28-أغسطس-2022
استيراد السيارت الجديدة في الجزائر ملف عالق منذ قرابة 5 سنوات (فيسبوك/الترا جزائر)

استيراد السيارت الجديدة في الجزائر ملف عالق منذ قرابة 5 سنوات (فيسبوك/الترا جزائر)

بحلول شهر أيلول/ سبتمبر 2022 تكون قد مرت سنة كاملة عن إيداع وكلاء السيارات المحتملين المقدر عددهم بـ 75 وكيلًا، ملفات طلبات الاستيراد على مستوى الطابق الرابع لوزارة الصناعة بالأبيار أعالي العاصمة، فأين وصل ملف استيراد السيارات الجديدة في الجزائر؟

تكتل وكلاء السيارات: المسؤولون يريدون تحقيق عدة أهداف دفعة واحدة وهي التصنيع والتصدير وإنتاج قطع الغيار  وهو أمر مستحيل يقف أمام تقدّم هذا الملف

هؤلاء الوكلاء لم يتلقوا إجابة لحد الساعة، رغم أن دفتر الشروط المنظم للنشاط يفرض الرد عليهم إيجابًا أو سلبًا في ظرف 20 يومًا كأقصى حد من إيداع الملف.

ويتساءل متعاملون من أصحاب الملفات في مناسبات عديدة، عن سرّ تأخر ردود وزارة الصناعة حول ملف استيراد السيارات الجديدة بعد سنة كاملة من الدراسة والغربلة والتصحيح، والإضافة والتقليص في الوثائق والطعن في الملفات والاجتماعات المارطونية للجان التقنية.

يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي أكد في حواره الأخير للصحافة الوطنية نهاية شهر تموز/جويلية 2022 بأن الجزائر ستتجه قريبًا نحو التصنيع، بالشراكة مع الإيطاليين "الأصدقاء المتفوقون في هذا المجال".

 وغير بعيد عن ذلك، قال وزير الصناعة أحمد زغدار مرارًا في خرجات عدة، أن الوزارة بصدد مفاوضة مجموعات عالمية عملاقة ترغب في دخول السوق الجزائرية للاستثمار في الصناعة الميكانيكية، إلا أن كافة هذه المفاوضات لم تسفر عن نتائج لحد الساعة، ولم تشهد أيّة خطوة للتجسيد.

ويبدو أن سنة 2022 ستمر دون مركبات جديدة في السوق الجزائرية، حيث لم يعد يفصلنا أزيد من أربعة أشهر عن نهاية العام، فما تبقى من الوقت لا يكفي لا للاستيراد ولا التركيب ولا للتجميع، ولا حتى لبداية تجسيد مشروع جديد، ليدخل الجزائريون بداية من سنة 2023 عامهم الخامس دون مركبات، متسائلين عن اللغز الذي يقف وراء تجميد الاستيراد رغم غياب مشاريع تصنيع في الأفق لحد الساعة.

أسباب الأزمة

ويصرح عضو تكتل وكلاء السيارات المحتملين فتحي جمعي لـ"الترا جزائر"، أن أزمة السيارات في الجزائر مردها صعوبة تحديد الأهداف التي ترغب الحكومة في تحقيقها عبر هذا الملف، مضيفًا: "هناك ثلاث طرق للوصول إلى صناعة حقيقية للسيارات بداية من الذهاب نحو تصنيع فعلي لقطع (أس كا دي)، وليس بالطريقة التي شهدتها مصانع نفخ العجلات في السنوات الماضية - أي قبل سنة 2019 - مع التحقيق التدريجي لنسبة إدماج مقبولة وأخيرًا ضمان انتقال تكنولوجي حقيقي وفعلي.

ويرى فتحي جمعي أن الحديث عن تصنيع سيارة جزائرية بنسبة 100 % لا يعني اشتراط أن تكون كل قطع هذه السيارة صناعة وطنية، فهنالك علامات عالمية، حسبه، تصل فيها نسبة الإدماج 16% في حين أن بقية مكونات السيارة لا تصنعها الشركة المنتجة.

ويشدد المتحدث على أن أحسن حل لتحقيق صناعة سيارة جزائرية في ظرف خمس سنوات هو اتباع النقاط سالفة الذكر، مؤكدًا أن العديد من الدول تمكنت فيما مضى من بلوغ مصاف بلدان مصنعة للسيارات رغم أنها قبل خمس سنوات لم تكن تمتلك أيّة تجربة في هذا المجال.

وضرب الوكيل الجزائري مثالًا بدولة فيتنام، التي تصنع اليوم المركبات وتصدرها نحو أوروبا.

ولام فتحي جمعي المسؤولين الجزائريين الذين قال إنهم يريدون تحقيق كل الغايات في نفس الوقت وهي التصنيع والتصدير وإنتاج قطع الغيار، وهو أمر مستحيل يقف اليوم حسبه في وجه تقدم هذا الملف، فبلوغ صناعة منتظمة يفرض العبور على عدة مراحل، حسبه.

ودعا محدث "الترا جزائر"، في هذا السياق السلطات إلى منح القطاع الخاص فرصة لخوض التجربة والاشتغال على هذا الملف، وتمكينه من الاستفادة من المزايا التي يتضمنها قانون الاستثمار.

وطالب وكيل السيارات، بتحرير صناعة السيارات وأيضًا فتح المجال للاستيراد من الخارج، إذ لا يمكن حسبه إبقاء السوق دون مركبات، في وقت يشهد الطلب على السيارات ارتفاعًا غير مسبوق.

مصنع للسيارات قبل الاستقلال

وما يجهله الكثيرون أن قصة مصنع سيارات جزائري ليست جديدة، فالجزائر وتحديدا مدينة الحراش وسط العاصمة كانت تتوفر على مصنع لإنتاج سيارات "أر 4" أو "رونو4" قبل الاستقلال، ملك للمجموعة الفرنسية رونو، لكنه توقف عن الإنتاج بعد الاستقلال، في حين بقيت تنشط منذ ذلك الوقت بعض المصانع للمناولة منفردة وتعد على الأصابع، وعددها اليوم يناهز 20 وحدة إنتاجية لتصنيع كراسي السيارات وبعض التجهيزات الأخرى.

ويقول رئيس المجلس الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عادل بن ساسي في تصريح لـ"الترا الجزائر"، إنه في حال تم تشجيع صناعة قطع الغيار ولواحق السيارات المصنفة ضمن خانة نشاط مناولة السيارات سيرتفع عدد المنتجين في ظرف قياسي من 20 إلى 200، أي أنه سيتضاعف 10 مرات.

ويعتبر المتحدث، أن الجزائر التي سبقت دولًا جارة كثيرة تتحدث اليوم عن تصنيع السيارات رغم أنها لم تبلغ بعد مصاف التصدير، يجب أن تستفيد من تجربتها السابقة وتاريخها العريق في هذا المجال، بالرغم من أن كافة مشاريع تصنيع السيارات بعد الاستقلال قد فشلت سواءً بسبب المماطلة أو سوء اختيار الشريك الأجنبي، أو البيروقراطية أو الفساد، بدءًا من مشروع السيارات الإيطالي "فاتيا" بالشراكة مع العلامة "فيات" مرورًا إلى "رونو" وصولا عند "فولكسفاغن" بالشراكة مع "سوفاك" ومصانع التركيب الأخرى في حقبة النظام السابق، والتي تحولت بعدها إلى فضائح فساد كبرى ودخل أصحابها السجن، وسماها الجزائريون بمصانع "نفخ العجلات".

ويرى بن ساسي، أنه لعدم تكرار أخطاء الماضي تمت مراسلة السلطات بجملة من المقترحات لنجاح نشاط تركيب السيارات مستقبلًا في الجزائر، وتتضمن هذه الأخيرة استحداث مصانع للمناولة قبل الشروع في التركيب، بحيث أن أيّة تجربة للتصنيع دون وجود مناولين محليين سيكون مصيرها الفشل، مع ضرورة إنتاج على الأقل 150 ألف مركبة لكل صنف من السيارات، يكون محل تصنيع في الجزائر، حتى يتمكن أصحاب المصانع من تحقيق نسبة إدماج عالية، وبالتالي مردودية إيجابية للاقتصاد الوطني.

8 أسباب للاستيراد

واستهجن تجمع وكلاء السيارات ما وصفه بالتصريحات المتضاربة والبعيدة عن الدقة لوزارة الصناعة بخصوص ملف السيارات، وأكد في رد مكتوب تلقت "الترا جزائر" نسخة عنه وجود ثمانية أسباب تفرض ضرورة رفع المكابح فورًا عن الاستيراد وهي ندرة حادة في المركبات في السوق الوطنية، ومرور سنة عن إيداع ملفات الاستيراد في وقت كان يفترض الرد على الوكلاء خلال 20 يومًا.

وتتمثل مبررات الاستيراد أيضًا في غياب موانع منطقية تفرض التريث، حتى أن العودة لنشاط التصنيع يستغرق على الأقل خمس سنوات لإنتاج أول سيارة، وأن الاستيراد إلى جانب التصنيع، "نشاط صحي" يخدم السوق الوطنية والاقتصاد المحلي والتنافسية، فلا يمكن إلزام الزبون الجزائري بركوب نوع واحد من السيارات، ناهيك عن أن تكتل وكلاء السيارات تعهد بالشروع في الإنتاج بعد ثلاث سنوات من الاستيراد.

وتعد أحد أهم أسباب العودة إلى الاستيراد، توصيات رئيس الجمهورية شهر كانون الأول/ديسمبر المنصرم حينما أمر في مجلس الوزراء بالرد الفوري على وكلاء السيارات والشروع في الاستيراد، وبخصوص استنزاف المزيد من العملة الصعبة يرى التكتل أن أموال استيراد السيارات تقل عن الخسائر الناجمة عن حوادث المرور جراء اهتراء الحظيرة الوطنية وقطع الغيار المغشوشة الممررة إلى السوق والاستيراد غير المقنن الذي يتواصل منذ أشهر من دول شرقية، حيث لا تحصل الخزينة من هؤلاء المستوردين غير الشرعيين أية رسوم.

ينتظر الجزائريون رفع التجميد عن استيراد السيارات في الجزائر بعد قرابة خمس سنوات

وفي النهاية، ينتظر الجزائريون بشغف موعد دخول أول سيارة جديدة، بعد قرابة خمس سنوات من منع الاستيراد، ويعولون على وعود المسؤولين الذين يؤكدون مرارًا أن هذا الملف يسير في طريقه إلى الإنفراج، فهل سيتحقق "الحلم" قريبًا، أم أن السيارة تحولت إلى ملف يلغم مقعد وزراء الصناعة المتعاقبين على المنصب في الثلاث سنوات الأخيرة؟