدّة الاخيرة فرض مصطلح جديد هو "مناطق الظلّ" الذي انتشر بسرعة بين الناس.

بشكلٍ مفاجئ وعن طريق "الدعاية الإعلامية" الرسمية، تحوّلت "مناطق الظلّ" إلى مفهوم آخر تمامًا

قبل أقلّ من شهر من الآن، لم يكن مصطلح "مناطق الظل" متداولًا، إذ أنّه يبدو مصطلحًا غامضًا و"نخبوًيا"، وفي المرّات القليلة التي استُخدم فيها، عندما كان وزير الاتصال السابق حميد قرين يتحدّث عن المناطق التي لا يصل إليها البث الإذاعي، وتعهّد بالقضاء عليها سريعًا، لكنه ذهب وبقيت هذه المناطق.

اقرأ/ي أيضًا: رئاسة الجمهورية "تتوعّد" الصحافيين وتحذّر من الدعاية خارج بياناتها

وبشكلٍ مفاجئ وعن طريق "الدعاية الإعلامية" الرسمية، تحوّلت "مناطق الظلّ" إلى مفهوم آخر تمامًا، ويتعلّق ببؤر التخلّف عبر مختلف أنحاء البلاد، عندما عرض الرئيس عبد المجيد تبّون تحقيقًا أنجزه التلفزيون الحكومي بطلب منه، على ولّاة الجمهورية، منتصف هذا الشهر بعنوان "معاناة في مناطق الظلّ".

وأثناء عرض التحقيق شوهد الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد يذرف الدموع، وبعدها قال وزير التجارة كمال رزيق: "كلّهم سالت دموعهم من التهميش والفقر والحقرة التي وقعت على الشعب من المسيرين السابقين". ويضيف قائلًا: "لقد ذكرتنا بحجم المسؤولية وما ينتظرنا أمام الله والشعب، لقد ذكرتنا أننا سوف نسأل على الشعب أمام الله وأمامك كرئيس".

وانسجامًا مع الخطاب الرسمي المتحوّل، تحوّلت الكثير من مناطق البلاد التي قيل في وقت سابق إنها استفادت من "مخططات التنمية" و"لا تشكو شيئًا" إلى "مناطق ظلّ" كبيرة، حتى كاد "الظلّ" يغطي على كل البلاد، وأصبح كثيرٌ من المسؤولين المحلّيين والمواطنين، يتكلّمون عن تلك المناطق التي لم يكن لها وجود قبل منصف شهر فبراير/شباط الحالي.

في هذا السياق، ظهرت كثير من المجموعات والصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتحدّث عن معاناة تلك المناطق، منها "منتدى مناطق الظلّ عبر ولايات الجزائر"، و"مناطق الظلّ في الجزائر العميقة"، و"مناطق الظلّ في الجزائر مع مشاكلها"، و"المنبر الحرّ لمناطق الظلّ للجنوب"، و"جنود الخفاء لمناطق الظلّ" وغيرها كثير.

ولم يتردّد الإعلام المكتوب بمختلف وسائله في التكيّف مع الجديد، ليستخدم المصطلح على نطاق واسع، فقد كتبت الشروق اليومي: "المسؤولون المحليون يباشرون معاينة مناطق الظلّ"، وكتبت "النهار الجديد" "تطبيقًا لتعليمات رئيس الجمهورية.. ولاية إليزي تشرع في إحصاء سكان مناطق الظلّ"، وكتبت البلاد تقول: "منتخبون محليّون وولاة يكشفون عن معيقات التنمية بـمناطق الظلّ"، وغيرها من العناوين التي أصبحت تتناول المصطلح بشكلٍ كبير.

هنا، لم يتردد متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في التعليق عن المصطلح الجديد، فقد كتبت الصحافي محمد علواش يقول: "بعدما عاث في المناطق المشمسة والمضيئة فسادًا، النظام يتحوّل إلى الاختفاء، في مناطق الظلّ"، وكتب أحمد قرطي: "السلطات تبحث عن جرد مناطق الظلّ للتكفّل بسكانها، والمواطنون يحتجّون ويقطعون الطرقات والمرافق العمومية لإيصال انشغالاتهم العالقة".

من جهته، قدّم الدكتور رضوان بوهديل اقتراحًا بشكل ساخر، يقول بـ: "إلغاء مهنة مضيفي الطيران، وتحويل ميزانيتهم لتسليط الضوء على مناطق الظلّ".

وعندما انتشرت صور الوزراء والولاة، وهم يذرفون الدموع عند عرض تحقيق "معاناة في مناطق الظلّ"، كتب الصحافي رضا تيبرماسين يقول "إنّ كل ولاة الجمهورية الحاضرين، ومعهم 13 وزيرًا في الطاقم الحكومي الحالي كانوا من صنّاع عذاب شعب مناطق الظلّ، أو على الأقلّ شركاء في مأساته، وبعد ذلك يُصوّر وهو يبكي". 

وعن منطقة باتنة التي يشتغل فيها، يقول تيبرماسين وهو يكتشف الاهتمام المفاجئ بمعاناة المواطنين بعد سنين طويلة من الإهمال: "الحمد لله ماكانش مناطق الظلّ في باتنة.. كل شيء مريقل والسماء صافية والعصافير تزقزق".

وبسخرية ممزوجة بالمرارة قال أحمد أغوليش: "أخطأت الرئاسة في المصطلح الطَبقي (مناطق الظل)، وكان عليها انتقاء مصطلح (مناطق الذُّل) بدلًا عنه".

تحوّل مصطلح "مناطق الظل" من عنوان بسيط لتحقيق تلفزيوني، إلى مصطلح سياسي واجتماعي واقتصادي 

يبدو أن السلطة ما تزال تفرض منطقها وحتّى مصطلحاتها، وآخرها "مناطق الظل"، الذي تحوّل من عنوان بسيط لتحقيق تلفزيوني، إلى مصطلح سياسي واجتماعي واقتصادي يُتداول الآن على نطاق واسع، في انتظار أن تلتقطه الجامعة وتحوّله لاحقًا إلى مصطلح أكاديمي، في ظلّ الوضع المقلوب الذي جعل الجامعة مستهلكة للمصطلحات الإعلامية بدلًا من صناعتها.