28-ديسمبر-2024
(الصورة: الترا جزائر)

( تركيب: الترا جزائر)

فريق التحرير - الترا جزائر 

مع مطلع سنة 2024، لم يكن هناك ما يُوحي بوجود حدث سياسي كبير في وزن تنظيم "ماراطون رئاسي" مرتقب؛ فالساحة السياسية في الجزائر داخليًا، كانت هادئة وتسودها حالة من الترقّب والصمت، وهذا ما طبع حالة الأحزاب السياسة وحركيّتها، على خلاف سنوات سابقة في مثل هذه المناسبات.

الانتخابات الرئاسية كانت الحدث الأبرز في الساحة السياسية الجزائرية هذه السنة

كانت الانتخابات الرئاسية في الـ 7 أيلول/ سبتمبر 2024، الحدث الأبرز والأهم في الساحة السياسية الجزائرية، ومع بداية العدّ التنازلي للحدث، بدت الأحزاب السياسية في وضعية كمن ينتظر مهمّة ما أو إشارة ما لإعلان موقعها، أو تقديم مرشحيها المحتملين؛ إذ غابت عن خطاباتها ونشاطاتها، "طقوس" تحدث عادة مع اقتراب مثل هذه المواعيد السياسية، وسط تساؤلات تبنّاها متابعون ونشطاء حول ترشّح الرئيس تبون لعهدة ثانية أم لا؟

عادة ما يُنتظر أن تُبرز الأحزاب في مثل هذه الأوقات مرشحيها وبرامجها، وترتفع أصوات الخلافات السياسية وتشتد المناكفات والانتقادات، في معركة التموقع التي تسبق الاستحقاقات الرئاسية، ولكن كلّ ذلك غاب عن المشهد السياسي في الجزائر.

حزام سياسي

هذا ما كان يبدو ظاهريًا، بيد أن مراقبين، سجّلوا أن التحضير للانتخابات الرئاسية بدأ مسبقًا، وأنها كانت تُطبخ على نارٍ هادئة ويُرتّب لها بهدوء وحذر شديدين، وهو ما لم تكن بحاجة إليه في واقع الحال.

كان من مؤشّرات هذه الترتيبات هو تغيير قيادات الأحزاب السياسية على رأس أحزاب محسوبة على الموالاة، كان آخرها وصول فاتح بوطبيق إلى رئاسة حزب جبهة المستقبل في كانون الثاني/جانفي 2024، خلفًا لعبد العزيز بلعيد بعد 12 سنة من الزعامة، ونُصّب عبد الكريم بن مبارك أمينًا عامًا جديدًا لحزب جبهة التحرير الوطني بالإجماع في أعمال المؤتمر الـ 11، خلفًا لأبو الفضل بعجي بعد انسحاب الأخير من الترشح لعهدة ثانية.

من جهته طلب الأمين العام للتجمّع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إعفاءه من منصبه قبل نهاية عهدته سنة 2025، ليتقلد لاحقًا منصب وزير التجارة، وانتُخب مصطفى ياحي أمينًا عامًا للحزب.

المرشحون الثلاثة للانتخابات الرئاسية

هذه الأحزاب التي شهدت تغييرات في قياداتها، يُضاف إليها حركة البناء بقيادة عبد القادر بن قرينة التي لم تعرف تغييرات على مستوى زعامتها، ستشكل لاحقًا حزامًا سياسيًا للرئيس تبون وتقود حملته الانتخابية لعهدة ثانية، وهو ما سُمّي بائتلاف مشترك، هدفه دعم مرشح وطني مجمع عليه استعدادًا للانتخابات الرئاسية.

أما حركة مجتمع السلم المحسوبة على المعارضة فالتزمت بنتائج الصندوق في انتخابات داخلية لتجديد القيادة، وانتخب عبد العالي حساني خلفًا لعبد الرزاق مقري، ليترشّح القيادي الجديد لاحقًا في الاستحقاقات الانتخابية منافسًا للرئيس المترشح.

مفاجآت الرئاسيات

وفي إطار "السوسبانس" الذي سبق الانتخابات، وفي ظل عدم إعلان الأحزاب عن مرشحها، وفي حركة كان يرُاد أن تبدو خطوة استباقية ومفاجئة، يُعلن رئيس الجمهورية في نهاية شهر آذار/مارس عن إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، حُدّد تاريخُها يوم السابع من شهر أيلول/سبتمبر الماضي.

مرّ تنظيم الحملة الانتخابية وفق الكلاسيكيات "المتوارثة" في مثل هذه الاستحقاقات، واقتصر الأمر على تجمعات في قاعات مغلقة ومفتوحة وجولات في الأسواق والمقاهي والفضاءات العامة، تقودها أحزاب داعمة لترشّح الرئيس لعهدة ثانية تتنقل بين الولايات لهذا الغرض، كما لم تشهد الحملة أيّة تصريحات متعارضة بين المتنافسين، ووصفت بالحملة الهادئة.

سنة باهتة سياسيًا

فاز الرئيس عبد المجيد تبون بعهدة ثانية بأغلبية ساحقة، خلّفت جدلًا سياسيًا في الجزائر بسبب نتائجها، وانتهت بتنحة رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، الذي اتهم لاحقًا بإضراره بمصداقية السلطة لعدم اتخاذه التدابير اللازمة لمعالجة المشكلات التقنية والتنظيمية التي ظهرت في مرحلة مبكّرة من السباق الرئاسي.

محمد شرفي

خلال هذه الحملة، أثار ظهور محمد شرفي وهو يعلن عن المترشحين الثلاثة في مرحلة جمع التوقيعات في بث مباشر، مرتبكًا ومتلعثمًا، وقدم حقائق متناقضة حول قبول الملفات، فمرة كان يُعلن عن خروج مترشحين من سباق الرئاسيات وعدم قبول ملفاتهم، في مقابل ذلك يقدم أرقامًا تُثبت أحقيتهم لدخول هذا المعترك، ليعود ويقدم أرقامًا أخرى ويعتذر عن الأخطاء التي بدرت في حق عدد من المترشحين.

لم يلبث أن عاد شرفي إلى واجهة الانتقادات، خلال إعلان النتائج الأولية التي منحت الرئيس تبون قرابة 95 % من الأصوات في مقابل نسب تكاد تكون صفرية لخصومه، وهو ما دفع مديريات الحملة الانتخابية للمترشحين الثلاثة بمن فيهم الرئيس تبون لإصدار بيانات يرفضون فيها النتائج، لتتدخل المحكمة الدستورية فيما بعد وتصحّح النتائج المعلنة، ويغادر محمد شرفي بعدها منصبه من الباب الضيق وسط دعوات حزبية لحل السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات.

يمكن القول إنّ سنة 2024 كانت "باهتة" سياسيًا، فعدا الانتخابات الرئاسية المسبقة التي مرّت بهدوء، أعلن رئيس الجمهورية عن تعديل وزاري احتفظ فيها بمعظم طاقمه الحكومي، رغم أنّه مس قطاعات عديدة في الحكومة منها الصناعة، التربية، الاتصال والنقل، واحتفظ بمعظم الطاقم الحكومي السابق تحت إشراف الوزير الأول نذير العرباوي الذي جدد فيه الرئيس تبون الثقة.

زيارة تيزي وزو

زيارة خنشلة وتيزي وزو

داخليًا دائمًا، كانت زيارة الرئيس تبون إلى ولايتي خنشلة وتيزي وزو أبرز تحركاته التي سبقت الانتخابات الرئاسية، فقد شهدت زيارته للولاية الأولى تدشين خط السكة الحديدية خنشلة- عين البيضاء بأم البواقي، ودخول ازدواجية الطريق الوطني رقم 88 حيز الخدمة، ووضع حجر أساس مشروع إنجاز 600 وحدة سكنية ذات طابع عمومي إيجاري بمنطقة طريق بغاي ببلدية خنشلة.

أما الولاية الثانية فقد دشّن فيها ملعب المجاهد الراحل حسين آيت أحمد، الواقع بالمدخل الغربي للمدينة واستمع إلى عروض تخص إنجاز بعض المرافق مثل السدود والطرقات ومحطة لتحلية مياه البحر.

"غضب" على البرلمان

خلال سنة 2024؛ لاقى البرلمان انتقادات شديدة بسبب رفضه تعديلات جديدة تسمح باسيتراد السيارات أقل من خمس سنوات بدل ثلاث سنوات، وشملت الانتقادت أن هذا البرلمان يصوّت ضد مصلحة المواطن بدل إقرار تشريعات تسهل إجراءات الاستيراد في ظل الندرة التي تشهدها البلاد منذ سنوات طويلة.

هذه التعديلات أدرجت خلال مناقشة قانون الموازنة العامة للبلاد لسنة 2025 لاستيراد المركبات المستعملة أقل من ثلاث سنوات، وإمكانية إدخالها من طرف المغتربين بالخارج، ويعني عدم التصوير لهذا القانون استمرار الأزمة وحفاظ السوق على أسعار خيالية مبالغ فيها، يعرفها سوق السيارات القديمة في الجزائر.

الحراك الشعبي

الإفراج عن سجناء الرأي

في غضون هذه الأحداث، وفي طريق يتجه نحو إقرار تدابير تهدئة، أقر رئيس  الجمهورية عفوًا رئاسيًا عن 2471 محبوسًا من معتقلي الرأي ممن تصفهم السلطة بـ"المتورّطين في جرائم النظام العام"، ولم تكشف بعد عن أسماء المتورّطين المفرج عنهم.

في مقابل ذلك، دار حديث على مواقع التواصل الاجتماعي، عن إمكانية إطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال، الذي اعتقل من طرف السلطات الجزائرية في مطار الجزائر الدولي هواري بومدين، قادمًا من فرنسا في شهر تشرين الثاني/ /نوفمبر الماضي.

وذكر محامي صنصال فرانسوا زيمراي، أنّ موكله سيتابع بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على "الأفعال التي تهدد أمن الدولة" وتعتبرها "أعمالًا إرهابية".

لاقى البرلمان الجزائر انتقادات شديدة بسبب رفضه تعديلات جديدة تسمح باستيراد السيارات أقل من خمس سنوات بدل ثلاث سنوات

لا يمكن قراءة المشهد السياسي في الجزائر، بعيدًا على تناول ملف الحرّيات ومعتقلي الرأي وحريّة وقوة الأحزاب المعارضة، ودور فعاليات المجتمع المدني والجمعيات، وإن كانت معظم الأحزاب المحسوبة على المعارضة قد انخرطت في مسار المشاركة السياسية في الجزائر سواءً في الانتخابات أو تشكيل الحكومة، بما فيها الحزب التقدمي جبهة القوة الاشتراكية "أفافاس" الذي دخل إلى سباق الرئاسيات بعد قرابة 25 سنة من المقاطعة، يمكن القول إنّ حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "أرسيدي" هو الحزب الوحيد الذي بقي يغرّد خارج السرب.

وبذلك يُنتظر أن يستجيب الرئيس تبون لدعوات الأحزاب بمختلف أطيافها لعقد حوار وطني شامل في سنة 2025، وفق تعهداته السابقة ضمن إجراءات ترمي إلى تنفيذ مشروعه الرئاسي.