01-فبراير-2025
صالح قوجيل

صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة (فيسبوك)

تشهد الجزائر في التاسع آذار /مارس  المُقبل تحوُّلاً سياسياً رمزياً، في إطار انتخابات التجديد النّصفي لأعضاء الغرفة العليا للبرلمان، ووصول مرشّحين إلى مجلس الأمة، كلهم انتخبوا في فترة حكم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون خلفا لآخر النّاجين من عهد سلفه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

منذ تأسيس الهيئة  قبل أزيد من ربع قرن؛ تداول على كرسي رئاسة مجلس الأمة ( الغرفة العليا للبرلمان)  4 رؤساء كلهم من جيل الثورة

وصف رئيس كتلة الأحرار بمجلس الأمة الطاهر بلزرق  هذه العملية بالحدث السياسي البارز، قائلاً في تصريح لـ"الترا جزائر": سنشهد استحواذ المنتخبين المنبثقين عن انتخابات 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 على الغرفة العليا للبرلمان، لأنّ هذه محطة مهمة في بناء الجزائر الجديدة".

وأشار العضو في الغرفة العليا للبرلمان إلى أنّ كل المجالس المُنتخبة في البلاد من نواب وفي مختلف المجالس المحلية هم من مخرجات الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في عهد الرئيس عبد المجيد تبون الذي أعيد انتخابه قبل ستة أشهر لعهدة ثانية.

وتترتّب على هذه العملية؛ تولّي رئيس جديد للغرفة العليا للبرلمان، لعدم قابلية رئيسه الحالي صالح قوجيل للاستمرار في منصبه، حيث اكتملت عُهدته في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، دون إمكانية تجديدها لفترة أخرى لموانع دستورية بالأساس حيث يحظر الدستور الجزائري عضوية البرلمان على كل من شغل عهدتين متتاليتين أو منفصلين.

رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل

ما بعد صالح قوجيل

يُمهِّد إغلاق قوس مرحلة صالح قوجيل، الذي احتفل بعيد ميلاده الـ 94 في 15 كانون الثاني/ يناير  الماضي، الطريق أمام الرئيس عبد المجيد تبون من أجل تعيين خامس رئيس للهيئة منذُ تأسيسها قبل ثلاثة عقود.

ويسُود الغموض بخصوص خلافة قوجيل، وإن كان الرئيس تبّون سيختار أحد الشخصيات من جيل ثورة التحرير لرئاسة الغرفة العليا للبرلمان، أو شخصية من غير المنتمين لذلك الجيل، ضمن حسابات سياسية تتضمّن التكيف مع متطلبات تجدُّد الطبقة الحاكمة في الجزائر على أمل تغيير الصورة النمطية عن السلطة والحاجة لشخصية سياسية مرنة تنوب عن الرئيس تبون في نشاطات داخلية وخارجية.

وتعرف المرحلة الحالية من عمر الجزائر المستقلة حضوراً خافتاً لجيل حرب التحرير في دائرة القرار السياسي بالبلاد، إذ يقترب غالبية هذا الجيل من بلوغ دورة الحياة باستثناء أقلية قليلة، ويقتصر تمثيل هذه الفئة في واجهة الدولة ومؤسساتها في رئيس المحكمة الدستورية عمر بلحاج ومجموعة من النواب المعيّنين منهم صالح لعويرة، دحو ولد قابلية، ومصطفى لهبيري وحمة شوشان.

وحسبما ذكره الباحث في التاريخ السياسي للجزائر رابح لونيسي فإنّه من المتوقع المضي قُدما في الاستغناء عن جيل الثورة ووقف العمل بالشرعية التاريخية والتقاليد التي سار عليها مجلس الأمة بتكليف واحد من الجيل الذي شارك في حرب التحرير والاستقلال برئاسة الغرفة العليا للبرلمان

وقال الباحث في التاريخ السياسي للجزائر في تصريح لـ "الترا جزائر" :"الجيل الذي كافح لأجل استقلال البلاد منته بيولوجيا.. هذه دورة الحياة".

وتداول على كرسي رئاسة مجلس الأمة ( الغرفة العليا للبرلمان)، منذ تأسيس الهيئة قبل أزيد من ربع قرن؛ أربعة رؤساء كلهم من جيل الثورة وهم بشير بومعزة في فترة 1998-2001، ومحمد الشريف مساعدية في فترة 2001-2002، وعبد القادر بن صالح في فترة 2002-2019، ثم صالح قوجيل 2019-2025.

مقر مجلس الأمة

مُشاركة قياسية

مع رحيل الأعضاء المخضرمين ومنهم وزراء سابقين؛ سيدخل مجلس الأمة مرحلة انتقالية، وسط تساؤلات حول قدرة الأعضاء الجدد على سدّ الفراغ الذي سيُخلّفه الراحلون المنتخبون أو المعينون والقيام بالأدوار التي تولاها أسلافهم في الرقابة على عمل الغرفة السفلى واعتراض التعديلات التي لا تحظى بقبول الحكومة .

عضوية البرلمان وامتيازاتها تُغري قطاع كبير من المنتخبين المحليين فمن غير المستبعد تسجيل مشاركة قياسية للمرشحين 

بالرغم من محاولة إحداث قطيعة مع المرحلة السابقة والاستعانة بوجوه جديدة تُطرح تساؤلات عن قدرة المنتخبون الجُدد للوصول إلى الهيئة، كما تُطرح تساؤلات أخرى حول شكل المجلس القادم؛ أي هل سيُحافظ على الأغلبية التقليدية أو سيتحول المجلس إلى شتات سياسي في ظل حالة الانقسام الداخلي التي يمر بها حزب الأغلبية حزب جبهة التحرير الوطني الذي سيغادر 32 عضوا من أعضاء كتلته البالغة 61 مقعداً مواقعهم؟.

وقال عضو المجلس محمد رباح المنتخب عن حزب جبهة التحرير الوطني لـ"الترا جزائر" إنّ استرجاع الحزب هذا العدد من المقاعد لن يكون بالأمر اليسير، كما اقترح  اختيار قائمة من ثلاثة مرشحين لخوض السباق تحسّباً لـ"فيتو سلطة الانتخابات على المرشح الأول"، على ضوء إلغاء السلطة سابقا لعدة ترشيحات، محذّراً من تبعات تراجع حصة الحزب الذي حقق في آخر عملية تجديد 26 مقعداً.

وانطلاقا من أنّ عضوية البرلمان وامتيازاتها تُغري قطاع كبير من المنتخبين المحليين فمن غير المستبعد تسجيل مشاركة قياسية للمرشحين وخاصة الأحرار والمنشقين عن أحزابهم مقارنة بانتخابات 2021 التي شهدت مشاركة 473 مرشحا، ويشكّل تراجع تأثير ما يعرف بجماعات المال السياسي في العملية الانتخابية عامل مساعد على انخراط المرشحين في المنافسة.

وما يؤشر على ذلك؛ البيان الصادر الخميس 29 كانون الثاني/ يناير عن سلطة الانتخابات حيث قام 143 منتخباً بسحب استمارات الترشيح.

أعضاء مجلس الأمة خلال دراسة مشروعي قانون البلدية والولاية

غياب المال السياسي؟

تحرِص السلطات على تقليص تأثير أصحاب الثروات في الانتخابات والقرار مما سمح في آخر انتخابات بنجاح عدد من المرشحين القادمين من أوساط شعبية.

وشهدت السنوات الأخيرة إدانة لعضو في المجلس الحالي وأقارب لها ومنتخبين محليين بالسجن النافذ بتهمة شراء أصوات منتخبين.

 كما يُواجه ثلاثة مرشحون للانتخابات الرئاسية متابعات قانونية منذ الصيف الماضي بشُبهة منح مبالغ مالية لمنتخبين محليين.

من جانبها، حرصت الأحزاب السياسية على تذكير منتخبيها بأحكام قانون الانتخابات ومن ذلك الابتعاد عن جميع الأساليب التي تُسيء للعملية الانتخابية بما فيها أي محاولة لتوظيف المال للحصول على الأصوات.

ورغم تراجع تأثير المال السياسي؛ إلا أن جماعات تأثير أخرى لن تختفي وخصوصا الإدارة التي تلعب دورا خفيا ومؤثّرا في ترجيح الكفة لمرشح على حساب آخر.

 وباستثناء وقوع هزات داخلية في الأحزاب التي ستفشل في هذا الاستحقاق لا تحمل هذا الانتخابات اي تهديد للتوازنات السياسية فالمقاعد ستوزع بين قوى الموالاة التي تسيطر على المجالس المحلية، ما عدا مقعدي ولايتي تيزي وزو وبجاية المقرر أن تعود إلى حزب المعارضة جبهة القوة الاشتراكية.

يرى أستاذ القانون الدستوري بوجمعة صويلح بأنّ تغيير نمط انتخاب أعضاء مجلس الأمة والانتقال إلى الاقتراع العام "يتطلب عملية إصلاح دستوري عميقة"، كما توقع أن يُطرح هذا النّقاش حول هذه القضية في المستقبل، حسب ردّه على سؤال "الترا جزائر."

أعضاء مجلس الأمة

سرّ نجاح

 مع التوجّه السياسي لإقصاء العصب السياسية التي تستخدم نفوذها المالي للحصول على مقاعد في البرلمان، من المرتقب صُعود مزيد من الوجوه من الطبقات الشعبية، مثلما جرى في 5 شباط/ فيفري 2021 بالعاصمة، حيث حاز عامل في قطاع النفط محمد الأمين ساحلي على مقعد ولاية العاصمة مدعوما بأصوات 373 من زملائه.

وكانت سيرته على النقيض لسيرة زميله المنتهية عهدته بشير ولد زميرلي رجال الأعمال.

ابتسم العضو ساحلي عند سؤاله بخصوص السرّ في نجاحه في تلك الانتخابات أمام تحالف من الأجهزة الحزبية وقوى الإدارة التي دعمت مرشح المعارضة (جبهة القوى الاشتراكية)، قائلاً: "يعود الفضل للنتيجة التي حققتها؛ لمؤازرة زملائي في المجالس المنتخبة للعاصمة".