"الذّهب الحُلو" في واجهة التصدير.. الجزائر تُراهن على التمور

يُولد "الذهب الحلو" كل موسم بصمت، وفي عمق الواحات الجزائرية، حيث تمتدّ جذور النخيل لقرون، وورث الفلاحون مهارة زراعة التمر أبًا عن جدّ، لكنه أصبح اليوم رقمًا مهمًا في معادلات الاقتصاد.

أطلقت الحكومة برنامجًا وطنيًا لتطوير قطاع النخيل والتمور للفترة ما بين 2023 و2027، يهدف إلى غرس مليون نخلة إضافية 

لم تعد التمور مجرّد محصول موسمي يُستهلك محليًا، بل تحوّلت إلى ركيزة اقتصادية تحمل في طيّاتها وعودًا كبيرة بتنويع الصادرات ومنافسة المحروقات في مداخيل البلاد.

وبين عرق الفلاحين وبيانات الأسواق الدولية، تصعد التمور الجزائرية نحو العالمية، تبحث عن بدائل مستدامة تعيد التوازن للميزان التجاري.

تُعد الجزائر من بين أكبر منتجي التّمور في العالم، حيث تضم أكثر من 1000 صنف، من أبرزها "دقلة نور" المعروفة عالميًا بجودتها العالية. 

وفي إطار مساعيها لتنويع مصادر الدخل، تُراهن الجزائر على هذا القطاع الحيوي لتحويله إلى قاطرة جديدة للاقتصاد الوطني بعيدًا عن هيمنة المحروقات.

في 10 حزيران/ يونيو الجاري؛ نصّب وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات، كمال رزيق، لجنة وطنية متخصصة مكلفة بدراسة ملف التمور على الصعيد الدولي. 

تهدف هذه اللجنة وفق بيان رسمي إلى تعزيز تنافسية أكثر من 1000 صنف من التمور الجزائرية، وعلى رأسها صنف "دقلة نور" الذي يحظى بشهرة عالمية.

في عام 2023، بلغت صادرات الجزائر من التمور 83 ألف طن، بعائدات فاقت 73 مليون دولار. 

وتسعى الجزائر، في الثلاثي الأول من سنة 2025، إلى رفع هذه الأرقام، بما يعكس الإمكانات الهائلة لهذا القطاع.

التمور الجزائرية.. من الواحات للعالمية

أطلقت الحكومة برنامجًا وطنيًا لتطوير قطاع النخيل والتمور للفترة ما بين 2023 و2027، يهدف إلى غرس مليون نخلة إضافية في مساحات تتجاوز 174 ألف هكتار، مع التركيز على الأصناف المقاومة للتغيرات المناخية والأمراض.

الباحث في الاقتصاد كمال حمادي لـ" الترا جزائر":التمور تُمثل فرصة حقيقية لتنويع الدخل الوطني، من خلال توفير عائدات بالعملة الصعبة

البرنامج يشمل أيضًا تطوير سلاسل التحويل والتصنيع والتغليف، باعتبارها رافعة أساسية لخلق الثروة وزيادة الصادرات. 

كما تدعم الدولة الفلاحين بتوفير وسائل السقي، وغرس النخيل مجانًا، والمرافقة التقنية لمكافحة الآفات، فيما تسهم وزارة التجارة في تعويض المصدرين عبر صندوق ترقية الصادرات.

وفق وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، تم تصدير التمور الجزائرية إلى أكثر من 90 دولة خلال الثلاثي الأول من عام 2025، ما يعكس الإقبال المتزايد على هذا المنتج الذي يُعرف بجودته وتنوع أصنافه.

تنوع أصناف وجودة معترف بها

تشمل الأصناف المعروضة في السوق الجزائرية: الدقلة البيضاء، الغرس، تامسريت، بوعروس، وتينيسين، إلى جانب دقلة نور الشهيرة، التي تُلقب بـ"ملكة التمور". وتُشير معطيات وزارة الفلاحة إلى أن 95% من الإنتاج الوطني يتم وفق أساليب الزراعة العضوية، ما يعزز من جاذبيته في الأسواق العالمية.

وتؤكد الجهات الرسمية أهمية وسم المنتجات لضمان أصالتها وتثبيت علامتها في الأسواق، خصوصًا أن تمور دقلة نور بطولقة تحمل المؤشر الجغرافي المحمي منذ عام 2016.

قطاع حيوي لتنويع الاقتصاد

أكد الباحث في مجال الاقتصاد، كمال حمادي، أنّ قطاع التمور يحمل بعدًا اقتصاديًا إستراتيجيًا، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الجزائري المعتمد على عائدات النفط والغاز.

وأوضح في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّ التمور تُمثل فرصة حقيقية لتنويع الدخل الوطني، من خلال توفير عائدات بالعملة الصعبة وتحسين الميزان التجاري.

وأردف الباحث قائلا إنّ هذا القطاع له أثر اجتماعي لدى العشرات من الأسر، حيث تعتمد آلاف الأسر في الواحات على زراعة النخيل كمصدر رزق رئيسي، إلى جانب دوره في خلق فرص عمل في مجالات الزراعة، التحويل، التوضيب، والنقل.

التنمية المستدامة والصناعات التحويلية

يُساهم قطاع التمور في دعم التنمية المستدامة بالجنوب، من خلال الحفاظ على الواحات ومكافحة التصحر. كما يُعزز من الصناعات التحويلية عبر استخدام التمور في إنتاج مشتقات غذائية مثل العصائر، العسل، والمربى، ما يضيف قيمة اقتصادية للمنتج.

ورغم هذا الزخم، يُجمع الفاعلون في القطاع على أهمية تسريع عمليات التغليف والتعبئة، التي تُعد شرطًا أساسيًا للحفاظ على جودة التمور وتعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.