24-سبتمبر-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

أصدر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعليمة إلى أعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة الأمنية، حول عدم الاعتداد بالرسائل المجهولة في المتابعات القضائية والأمنية، وكانت دوافع القرار حسب بيان الرئاسة، هي وصول تقارير إلى رئاسة الجمهورية أظهرت أن عددًا من إطارات الدولة والمسؤولين على مختلف المستويات تمّت متابعتهم قضائيا بناءً على مجرّد رسائل مجهولة، غالبًا ما كانت عارية من الصحّة.

 رئاسة الجمهورية: تسبّبت الرسائل المجهولة إلى حرمان عدد من الإطارات من حرّيتهم

 تسبّبت الرسائل المجهولة، حسب بيان رئاسة الجمهورية، في حرمان عدد من الإطارات من حرّيتهم، وخلّف حالة من الشلل في نشاطات الإدارات والمؤسسات العمومية، بسبب الخوف والخشية من الوقوع تحت طائلة المتابعة، بناءً على مجرّد رسائل مجهولة، حتّى أنّ العديد من المسؤولين الآخرين أصبحوا يقتصرون على الحد الأدنى من التزاماتهم ويمتنعون عن أي مبادرة، مما أسفر عن تأجيل معالجة ملفّات هامّة، تكتسي أحيانًا الطابع الإستعجالي، إلى تواريخ لاحقة، متسببة في إلحاق أضرار بليغة بسير هذه المؤسسات، يضيف البيان.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الاتصال: لا أسماء مستعارة في الصحافة

وشدّد بيان رئاسة الجمهورية على ضرورة التمييز بين أخطاء التسيير الناجمة عن سوء في التقدير، والتصرّفات العمدية التي لا تخدم سوى القائمين بها أو أطراف أخرى تحركها نوايا سيئة، وإنّ الإدارة القضائية تمتلك كل الوسائل  للقيام بذلك، كل الوسائل القانونية لإجراء التحريات اللازمة في هذا الشأن.

 الجدل قائم  

وفي سياق الموضوع، فقد أثارت فعالية الرسائل المجهولة المتضمّنة ملفات الفساد والتجاوزات جدل وسط منظمات مكافحة الفساد، ومدراء ومسؤولي المؤسّسات الاقتصادية والإدارية، فبينما ترى جمعيات محاربة الفساد أن الرسائل المجهولة هي وسيلة من بين الوسائل كشف وتنديد بالفساد، دون تعرّض صاحبها إلى المضايقات أو الانتقام، في المقابل يرى الطرف الثاني أن الرسائل المجهولة هي مصدر ومحلّ مساومة وابتزاز من أطراف يضايقها عمل مدير مؤسّسة عمومية أو مسؤول إداري وتهدف إلى التضييق عليه.

وفي السياق ذاته، يرى الخبير القانوني فيصل بوصعيدة، أن صدور تعليمة منع الاعتداد بالرسائل المجهولة في المتابعات القضائية قرار غير صائب، مضيفًا أن المفروض هو إسداء تعليمات بأخذ الحيطة في التعامل مع الرسائل المجهولة، أو تحديد شروط موضوعية وقانونية في التعامل مع الرسائل المجهولة.

فالإدارة والقضاء بحسب محدث "الترا جزائر"، تمتلك من الإمكانيات والمرونة والسلطة التقديرية في التعامل مع مصادر التبليغ من طرف مصدر مجهول، وكشف الخبير القانوني أنه في غياب الحماية الحقيقية وقوية للمبلغين، فإن التبليغ عبر الرسائل يبقى الوسيلة المتاحة للتبليغ عن حالات الفساد.

غياب الضمانات

 من جهته، يرى حقوقيون أنه  في غياب ضمانات قانونية فعالة لحماية المبلغ عن جرائم الفساد، يدفع الكثير إلى اللجوء إلى التخفّي في التبليغ عن التجاوزات والفساد، مخافة من الانتقام والتهديد، ويجري في ذهنيات الأوساط المجتمعية أن الفاسدين  في العادة ما يُحظُوَن بحماية سياسية رفيعة المستوى، يجدر التذكيرأن وسائل إعلام تناولت بعض حالات عن مبلغين تعرّضوا إلى مضييقات وتهديد وفصل عن العمل.

في مقابل ذلك يشدّد خبراء في القانون على ضرورة وضبط آليات التبليغ عن كل ما يخالف القانون ويمس المال العام، توفر له الحماية والضمانات القانونية في حال التأكّد من صحّة المعلومات.

فضائح على منصات التواصل

في هذا السياق، انتشرت في السنوات الأخيرة ملفات فساد وتجاوزات في  حق المال العام على منصات التواصل الاجتماعي أو صفحات بعض المدونين، لكن انتشارها في مواقع السوشيل ميديا جعّل التأكّد من صحّة المعلومات محلّ تشكيك، ومصداقية تلك الملفات غير كافٍ، وفي غالب ما يُنشر على مواقع التواصل لا تُراعى  خصوصيات الأشخاص، أو قرينة البراءة أو التواصل مع المعني بالأمر،  وسبق وأن تعرّض كثيرٌ من المدراء والمسؤولين إلى حالات مُساومة وابتزاز وتهديد  بنشر الملفات.

في المقابل، فإن غياب صحافة استقصائية ومستقلّة ماديًا، يجعل تناول ملفات الفساد في الإعلام الجزائري محلّ تحفظ وتخوف مدراء الصحف، أو ازدواجية في التعاطي مع الملفات، فهل يمكن تناول موضوع فساد مسؤول سياسي أو عسكري لايزال بالسلطة، أكيد لن تجرأ الصحافة وفق السياق السياسي  الحالي عن نشر مثل تلك الملف.

محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية وعدالة مستقلة عن السلطة التنفيذية

يجدر التذكير أن الصحف الوطنية لا تزال تعاني من هامش الحرّية في تناول المسائل الحساسة سواء المتعلقة بالجوانب الأمنية او فضائح الفساد. وعلى العموم، فإن محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية وعدالة مستقلة عن السلطة التنفيذية، ووجود صحافة استقصائية تتوفّر على كامل الحرية والحماية القانونية والمهنية في أداء مهامها كسلطة رابعة حقيقية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون: عدد من إطارات الدولة توبعوا قضائيًا بسبب رسائل مجهولة

لهذه الأسباب منع تبون الاعتماد على الرسائل المجهولة