27-يوليو-2021

حسام زهار (فيسبوك/الترا جزائر)

يقول منطق الفنون إنّ "مقام الإحسان" فيها يكون ثمرةً لتراكم التّجارب والخبرات والاحتكاكات والمكابدات والتّكوينات، فليس هناك رسّام أو ممثّل أو نحّات أو كاتب طلع متمكّنًا من فنّه منذ مطالع عمره ومساره؛ فما خلفية أن يملك فنّان ما القدرة على إعطاء انطباع قويّ بكونه متميّزًا ومبدعًا ومتفرّدًا، قبل أن يُتمّ النّصف الثّاني من عقده الثّاني؟

قيمة الفنّان فيه لا تتأتّى من التّخييل؛ بل من قدرته على أن يكون وفيًّا للصّورة الموضوعة أمامه أو الرّاسخة في ذهنه

لا شكّ في أنّ خلفيّة ذلك تعود إلى عمق الموهبة والشّغف الذّي يتعاطى به ذلك الفنّ. فإذا كانت الفنون تكثيفًا لروح الحياة ونبضها وحكمتها وصوتها وهواجسها وأسئلتها؛ فإنّ الشّغف هو تكثيف للعلاقة بالفنون. وهذا هو الوضع بالنّسبة للرّسّام حسام زهّار صاحب 17 ربيعًا المتخصّص لحدّ الآن في فنّ البورتريه.

اقرأ/ي أيضًا: رواية "طير الليل" لـ عمارة لخوص.. العنف كان البداية

لقد وصلتني بعض بورتريهاته مفصولةً عن أيّ معلومة عنه بما فيها المعلومة الخاصّة بسنه، فتوقّعت أن تكون لفنّان ممارس منذ سنوات طويلة؛ لذلك اندهشت حين عرفت لاحقًا كونه لم يزل على قيد الفتوّة والدّراسة؛ وقمت بتمرير بعض تلك البورتريهات إلى بعض الأصدقاء التّشكيليّين، فوقعوا في نفس الحكم بدايةً؛ ثم في نفس الدّهشة لاحقًا، وأجمعوا على تلك العبارة التّي عادةً ما تُقال للشّخص الذّي يُبدي علامات وبوادر النّبوغ والنّجابة منذ صغره "سيكون لهذا الفتى شأن عظيم".

اختار حسام زهّار فنّ البورتريه بصفته مدخلًا لاكتساب المهارة؛ فهو فنّ يقوم على الدّقّة والمحاكاة. وقيمة الفنّان فيه لا تتأتّى من التّخييل؛ بل من قدرته على أن يكون وفيًّا للصّورة الموضوعة أمامه أو الرّاسخة في ذهنه، إذ لا يكفي فقط أن تحيل الرّسمة على شخصيّة المرسوم لدى من يعرفه، بل يجب الوصول به إلى درجة المطابقة التّامّة التّي تجعله يعتقد أنّه أمام صورة لا أمام رسمة، حيث تنوب الرّيشة أو قلم الرّصاص أو القلم الجافّ عن آلة التّصوير، فيصبح الفرق الوحيد بينهما هو زمن الالتقاط، حيث تصبح السّاعات والأيّام والأسابيع في البورتريه مقابلةً للثّواني في الصّورة.

وتضعنا الدّقة التّي يرسم بها حسام زهّار "وجوهه" أمام سؤال: ما الذي يمنعه من الذّهاب إلى خيارات تشكيليّة أخرى؛  مثل التّجريد؟ فلا شكّ في أنّه سيبدع لوحاتٍ تضعه في خانة التّميّز وربّما الابتكار؟ إنّه ليس سؤال استنكار؛ بل هو سؤال ثقة من المتلقّي الذّي وقف أمام بورتريهاته. وهي ثقة أثمرتها المهارة. حين نبدع في فنّ ما سنقنع الآخرين بمهارتنا؛ وسنجعلهم يتوقّعون منّا الأفضل والأعلى والأكثر جرأةً وخروجًا عن المألوف. وهذا ما تفرضه علينا تجربة حسام في فنّ البورتريه.

غير أنّه ليس مستعجلًا. فهو لا يريد أن يحرق الأشواط ويريد أن يستمتع باللّحظة التّشكيليّة الأولى. متعة الإعلان عن الذّات. ومتعة رسم الذّوات التّي يختارها من محيطه العامّ؛ فينقلها إلى عالمه الخاصّ؛ فكأنّه شكّلها من جديد ومنحها فرصة للظّهور والحضور بشكل مختلف عن ظهورها وحضورها اللّذين عُرفت بهما لدى النّاس. وهي عادةً ما تكون وجوهًا على قدر كبير من الشّهرة. وهذه الخصوصيّة في إعادة التّشكيل هي ما يدفع كلّ من يقف أمام بورتريهات حسام مشهورًا كان أم مغمورًا يتمنّى أن يرسمه.

لا ينقل زهّار النّظرات والتّعابير المختلفة الظّاهرة في تلك الصّورة؛ بل يقترح نظراتٍ وتعابيرَ من عنده، فكأنّه يرسم نفسه وحالته النّفسيّة من خلال رسمه للآخرين

ينقل حسام زهّار الملامح العامّة للشّخص الذّي هو بصدد رسمه من صورة فوتوغرافيّة؛ أو من مواجهة مباشرة له، لكنّه لا ينقل النّظرات والتّعابير المختلفة الظّاهرة في تلك الصّورة؛ بل يقترح نظراتٍ وتعابيرَ من عنده، فكأنّه يرسم نفسه وحالته النّفسيّة من خلال رسمه للآخرين. وهو بهذا لا يتعامل مع فنّ البورتريه بصفته تقليدًا بل بصفته خلقًا. إذ نستطيع القول إنّه يبتكر شخوصه في اللّحظة التّي يعثر فيها عليهم. فهل سيعثر على خيارات تشكيليّة أخرى بينما يتقدّم في السّنوات، أم سيستقرّ على خيار البورتريه؛ لكنّه يقترح فيه تجديداتٍ تجعله واحدًا من روّاده؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

متى ستُوثق السينما الجزائرية لجزائر الحاضر؟

السينما الجزائرية.. أفلامٌ في العراء