06-سبتمبر-2022
حفل

حفل زفاف بالعاصمة الجزائرية (فايز نور الدين/أ.ف.ب)

في زاوية من زوايا محكمة بئر مراد رايس وسط العاصمة الجزائرية، يتحدّث رفيق ذو الـ 32 سنة مع محاميه عن مطلب تقدّم به لفسخ زواجه وتطليق زوجته بعد سنة من الزواج، إذ لم يجن من ثمار العلاقة بينهما سوى المشاكل، حسب قوله، فيما كانت زوجته التي ستصبح طليقته، تنظر إليه بنظرات حائرة، ففي هذا الوقت بالذات كانت قبل سنة تحتفل بزواجهما، فما هي صعوبات الزواج في الجزائر من منظور قانوني ومجتمعي وأكاديمي؟

يتحدث الجيلالي عن  مصير ابنته بعد طلاقها وهي لم تتجاوز 25 سنة بعد إصرارها على الزواج في بادئ الأمر

هي قصة حقيقية،  فقد كان الأب يقف مع ابنته في المحكمة لاستكمال إجراءات طلاق فلذة كبده بعد قرابة عام من الزواج. موقف لا يحسد عليه الآباء، بل ويتنكّرون له حتى وإن كان "أبغض الحلال"، فعمي الجيلالي من منطقة خرايسية بالعاصمة الجزائرية، يتحدّث لـ" الترا جزائر" بقلب مفجوع عن ابنته التي لم تبلغ بعد سن الـ 25 سنةولم تهنأ في بيتها، موضحًا أنها أصرّت على الزواج ولم يستطع رفض طلبها، لكن النهاية كانت خلافات يومية وشجارات، فلم تستفد البنت من فرحة الزواج إلا شهرًا واحدًا لتعود إلى بيت أهلها وهي تبكي.

ماذا حصل؟

لا يمكن اتّهام أحد طرفي المعادلة في مؤسّسة الزواج، فكلّ عنصر فيها يتحدّث عن ظلم الآخر، بل "ويرى أخطاء الآخر فقط"، في مقابل أن "الآباء غالبًا ما ينحازون إلى أبناءهم حتّى وإن كانوا مخطئين".

وهنا بالذات يتفق البعض أن الوالدين باتوا يناصرون أبناءهم، "ويحرضونهم على التمرد في مشكلات بسيطة، ما يعجل انهيار سقف الزوجية".

وتضيف السيدة سعاد مكتاف، محامية الأحوال الشخصية، أن كثيرين "دمروا ما بنوه بكلمة واحدة، لافتة في حديث لـ" الترا جزائر" أن الزواج والطلاق صارا وجهان لظاهرة سهلة التناول في الجزائر، 'في وقت كان في السابق مؤسسة تقام على أسس ويخجل فيها الأبناء من الزجّ بالوالدين في قضايا بسيطة، على حد تعبيرها.

من جهة أخرى، يرى البعض أن الزواج أصبح يتخوف منه الكثيرون، وهذا مرده حسب الأستاذة مكتاف عدم تفاهم الزوجين، أو بالأحرى، اتفاق ما قبل الزواج يسقط في الماء بمجرد إتمام إجراءات العقد الشرعي والعرس.

بين فكرة الزواج والاحتفال

يطلّ خبراء الأسرة بفكرة أن الزواج في الجزائر: "بات سيناريو لفيلم ينتهي بمجرد انتهاء مراسم الاحتفالية"، فكثيرون لا يعرفون من الزواج إلا فرحة الطقوس التي تسعد بها العائلات بينما "فكرة الزواج في حدّ ذاتها ما زالت غير واضحة للزّوجين".

هذه الحقيقة وكثير سواها موجودة، فزواج اليوم ليس زواج البارحة، إذ تتساءل أستاذة علم الاجتماع وسيلة بن يحيى عن سبب امتداد زواجات بطريقة تقليدية و"نجاحها" حدّ تعبيرها بمقاييس اجتماعية وأعراف وطقوس تختلف كثيرا عن اليوم؟، لتردّ بقولها إنّ الزواج التقليدي مبني على "المسؤولية وهي الغائبة كثيرًا اليوم"، لافتة في تصريح لـ" الترا جزائر" أنه في السابق أو قبل سنوات طويلة، كان آباءنا يعتبرون الزواج مسؤولية، فيبحثون عن الاستقرار والصبر على نوائب الدهر وعلى مشاركة الفرحة، واحترام الزوج.

لبّ الزواج في السابق هو "المسؤولية"، أما سبب فراغه من معاني الحياة الاجتماعية، حدّ قول الأستاذة بن يحيى، هو تهرّب طرفي الأسرة الجديدة من المسؤولية، خصوصًا وأننا أمام موجة أو ظاهرة من الزواج " المظهري" أو تمظهر عادات جديدة من الزواج، إذ غالبًا ما تربط البنت زواجها بـ" مراسم العرس"، بينما الزوج يصرّ على إخفاء الكثير من الحقيقة على زوجته، وظروف عيشه، دون أن يتحمل المسؤولية الكاملة فور زواجه.

تعتقد بعض التصريحات حول الزواج عمومًا في الجزائر أن هذا الرابط المقدس هو أساس استمرار العلاقات الزوجية من عدمها، إذ تظهر الأرقام ارتفاع نسبة الطلاق في الجزائر، إذ وصلت إلى أكثر من 44 ألف حالة منذ بداية السنة الجارية وخاصة بين الأزواج الجدد، ما يؤشر منطقيا عن فشل إجراءات الزواج في بلادنا.

في هذا المنوال، يرى المحامي عبد الكريم كروش وهو أستاذ الحقوق بجامعة قسنطينة شرق الجزائر، أنه لا يمكن ربط أرقام الطلاق بالظروف المعيشية فقط، بل هي تنبئ عن وضع سلبي في التعاطي مع الزواج في حدّ ذاته، وغالبًا ما يعيش الزوجان قبل الزواج حالة "الانفصام الاجتماعي، وارتباطها بما يمكن تسميته "خيال العلاقة أو الانبهار بحواشي العلاقة وإهمال عمقها"، لافتًا إلى أنه سبق له وأن تعرّض لهذا الموضوع في إطار مهنته، إذ مرت عليها قضايا "تفهت معنى منظومة الزواج خصوصًا بالنسبة الجيل الحالي".

وفي هذا الإطار، اعتبر محدث "الترا جزائر" أن "علاقات الزواج في المجتمع الجزائري باتت مرتبطة أساسًا بظروف العيش كالمسكن والعمل والعلاقات الاجتماعية بين عائلتين، لكن يصطدم الزوجان في مشكلة السكن التي تعتبر أكبر عائق تليها مشكلة العمل، فعلى سبيل المثال، رغم اتفاق الزوج مع زوجته بأنها تشتغل، إلا أن تدخلات العائلة تمنعها من ذلك، وغيرها من الأمور التي تلغي العقد الأخلاقي الأولي مباشرة بعد الزواج، وذلك ما يفسّر –حسبه-الكثير من القضايا المطروحة أمام العدالة المرتبطة أولًا بالطلاق والخلع أيضا، رغم أن لها مسبّبات متشابكة ومعقدة، يمكن تلافيها قبل الزواج بالتفاهم.

"زواج ليلة تدبيرو عام"

يعترف مهتمون بالشؤون الاجتماعية في الجزائر بأن " الزواج في الجزائر صار أزمة متعددة النواحي"، لأنها حسبهم مرتبطة أساسًا بالعديد من المشكلات الاجتماعية التي تعتبر مظهرًا لها، واعتبرته بعض الأصوات" أزمة" لأنه بات بعيدًا عن توليفة نحو البيت المستقرّ والذي يبنى للأمان والراحة، إذ برزت ظواهر مرتبطة بالظروف اليومية أهمها: أن الكثيرات يتزوجن هربا من مشاكل عائلاتهن، وهو ما يجعلها تتسرع في اتخاذ قرار الزواج بحجة الهرب من مشاكل نحو مشاكل أكبر ربما، في حين يتزوج الرجال بحثًا عن الاستقرار ولحاجات أكثر منها اقتصادية مرتبطة بعمل الزوجة.

من هذا المنظور، تعتقد سمية بوساق الخبيرة النفسانية أن الزواج دون تفكير "عواقبه الطلاق، أو على الأقل التحمل لفترة ولكنه لن يستمرّ ذلك المسار"، مشدّدة على أن الكثير من الأزواج لم يقدّموا  لأنفسهم فرصة للتعرّف على سلوكيات وطباع وإمكانيات في التأقلم بين بعضهما.

وأرجعت محدّثة " الترا جزائر" أن منظومة الزواج أصبحت خاوية، إذ انتشرت في الجزائر السنوات الأخيرة فكرة الزواج بعجلة والتمسّك بالطقوس المصاحبة للعقد المدني والشرعي، فيما هناك "حَلقة مفرغة " في هذه العلاقة أو الرابطة المقدسة تتعلق بـ "التجانس إذ يتم اختيار شريك الحياة على أساس التشابه في الخصائص الاجتماعية، كالقيم والظروف الحياتية والمنطقة وغيرها".

ولفتت في سياق آخر ،إلى أن البعض ينظر إلى الزواج الحالي بمنطق الماضي، إذ يرى كلا الطرفين صورة الوالد أو الوالدة، ولكن " هذا أمر مثالي" كما قالت، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي فالحاجات الشخصية لطرفي المؤسسة أي الزوج والزوجة هي أساس العلاقة، لكنها في المقابل تصطدم بالواقع الذي ربما يختلف عن توقعاتهما.

بين البارح واليوم: فوارق

في غالب الأحيان تذهب النقاشات في موضوع الزواج في الجزائر إلى المقارنة بين الفرق بين الزواج قديمًا وحديثًا، إذ توصلت الباحثة الجزائرية الأستاذة الخنساء تومي بأنه قديمًا كانت الأم هي التي تبادر بالخِطبة لابنها، فيما تطبّق الأفراح بإحياء عادات وطقوس ترضي الطرفين، ويقام الزواج بشروط ترضي الأطراف جميعًا، ،كما كان الزواج حسبها "هدفه بناء أسرة والرضا والرحمة"، مؤكّدة في إفادتها الأكاديمية على أن السكن لم يكن مطروحًا كشرط لازم، إذ بإمكان الزوجين العيش مع الأهل، على حد تعبيرها.

كما تناولت الزفاف بقولها أنها توصلت إلى أنه كان غالبا في مناطق متعددة في الجزائر "يبدأ مبكرًا وقد يستمر لسبع ليالي كاملة"، لافتة في دراستها إلى أن "الزفاف يقام في المنازل وشرفاتها الواسعة بينما الوجبات في الأعراس كانت تقليدية فيما تقام السهرات بالأغاني الشعبية والحكايات ".

على خلاف ذلك، صار الزواج اليوم – حسب الأستاذة تومي-  اختيار الشريكين فقط، فالابن يختار بنفسه، بينما "ظهرت عادات جديدة على مجتمعنا متأثرين –حسبها- "بكلّ ما تقدمه وسائل الإعلام من تفاخر وتمظهرات اجتماعية".

وأضافت أن من بين أهداف الزواج اليوم "الشكليات وعقد المقارنات بين الزيجات الأخرى، والتفاخر بالمهور فضلًا عن إقامة الأعراس في الفنادق الفاخرة أو القاعات، وتكاليف كثيرة تؤرق العائلات والزوج والزوجة على حدّ سواء، علاوة على أنه أول شرط بسكن فردي، مستنتجة أنه من لا يملك المال لا يحقّ له التفكير في الزواج، تقول تومي.

تغيّرات مفروضة

 بالمحصلة، يبدو أن الجانب المادي أصبح عاملًا أساسيًا لتغيير منظومة الزواج في الجزائر، بطغيان النظرة المادية للمراسم والاحتفالية، والهدف منه بعيد كلّ البعد عن حقيقة العلاقة في حدّ ذاتها، التي ترتبط أساسًا بالحفاظ على المجتمع من الآفات الاجتماعية والأخلاقية والأمراض الخطيرة المتأتية من علاقات خارج أطر الزواج.

يعتقد كثيرون أن عزوف الشباب عن الزواج في الجزائر مرده التغير الحاصل في المجتمع

هذا الأمر جعل البعض يرون عزوف الكثيرين عن الزواج في الجزائر، مرده التغير الاجتماعي الحاصل في المجتمع برمته، إذ أصبحت العلاقة اقتصادية واستهلاكية، في غياب الصحة النفسية التي يمكنها أن تعيد للوظيفة الاجتماعية للزواج روحها، خاصة أمام تعاظم التعارف الافتراضي بين الزوجين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعيدًا عن الحقيقة والواقع، وذلك أمر له ارتداداته على الأسرة.