21-ديسمبر-2019

عبد المجيد تبون حاول استدراج الحراك إلى الحوار (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

تشدّق الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون طويلًا بالقطيعة مع المرحلة السابقة، بل وأسقط صفة "فخامة الرئيس" التي ابتدعت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقال في أوّل خطاب له عقب أدائه اليمين الدستورية بقصر الأمم بالعاصمة الجزائرية: "أرجو أن يتم من هذه اللحظة، سحب لقب الفخامة من تسمية الرئيس، والاكتفاء بالسيّد الرئيس فقط".

تطرّق الرئيس تبون في خطابه، إلى أولويات المرحلة القادمة بدايةً بتعديل الدستور 

مشاورات الدستور 

تطرّق الرئيس تبون في خطابه، إلى أولويات المرحلة القادمة بدايةً بتعديل الدستور بغرض بناء "جمهوريةٍ جديدة وجزائر لا يُظلم فيها أحد" كما قال، مؤكّدًا على عهدة رئاسية تجدّد مرّة واحدة، وأن الدستور الجديد لن يمنح أية حصانة لأي فاسد، ويضمن حرّية الإعلام وحق التظاهر".

اقرأ/ي أيضًا: المشهد السياسي في الجزائر.. ماذا بعد الانتخابات الرئاسية؟

وفي مقترحاته أيضًا، "تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، بهدف تحصين الجزائر من السقوط في الحكم الفردي وخلق التوازن بين المؤسّسات، ويضمن الفصل بين السلطات"، فضلًا عن تعديل قانون الانتخابات، بشروط جديدة للترشّح للمجالس المنتخبة، سواءً في المجالس البلدية والولائية والبرلمانية، بـ "تجريم تدخّل المال الفاسد في العمل السياسي" و"الدولة هي من سيتكفل بتمويل المترشّحين الجامعيين لمنع وقوعهم في يد المال الفاسد".

بالنسبة لهذه التعهدات التي ستكلّف الدولة خطوات قانونية يشتغل عليها المختصّون، وتلبّي انتظارات قطاع واسع من الجزائريين، يرى الأستاذ في العلوم السياسية عبد السلام بن الشاوي، أن الوعود المتعلقة بتعديل الدستور من شأنها أن تدخل الجزائر إلى مرحلة جديدة في الممارسة السياسية، لافتًا في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن الدستور هو "روح القوانين المسيرة للبلاد، ولا يُمكن أن نقوم بتعديله دون سلسلة من المشاورات والقراءات وسدّ الثغرات التي تركتها مرحلة التعديلات الجوهرية التي مسّته في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".

عين على الشارع والفساد

مرّة أخرى، يؤكّد الرئيس تبون على أن تربّعه على كرسي الرئاسة لم يكن في ظروف هادئة، وهو ما يكرّره في خطاباته سواءً خلال الحملة الانتخابية، والحوارات التلفزيونية والمناظرة بين منافسيه على كرسي الرئاسة الجزائرية، ومنذ إعلان نتائج الانتخابات، إذ دعا إلى طي صفحات الخلافات والتشققات الموجودة في الشارع قائلًا: "إننا جميعًا جزائريون، وليس فينا من هو أكثر جزائرية من الآخر، عدا ما يقدّمه كل منّا للجزائر"، مشدّدًا على "أهميّة التجاوز السريع لهذا الوضع عبر رؤية سياسية واضحة وإستراتجية لاستعادة الثقة بين الشعب ومؤسّسات الدولة، والاستمرار في مكافحة منتظمة للفساد والتوزيع العشوائي للريع".

إضافة إلى كلّ هذا، لم يتردد الرئيس تبون في إطلاق وعود للشارع الجزائري الذي لا زال في حالة غليان، إذ جدد دعوته لمكونات الحراك الشعبي السياسية والمدنية، لأجل فتح مجال الحوار، قائلًا "أجدد التزامي بمدّ يدي للجميع للحوار في إطار التوافق الوطني وقوانين الجمهورية"، ولم يكتف بذلك فقط بل جدّد التزامه "بالاستجابة للتطلعات العميقة لشعبنا بالتغيير العميق لنظام الحكم والدولة والديمقراطية وحقوق الانسان، وخلق الظروف لإعادة بعث النمو الاقتصادي، وإرجاع الجزائر لمكانتها بين الأمم".

هذه الكلمات التي تضمّنها خطابه، توحي باعتراف صريح للرئيس أن المسؤولية التي أوكلت إليه مسؤولية تكليف، واعترافه بأن الحراك الشعبي يشكّل محددًا لاستمراره في الحكم في قادم الأيام والأشهر، إن سارت الأمور كما يراد لها من السلطة الفعلية في البلاد، كما قال الأستاذ في العلوم السياسية والناشط عبد الله ملياني، لافتًا في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الحراك الشعبي يظلّ عقبة كبرى أمام مهام الرئيس، حتّى وإن أقدم على خطوات كثيرة من شأنها تهدئة الشارع وبعث الطمأنينة في الجزائريين، خصوصًا أمام "الكم الهائل من الإحباطات النفسية بسبب حجم الفساد وحجم الظلم الذي يعيشه الجزائريون في جميع المستويات".

من أولويات الرئيس تبون أيضًا، قضية محاربة الفساد، إذ قال في خطابه "لن أسمح بالعبث بالمال العام، وستعمل الدولة على مراقبة ذلك". ووجّه دعوة إلى من وصفهم "برجال المال والأعمال الصادقين للاستثمار في كل مناطق البلد والدولة ستكون في دعمهم"، في إشارة إلى رفضه استمرار الممارسات السابقة في الدعم العشوائي لرجال أعمال لم يكن هدفهم بالأساس هو الاستثمار، على حدّ تعبيره.

كما كرّر الرئيس تبون لعدّة مرات، عبارات تُشير إلى تشبثه ببيان أوّل نوفمبر وبناء جمهورية جديدة، إذ قال إنه "لا خيار لنا إلا وضع اليد في اليد لبناء جمهورية جديدة ودولة قوية مسترشدين ببيان أول نوفمبر، الذي هو مرجعنا لبناء دولة المؤسّسات، يعلو فيها الحق والقانون وتتبوأ فيها الكفاءات من الشباب المناصب العليا".

رغم عبارات الأمل التي حملها خطاب الرئيس تبون، إلا أنها تحتاج إلى استرجاع الثقة المفقودة في منظومة الحكم، يقول الناشط ملياني، موضحًا أن "الدولة القوية تُبنى على المؤسّسات، وتحتاج كفاءات ونيات صافية لتحقيقها، عندما يزج بالظالم السجن ويستعيد المواطن البسيط حقه في السكن والشغل والصحّة والحياة الكريمة" على حدّ تعبيره.

الإعلام والتعليم 

هناك جدلية بين السياسة والإعلام، وهو ما جعل تبون يُجدّد في أكثر من موقف حديثه عن حريّة الصحافة إذ جاء في خطابه "أعد بحرّية لا حدود لها لوسائل الإعلام، شريطة التحلّي بالمسؤولية والموضوعية"، معلنًا أنه "سيتمّ حلّ مشكل الإشهار العمومي وجعله آلية لحرّية الصحافة والوسائل الإعلامية والصحافة الإلكترونية"، إضافة إلى حلّ مشكلات التعليم والتربية وتخفيف ضغط المحفظة على التلاميذ وتطوّر التعليم العالي والجامعة وربط الجامعة بعالم الشغل وضمان استقلالية المؤسّسات الجامعية، مؤكّدًا أنه سينهي أزمات بعض الفئات الاجتماعية العالقة منذ سنوات كفئة أفراد الجيش المعطوبين، أو الذين أعيد تجنيدهم لمكافحة الإرهاب والذين يتظاهرون منذ سنوات للحصول على حقوقهم، على حدّ قوله.

وفيما يتعلق بالجيش، أكّد الرئيس تبون أنه سيدعم استمرار سياسة تطوير الجيش واحترافية الأفراد ورفع معنويات العسكريين، خاصّة العاملين في المناطق الجنوبية والحدود والجبال، كما أعلن عزمه إنشاء هيئات دفاع للدفاع الفوري عن أفراد الجالية الجزائرية في الخارج.

عقيدة جزائرية..

رسائل الرئيس تبون خلال أدائه اليمين الدستورية، كانت موجهة أيضًا للخارج، إذ شدّد على البعد المغاربي وعقيدة الجزائر إزاء قضية الصحراء، لافتًا بذلك إلى أن الكرة في ملعب المغرب لإبعاد ملف الصحراء عن العلاقات الثنائية بين البلدين، مضيفا "لن يرى الأشقاء أبدًا ما يسوؤهم أو يعكّر صفوهم". وجدد المتحدث تمسّك الجزائر بحماية وحدة ليبيا، مضيفًا "نحن معنيون باستقرار ليبيا حبّ من حب وكره من كره"، متطلعًا لحلحلة الأزمات في العراق واليمن وسوريا، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ودعم حق الشعب الفلسطيني، وبذل المزيد من الجهد لأجل تعزيز السلم والأمن والأمان في المنطقة.

شدّد عبد المجيد تبون على البعد المغاربي وعقيدة الجزائر إزاء قضية الصحراء ودول الساحل وملف ليبيا

خلال الأشهر العشرة الماضية، أهملت الجزائر الكثير من القضايا الخارجية، بحسب متتبعين للسياسة الخارجية، فالأزمة السياسية الداخلية "منعت عنّا رؤية الأحداث من وراء الحدود" يقول الباحث في العلاقات الدولية محي الدين بوراس لـ"الترا جزائر"، مؤكدًا على أن الجبهة السياسية الداخلية تحتاج إلى إعادة ترتيب البيت جيّدًا بأولويات السياسي الداخلي ثم الاقتصادي والاجتماعي، في فضاءات متحرّكة وملتهبة تحتاج من الرئيس الجديد العمل مع فريق يحسن قراءة الخارج من باب استعادة الهيبة الجزائرية من خلال تقوية الجبهة الداخلية، يضيف المتحدث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون يؤدّي اليمين الدستورية ويطلق المزيد من الوعود

الإليزيه ينفي أن يكون إيمانويل ماكرون أرسل "تهانيه الحارّة" للرئيس الجزائري