30-أغسطس-2021

(Getty)

كشفت تداعيات وانعكاسات جريمة مقتل المرحوم جمال بن سماعين عن هشاشة الدولة الوطنية وضعف تماسك النسيج الاجتماعي، وقد تعالت دعوات إلى عدم تعميم مقتله على منطقة معينة، داعية إلى رفض الطابع الجغرافي للجريمة، خوفًا من انعكاسات العنف المضاد أو احتمال انتقام ذو طابع عرقي أو جهوي.

طالما كانت أزمة الدولة الوطنية مصدرًا للعنف المادي والرمزي السلطوي والمجتمعي على حدٍّ سواء

في المقابل وفي لحظة جنون وغضب شنت أصوات أكاديمية وسياسية هجومًا على منطقة القبائل، وأعاد مقتل المرحوم جمال بن سماعين ليكون مناسبة لطرح قضايا تاريخية، هوياتية وسياسية بحسب الانتماءات الجهوية والأيديولوجية ونسبة ارتباط كل شخص بالنظام الريعي والزبائنية، وجاءت ردود الفعل  لتزيل الستار على الخلفيات التاريخية، والأيديولوجية وعكست الطابع العشائري لبعض الدوائر الجامعية.

اقرأ/ي أيضًا: إيداع 53 متهمًا في قضية مقتل جمال بن سماعين الحبس المؤقت

كما كشفت عن تمسك بعض النخب بالانتماء الولاياتي الذي عرفته  بدايات الثورة التحريرية، وهذا ما يفسر عند البعض تحفظات عن مقررات  مؤتمر الصومام  1956، وتلاها تشكيل الحكومة المؤقتة وتأسيس هيئة الأركان المسلحة سنة 1957، وهي محطات شكلت البعد الوطني للثورة التحريرية بعيدًا عن الطابع القبلي والعشائري الذين ميزا المقاومات الشعبية.

لقد أبرزت إذن ردود الأفعال تلك هشاشة البناء الوطني، لأن الصراع ظاهرة تشهدها كل المجتمعات خلال مرحلة نموها وتطورها ليجد المجتمع غير المتجانس آليات حل الصراعات والصدمات بما يحقق له الاستقراء والأمان والدوام، كما يشكل كيان الدولة أحد العناصر التي تصطف وراءها جميع المكونات المجتمعية وتخضع إلى قواعد الدولة والقانون العام.

في هذا السياق، ينبغي التنبيه إلى أن العنف المادي والرمزي كان دائمًا يحدد العلاقات داخل كيان الدولة-المجتمع بداية من الحرب التحريرية إلى أزمة صيف 62 والانقلاب على الحكومة المؤقتة، وصراع الأجنحة بين بن بلة وبومدين، ومقتل شعباني وعصيان منطقة القبائل 1963، واغتيال بوضياف والعشرية الدموية التي راح ضحيتها الآلاف من القتلى، إضافة إلى عدد كبير من المفقودين.

لطالما كانت أزمة الدولة الوطنية مصدرًا للعنف المادي والرمزي السلطوي والمجتمعي على حدٍّ سواء، ولم يتم إلى غاية اليوم تحديد طبيعة النظام المؤسساتي والدستوري، وصياغة أهدافه وتحديد آليات سيره.

إنّ الإحساس بالإقصاء والتهميش يصعدان الصراع حول السلطة واحتكار مواردها الريعية لفئة على حساب فئة أخرى، وهذا ما يفسر العنف اللفظي والمادي الذي تلجأ إليه النخب الرجعية والقوى المجتمعية، ما يفتح الباب أمام صعود العنصرية والكراهية ويجرّ المجتمع إلى عدم الاستقرار السياسي والتفكك الاجتماعي وبالتالي التدهور التنموي والمعيشي وسط تحولات إقليمية تعمل على تفكيك الدولة القُطرية.

حادثة مقتل المغدور جمال بحاجة إلى وقفة لإعادة وترتيب البيت الوطني وتوسيع المشاركة السياسية التمثيلية مركزيًا ومحليًا

 إن حادثة مقتل المغدور جمال بحاجة إلى وقفة لإعادة وترتيب البيت الوطني وتوسيع المشاركة السياسية التمثيلية مركزيًا ومحليًا، والعمل على صياغة التنوع الثقافي واللغوي في إطار دولة المواطنة ودولة الإنسان المتصالح والمتعايش مع بيئته ومحيطه المتعدد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة

مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية