06-يوليو-2022
الرئيس عبد المجيد تبون رفقة الفريق الأول خلال استعراض عسكري (الصورة:الأناضول)

الرئيس عبد المجيد تبون رفقة الفريق الأول خلال استعراض عسكري (الصورة:الأناضول)

أحيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه خلال اجتماع دول البريكس المنعقد أواخر حزيران/جوان المنصرم مطلب إقامة نظام اقتصادي دولي جديد، محاولًا السير على خطى الرئيس الراحل هواري بومدين (1932-1978) الذي طرح هذا المطلب الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل حوالي نصف قرن في لائحة لها.

استخدم تبون المفردات نفسها تقريبًا التي استعملها بومدين في دعوته لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد

واستخدم تبون المفردات نفسها تقريبًا التي استعملها بومدين في دعوته لـ"إقامة نظام اقتصادي دولي جديد يقوم على الانصاف والمساواة في السيادة، وعلى المصالح المشتركة المتكاملة والتعاون بين جميع الدول"، أمام المشاركين في منتدى البريكس مبرزًا أهمية تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3201 الذي قدمته الجزائر نيابة عن مجموعة الـ77 والداعي لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد.

ففي خطبته الشهيرة رافع العقيد بومدين من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ "تغيير العلاقات الدولية وصولًا إلى نظام اقتصادي دولي جديد أكثر عدلًا وإنصافًا لدول الجنوب".

ولم تكن رحلة تبون عبر الزمن لاستحضار مطلب طالما تغنت به الدبلوماسية الجزائرية، فيما توصف بالفترة الذهبية لها، مخاطبًا وجدان جزءٍ من الجزائريين الذين لا زالوا يحنون إلى البومدينية، إلا واحدة من خطة تضم إعادة الاعتبار للرئيس الراحل وإحياء إرثه واستثمار ذلك لإنعاش حظوظه في الذهاب لعهدة جديدة في الحكم.

انتصارات دبلوماسية؟

وأثار خطاب تبون في الاجتماع تفاعلًا في صفحة الرئاسة الجزائرية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك من خلال آلاف التعليقات، لكن على مستوى الطبقة السياسية لم يجد له صدى واسعا بمن في ذلك لدى القوى المؤيدة له.

وغضت الهيئة المشرفة على صفحة الرئاسة الجزائرية نظرها عن التعليقات المنتقدة لهذا الخطاب الذي يعيد الجزائريين نصف قرن إلى الوراء، ملامسًا قاع الشعبوية.

ويضع فريق تبون من المعاونين والمستشارين عملية تسليط الأضواء عليه بشكل دائم وضمان حضور  إعلامي وسياسي داخلي ودولي، والترويج لانتصارات دبلوماسية في المحافل الدولية يصعب التثبت منها. 

ويرفع الرئيس الجزائري شعار افتكاك مكانة ودور إقليمي ودولي (مفقود في سجله مقارنة بأسلافه من الرؤساء السابقين وهم من جيل حرب التحرير)، محاولًا ترك لمسته الخاصة في تاريخ الجزائر الدبلوماسي، ووضع وعوده الانتخابية في السياسة الخارجية (تعهدان من أصل 54) حيز التنفيذ.

جاء في التعهد الأول "مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية" (العلاقات الثنائية والمتعـددة الأطراف)، أما الثاني فتحدث عن "وضع معالم دبلوماسية اقتصادية هجومية في خدمة التنمية الوطنية والمؤسّسات والمستثمرين العمومين والخواص".

ورغم انهماكه في علاج مشاكل داخلية عويصة يظهر نظام الرئيس تبون سعيًا حثيثًا لأجل فرض هيبة الدولة الجزائرية داخليًا وإقليميًا ودوليا، ترجمت في على المستوى الداخلي بعمل حثيث لكسر حركة المطالبة بالتغيير والحريات والضغط على الجماعات المنشقة والهامشية وعزل مراكز المقاومة في النظام، موظفًا كل وسائل الدولة في ذلك موظفًا جهازي الأمن والعدالة، وملاحقة المعارضين في الخارج، وإغراء آخرين بالعودة الطوعية.

علاقات صدامية 

وفي السياسة الخارجية يشهد ميل لتغيير قواعد الاشتباك ترجم  في علاقة صدامية تجاه القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، من خلال تقليص النفوذ الاقتصادي والثقافي لها بمراجعة حصة الشركات الفرنسية في السوق المحلية (قطاعا المياه والنقل) وفسح مكان للغات أجنبية أخرى منها الإنجليزية كمنافس للغة الفرنسية  في المدارس الجزائرية، والتخلي عما اعتبر مقاولة من الباطن لأجل فرنسا في منطقة جنوب الصحراء من خلال مساعدة القوات الفرنسية على الانتشار في مالي والمشاركة غير المعلنة في خطة طردها وغض النظر عن تسلل روسيا إلى المنطقة.

وتمضي الجزائر في ظلّ حكم تبون في سياسة صدام مع المغرب الأقصى منافسها الرئيسي في المنطقة، متخليّة عن سياسة المهادنة التي سارت عليها في عهد سابق، و لم يتردّد في قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب الاقصى من جديد كما فعل بومدين في السبعينات من القرن الماضي، وبلغ الأمر إلى درجة التلويح بخيارات أكثر تطرفًا ردًا على تحريك ورقة انفصال منطقة القبائل التي ينتمي إليه قطاع هام من النخبة الحاكمة ورجال الأعمال.

إضافة إلى ما سبق، يضاف إلى اللغة الصدامية التي استعملها الرئيس التلويح بورقة جمهورية الريف التي أسسها عبدالكريم الخطابي في عشرينات القرن الماضي، والدخول في مواجهة دبلوماسية مع إسبانيا معيدة تحريك ورقة المحروقات التي لعبها العرب بامتياز في سنوات 70 من القرن الماضي ضدّ الغرب، ورغم اعتماد الاقتصاد الجزائري على مداخيل المحروقات وجزء هام منه تأتي من إسبانيا لم تجد الدبلوماسية الجزائرية عقدة في التلويح علنًا بقطع الطاقة عن مدريد في حالة انتهاكها لبنود اتفاق ثنائي يوجب على إسبانيا عدم إعادة تصدير الغاز الجزائري إلى المغرب الأقصي.

وساهم تعالي المسؤولين الإسبان تجاه رموز الدولة الجزائرية (السخرية من الرئيس تبون من قبل وزير خارجية إسبانيا في نيسان/أفريل الماضي ووصف تصريحاته بالعقيمة) في تشنج الموقف الجزائري، ولم تثن التهديدات الأوربية لها من المضي في فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على مدريد، قد تصل لحد قطع صادرات الغاز رغم نفي السلطات الجزائرية لذلك.

ورفضت الجزائر الانخراط في الجهود التي تبذلها دول عربية لعزل إيران، أو التخلي عن دعم السلطة الفلسطينية والمشاركة في مسار التطبيع مع إسرائيل، لتأكيد استقلالية قرارها.

الأفكار لا تموت

يوفر الترويج لنظام اقتصادي دولي جديد، إلى جانب دور الشريك الآمن في توفير الموراد الطاقوية، متنفسًا للدبلوماسية الجزائرية، بعدما قاربت ورقة مكافحة الإرهاب على النفاذ والتي صورت التجربة الجزائرية لنموذج فريد، بدخول منافسين آخرين على الخط، وتراجع نشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة باستثناء بعض الجيوب في منطقة الصحراء الكبرى.

لكن إحياء فكرة تعود لمرحلة الحرب الباردة قد يوحي بأزمة خطاب سياسي رسمي، وعدم التناسق مع تحوّلات المرحلة على الساحة الدولية سواءً من ناحية الفاعلين والأولويات وغلبة المصالح على علاقات الدول.

الهواري تيغرسي: الصراعات المحتدمة حاليًا بين القوى العظمى يدفع فعلًا لبعث مطلب نظام اقتصادي عالمي جديد تحت اي مسمى يريدون

ويرى للخبير وأستاذ الاقتصاد الهواري تيغرسي راي آخر، موضحًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أن بعث مطلب نظام اقتصادي دولي جديد، يعكس ذلك وفاء العميق للمبادئ المؤسسة للدبلوماسية الجزائرية.  وتابع " الصراعات المحتدمة حاليًا بين القوى العظمى والأزمات الهيكلية التي تعاني منها اقتصاديات بعض الدول وخطر المجاعة التي يتهدد العالم يدفع فعلًا لبعث مطلب نظام اقتصادي عالمي جديد تحت اي مسمى يريدون".