30-أغسطس-2016

انزاحت صورة السارق من مقام الخيانة إلى البطولة لدى شريحة من الشباب الجزائري(أنطوان جيوري/Getty)

تسمى السرقة في القاموس الشعبي الجزائري "الخيانة"، ويسمى السارق "الخائن أو الخوّان"، بما يؤشّر على النظرة الشعبية لهذا الفعل ومقترفه، الذي كان يتعرض لعقاب جماعي يشارك فيه أهله أنفسهم، فلا تقبل مصاهرته أو مجالسته أو التعامل معه بيعًا وشراءً.

فعل السرقة في الفضاء الجزائري فقد ارتباطه بالتحفظ والتهيب، وظلّ يحتكم إلى منطق مختلف عما كان عليه في السابق

ويزخر المخيال الشعبي بمحكيات وأمثال وحكم تتناول فعل السرقة ومصير مقترفيه، من ذلك أن حطّابًا فقيرًا صادف جذع شجرة محشوًا بالذهب، فعاد به إلى البيت لا يسعه الفرح، وحين وصوله أرسل زوجته إلى بيت أخيها لتحضر مكيالًا يزنان به الغنيمة، فقالت زوجة الأخ لزوجها إنهما فقيران وليس من عادتهما أن يطلبا المكيال، وسوف أعرف طبيعة ما يكيلانه بوضع علكة في القاع. عاد المكيال وقد علقت به جوهرة، فخططا للاستحواذ على ذهب المسكينين. في الليل، غافل الرجل صاحبي الذهب وأخذه، لكنه فوجئ به، بعد أن فتح الكيس، قد صار عقاربَ وحياتٍ.

اقرأ/ي أيضًا: الحبس المؤقت في الجزائر.. مساجين في انتظار المجهول

هذا المخيال/الإرث، لا يعني أن الزمن الجزائري في السابق كان خاليًا من السرقة والسارقين، غير أنه يمكن القول إن الدوافع كانت أكثر "نبلًا"، مما صارت عليه اليوم، مع مراعاة الحرمان والفقر، اللذين كانت السياسة الاستعمارية الفرنسية تفرضهما على الأهالي.

اليوم، يكفي أن تقف دقيقتين قبالة أي مسجد جزائري، بعد أذان إحدى الصلوات الخمس، لتلتقط عيناك مشهدًا لم يكن موجودًا من قبل، يمكننا تحديد المدة بعشرين عامًا، هو أن المصلين إما يحضرون بأحذية تافهة أو صنادل وخفاف بسيطة، وإما بأحذية ثمينة يضعونها في أكياس تصحبهم إلى الداخل، والسبب هو انتشار ظاهرة السرقة، التي لم تمس الأحذية فقط، بل تعدّت إلى أثاث المساجد وصناديق الزكاة والصدقات المنصوبة في جنباتها.

تعمّدت انتقاء المسجد نموذجًا، بصفته فضاء يحظى بتقديس عميق لدى الجزائريين، بما فيهم ضعيفي التدين، للإشارة إلى أن فعل السرقة في الفضاء الجزائري فقد ارتباطه بالتحفظ والتهيب، وظلّ يحتكم إلى منطق مختلف عما كان عليه في السابق.

هذا التحول جعل صورة السارق تنزاح من مقام الخيانة إلى مقام البطولة، لدى شريحة واسعة من شباب الأحياء الشعبية، خاصة في المدن الكبرى، رغم وجود أب وأم وجد وعم وخال وجار رافضين لذلك، وهو ما أسّس لشرخ بين منظومتين اجتماعيتين، عادة ما تفرض منظومة السرقة نفسها في النهاية.

في أحياء شعبية تابعة لمدن تلمسان ومعسكر، غربًا، والجزائر العاصمة وبومرداس، وسط، وقسنطينة وعنابة، شرقًا، جالسنا نخبة من الشباب وفاتحناهم في الموضوع، فاكتشفنا مصطلح "الاسم"، ويعني الشهرة والسمعة، اللتين يكتسبهما الشاب الذي يدخل السجن أكثر من مرة بسبب "غزواته"، التي قد تتعلق بمحل تجاري أو سيارة أو بيت أو هاتف نقال أو بقرط يسحب من أذن امرأة.

يشعر الجزائريون بانقلاب في المفاهيم في حياتهم، في ظل استقالة مختلف المنظومات المعنية، منها مفهوم النموذج المحتذى به داخل الشارع الجزائري

يقول عصام الملقب بـ"التورنفيس" أي مفكك البراغي، إنه "لا يمكن لأي شاب أن يصبح زعيمًا بيننا إذا كان "رخوًا" يقضي يومياته هادئًا ومسالمًا مثل أنثى". يضيف: "الكل يسرقون، فلماذا يتم التركيز على شباب الأحياء الشعبية ويسكت عن الوزراء والمدراء وأصحاب الشركات؟ من حاسب وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل؟ ألم يعد من أمريكا فوق البساط الأحمر وكرمته الزوايا القرآنية، بما يشبه تمهيدًا لأن يكون مرشحًا رئاسيًا؟ من حاسب المقاولين الذين أنجزوا طريقًا سيارًا انهار قبل أن يكتمل؟".

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. عودة شكيب خليل تثير الجدل

في السياق، يقول الممثل المسرحي قادة تاتي إنه "خاض تجربة السجن لسبب مغاير، ولاحظ أن أكثر المسجونين احترامًا داخل فضاء السجن هم المحكوم عليهم بسبب السرقة". ويضيف: "يفرضون وجودهم بسرعة ويتم التساهل معهم كأنهم بلا ذنب، ولا يجدون حرجًا في استعراض مغامراتهم وتفاصيل يومياتهم في جلسات مفتوحة". ويدعو الممثل الجزائري المسرحيين إلى الالتفات إلى هذا الحقل الخصب بالحكايات والمعطيات الإنسانية والفنية.

باحثة علم الاجتماع في جامعة وهران آمال إيزة قالت لـ"الترا صوت" إن هناك انقلابًا في المفاهيم، في ظل استقالة مختلف المنظومات المعنية، منها مفهوم النموذج المحتذى داخل الشارع الجزائري: "في السابق، حيث كانت البلاد تملك مشروعَ مجتمع، كان المعلم هو النموذج، أما اليوم، حيث بات المتسربون مدرسيًا يصلون حتى إلى البرلمان، فقد بات السارق والمارق هو النموذج، ذلك أنه من المثير لإعجاب الشباب أن يتمكن سارق متسرب مدرسيًا من الإدارة والوزارة و"الشكارة" أي المال".

ولا تغفل إيزة "الهشاشة"، التي باتت تعانيها السلطة الأسرية على مراهقيها وشبابها، "حيث بات المسنّون فيها يشبهون التحف القديمة المركونة في زوايا البيت، ويكتفون بالتبرم الصامت حتى لا يجدوا أنفسهم خارج السياق نهائيًا"، في مقابل بنية اجتماعية تحمل "القفة" إلى السارق المسجون وتعتني به أكثر من السابق، وسياسية سرعان ما تفرج عنه بعفو رئاسي في الأعياد الوطنية والدينية. تختم: "هناك تواطؤ عام على رعاية وحماية السارق في الزمن الجزائري الجديد". 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سونطراك 1".. مفتاح فضائح الفساد في الجزائر

في الجزائر.. قطيعة بين النواب والمواطنين