07-نوفمبر-2021

أول زيارة لرئيس إيطالي إلى الجزائر منذ ما يقارب 18 عامًا (الصورة: سي جي تي أن أفريكا)

تعتبر زيارة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتريلا الجزائر، على رأس وفد رفيع المستوى يضمّ وزير الخارجية دي لوجي دي مايو،  أوّل زيارة رسمية لرئيس أوروبي منذ تولي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الرئاسة نهاية 2019، وأول زيارة لرئيس إيطالي إلى الجزائر منذ ما يقارب 18 عامًا حين زارها الرئيس الأسبق كارلوس أزيليو تشامبي في كانون الثاني/جانفي 2003.

محلل اقتصادي: الطرف الإيطالي يحاول التمركز والتموضع رقم واحد في الحوض البحر المتوسط مستفيدًا من القفزة الاقتصادية ومن توتر العلاقات الجزائرية-الفرنسية

ذكرت الجهات الرسمية الجزائرية، أن هذه الزيارة  التي لها طابع خاص، وتستمر لمدة يومين تشمل زيارة مواقع صناعية وسياحية وثقافية، ومن المقرر أن تشهد الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات الاستراتيجية في مجال الطاقة والاستثمار المتبادل.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس الإيطالي يصل إلى الجزائر في زيارة تدوم يومين

وتأتي زيارة الرئيس الإيطالي في سياق جيو سياسي و جيو إقليمي، على غرار التقارب الجزائري -الإسباني-الإيطالي في مجال تزويد الطاقوي، حيث تتشارك كل من الجزائر وروما الرؤية نفسها في سبيل المصالحة والبناء المؤسساتي في ليبيا ومعالجة ملفي الهجرة والإرهاب.

علاقات تاريخية

إلى هنا، تمتد العلاقات التاريخية بين إيطاليا والجزائر إلى فترة الحكم الروماني، حيث لم تخل زيارة رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري إلى إيطاليا مؤخرًا من من التطرق إلى هذا الجانب، بوقوفه أمام ضريح يوغرطة حفيد ماسينيسا سنة  104 قبل الميلاد، الذي قاد مقاومة ضد الرومان دامت سبع سنوات، وجاءت تغريدة لعمامرة في سياق الرد على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون الذي شكّك في وجود الأمة الجزائرية قبل 1830.

وفي ثورة التحرير الوطني، كُلّف الطيب بولحروف ممثلًا للحكومة المؤقتة في روما، ولعبت النخبة الإيطالية دورًا هامًا في إيصال صوت الثورة الجزائرية، وقد استفادت الثورة الجزائرية من دعم وتأييد شخصيات إيطالية كرست حياتها لنصرة الشعب الجزائري، على غرار أنريكو ماتي، الذي كان مسؤول شركة "أيني" الإيطالية، والذي قدم الدعم والدارسات التقنية في مجال الطاقة، ووضعها تحت تصرف مفاوضي الحكومة المؤقّتة مع الطرف الفرنسي في إيفيان، وساهم رجل الأعمال الكبير جيوفاني بريللي في دعم ملتقيات من أجل السلم وإنهاء الاستعمار بالجزائر.

وقد قام الناشر والكاتب الإيطالي الشهير جيانجيا كوموفلتنريللي بنشر وترجمة كتب أدانت الاستعمار الفرنسي في الجزائر.وكانت إيطاليا أول بلد أوروبي استضاف البعثات الطلبية الجزائرية لدراسة مجال المحروقات والطاقة، وعند تأميم المحروقات كانت الكوادر الجزائرية مكونة من طرف الشركات والمدراس الإيطالية.

أزمة الطاقة

وتعليقًا على زيارة الرئيس الإيطالي للجزائر، قال إسحاق خرشي، المحلل الاقتصادي في اتصال مع "التر جزائر" أن سياق زيارة الرئيس الإيطالي تأتي في أعقاب أزمة الطاقة العالمية.

وأضاف الجزائر هي ثاني مورد للغاز الطبيعي لإيطاليا بعد روسا، إذ تزوّد الجزائر بأكثر من 60 بالمائة من حاجيات إيطاليا، عبر أنبوب غاز يمر عبر تونس، أي بمقدار 14 مليار متر مكعب، وتابع أن هذه الزيارة تبحث عن تجديد وضمان توريد بالغاز الطبيعي، والتأكيد على عقود ما تزال سارية المفعول، يريد الطرف الإيطالي تمديدها.

وأفاد المحلل الاقتصادي، أن الجزائر تريد الاستفادة من الخدمات اللوجستيكية الإيطالية في تمديد أنبوت الغاز من تونس-إيطاليا إلى غاية إسبانيا بعد توقيف خط الغاز الرابط بين المغرب وإيطاليا.

وأشار خرشي بوجود علاقات قوية في مجال المحروقات بين شركة سوناطراك الجزائرية والشركة الإيطالية "أيني" وتجمعهما عقود تعاون كثيرة، مضيفًا أن إيطاليا هي ثاني شريك ومورد للجزائر في الاتحاد الأوروبي بعد فرنسا.

وفي تقدير المحلل الاقتصادي، فإنّ الطرف الإيطالي يحاول التمركز والتموضع رقم واحد في الحوض البحر المتوسط مستفيدًا من القفزة الاقتصادية، ومن توتر العلاقات الجزائرية-الفرنسية وتراجع الاستثمارات الفرنسية بالجزائر، حيث يبحث الشريك الإيطالي إلى زيادة حجم التبادل التجاري الذي يبلغ ثمانية مليارات دولار، وتوجد حوالي 300 شركة إيطالية بالجزائر وهو رقم مرشح للزيادة.

وبحسب خرشي تشكل التجربة الإيطالية في مجال مكافحة السوق الموازي، الذي بلغ 85 بالمئة عقب الحرب العالمية الثانية، فرصة تاريخية يمكن لطرف الجزائري الاستفادة منها ووضع الآليات التي استطاعت بها إيطاليا امتصاص السوق الموازية.

من جانبه أكد الخبير الاقتصادي، أن إيطاليا يمكن لها أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة النظر أو تعديل في بنود الاتفاق الجزائر مع الاتحاد الأوروبي وفق مصلحة الطرفين، كاشفًا أن الطرف الفرنسي لا يريد إعادة بنود الاتفاق، كونه أول مستفيد من السوق الجزائرية والاعفاءات الجمركية.

وأضاف أن النموذج الإيطالي يمكن الاستفادة منه خاصة في الصناعات الغذائية والفلاحية، حيث صدرت إيطاليا خلال عشرة الأشهر الأخيرة 52 مليار دولار.

تقليص النفوذ الفرنسي

من جانبه، أكد فاتح خنو، الخبير في العلاقات الدولية في حديث لـ "التر جزائر"، أن زيارة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتريلا متعددة الأبعاد والأهداف، مؤكدًا أن الزيارة تأتي في سياق توجهات الدبلوماسية الجزائرية نحو تنويع العلاقات الاستراتيجية والدوائر الخارجية الفاعلة.

وأضاف أن إيطاليا تشكل إحدى الدوائر المحورية في الاتحاد الأوروبي، وعضو في حلف الناتو وقوة اقتصادية في مجال الطاقات المتجددة، ونموذج رائد في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسّطة.

وتابع أن الجزائر وإيطاليا تتقاسم نقاط مشتركة، جغرافيًا وإقليميًا، فهي ضمن دول الحوض المتوسط، تتشارك مع الجزائر في ملفات مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب، ولهما نفس المقاربة في سبل تحقيق المصالحة في ليبيا، وينسقان من أجل إنجاح البناء المؤسساتي وإجراء الانتخابات نهاية السنة.

ويهدف هذا التقارب في الدبلوماسية الجزائرية إلى التخلّص من الهيمنة الفرنسية سياسيًا واقتصاديًا، إذ تبلغ صادرات فرنسا تجاه الجزائر بـ 19 مليار دولار، وهي المستفيدة من الحصة الأكبر من بين الدول الأوروبية.

وختم المتحدث أن المحور الإيطالي -الجزائري يشكّل محورًا جيو سياسي وجيو إقليمي، يٌمكن لإيطاليا الاستفادة من سوق طاقوبة رائدة، تمكن الجزائر من تنويع الشركاء والخروج من الدائرة الضيقة في علاقاتها الاورومتوسطية.

تكمن أهمية زيارة الرئيس الإيطالي إلى الجزائر في التحوّلات الإقليمية والدولية وصعود كل من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا كقوى اقتصادية وسياسية وعسكرية تبحث عن التموقع في الساحل المتوسطي

تكمن أهمية زيارة الرئيس الإيطالي إلى الجزائر في التحوّلات الإقليمية والدولية التي باتت ترسم في حوض البحر المتوسط، وصعود كل من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا كقوى اقتصادية وسياسية وعسكرية تبحث عن التموقع في الساحل المتوسطي كمحور اعتدال، تتجه نحو بلدان شمال أفريقيا والعمق الأفريقي بحثًا عن تنمية مشتركة وشراكة اقتصادية، تساعد الدول الأفريقية على التنمية والنهضة بدل الاستغلال والهيمنة الذي يطبع الفكر الكولونيالي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيطاليا تدعم الموقف الجزائري بشأن الأزمة الليبية

إيطاليا الزبون الأول.. ارتفاع صادرات الغاز الجزائري بداية 2021